هناك مثل يقول انقلب السحر على الساحر. وهذا المثل ينطبق تماما على حالة الجزائر. فبعد أقل من 24 ساعة من الإعلان الرسمي لاستقلال جمهورية القبائل الفيدرالية، شعرت وزارة الخارجية الجزائرية، في رد فعل بافلوفي بات سمة مميزة لها، بأنها ملزمة بتوضيح بديهية. تشرح للعالم أن ما ينطبق على الآخرين لا ينطبق أبدا على الجزائر. افعلوا ما أقوله، لا ما أفعله.
رسميا، يتعلق الأمر بتوضيح أن المادة 32 من الدستور الجزائري، التي تعلن تضامن الجزائر مع «جميع الشعوب المناضلة من أجل حق تقرير المصير»، لا تنطبق على الجزائريين أنفسهم. وبتبنيها ما تدعي أنه موقف البرلمان الجزائري، تؤكد دبلوماسية البلد الجار دون أن يرف لها جفن أن هذا التضامن «موجه بشكل خاص وأساسي» نحو «دعم حق الشعب الصحراوي في تقرير المصير»، وأنه «لا ينطبق بأي شكل من الأشكال على الوضع الداخلي الجزائري».

بعبارة أخرى، تقرير المصير، نعم، ولكن للتصدير فقط. للاستخدام الخارجي فقط. مبدأ ممنوع داخل الحدود الوطنية. مفهومهم لمبدأ كوني متغير ومتقلب، مفهوم لا يمت البتة بكتب القانون الدستوري. البيان هو، قبل كل شيء، اعتراف بالذعر. نص متسرع مضطرب، مليء بتبريرات جوفاء، وبشكل خاص، غارق حتى النخاع في حقد دفين ضد المغرب.
تكفي نظرة سريعة على الوثيقة أن كلمة «المغرب» تذكر فيها كتعويذة: «أراض تحتلها المملكة المغربية»، «الاحتلال المغربي للصحراء الغربية»، «النضال ضد الاحتلال المغربي». يذكر المغرب كما لو أن الجزائر بحاجة إلى طمأنة نفسها بتوجيه أصابع الاتهام باستمرار إلى جاره لتجنب النظر إلى الصدع الذي ينفتح تحت أقدامها.
والأدهى من ذلك، منذ متى تقوم وزارة الخارجية بتبني موقف برلماني ونشره كما لو كان برقية دبلوماسية؟ في أي بلد يحدث مثل هذا الأمر؟ في أي ديمقراطية نرى الدبلوماسية تنقل وتفسر الدستور على هواها بدلا من فقهاء القانون، أو المؤسسات أو النقاش العام؟ هذا الانزلاق معبر. لم يعد النظام الجزائري يحكم، بل يكتفي بالترقيع. لم يعد يفكر، بل يكتفي بردود الأفعال. والأهم من ذلك، أنه لم يعد يعرف من له الحق في الكلام، فالذعر طمس الأدوار.
كراهية المغرب كدستور
يكشف هذا النص الغريب بشكل خاص عن حيرة نظام فوجئ بحدث اعتقد أنه مستحيل الحصول: الإعلان الفعلي والعلني والدولي عن استقلال منطقة القبائل. فعلى الرغم من الضغوطات والحظر والمناورات الخفية ومحاولات نسف الحدث، فقد أقيم الحفل بالفعل يوم الأحد 14 دجنبر 2025 في باريس.
ومن هذا المنظور، أظهرت حركة الماك براعة سياسية فائقة. أعلنت بداية عن فرساي، وقبلت الحظر الصادر عن السلطات المحلية، ثم نقلت الحدث إلى قلب باريس، على مقربة من قوس النصر، ورمزيا، ليس بعيدا عن السفارة الجزائرية، في خطوة محسوبة بدقة متناهية. جرى النظام الجزائري خلف الحدث، لكنه لم يفلح في اللحاق به. لقد كانت، بكل ما للكلمة من معنى، مهزلة دبلوماسية.
لكن لهذا «التوضيح» ميزة واحدة على الأقل. فهو يكشف أخيرا ما كان النظام الجزائري يخفيه باستمرار. كل خطوة وكل قرار يتخذ من المغرب بوصلة له. السياسة الخارجية والخطاب البرلماني...والآن حتى تأويل الدستور.
عندما تقر وزارة الخارجية صراحة بأن المادة 32 تستهدف المغرب، فإنها تقر ضمنيا بأن بوصلة النظام الأيديولوجية لا تهمها المبادئ ولا الشعوب، بل يتحكم فيها هوس مرضي واحد. هوس متجذر لدرجة أنه يملي حتى معاني المفاهيم الدستورية.
يمثل الإعلان الأحادي الجانب عن استقلال منطقة القبائل فعلا سياسيا غير مسبوق في تاريخ الجزائر المستقلة. فهو يعني نهاية الغموض وبداية مرحلة من التدويل. تاريخ 14 دجنبر سيكون له بلا شك ما بعده، شاء النظام أم أبى. ويجب فهم ذعر النظام في هذا السياق. ولكن كلما أصدرت الجزائر بيانات دفاعية، كلما كشفت ضعفها وهشاشتها. وبمحاولتها إخماد نار القبائل بالخطاب القديم المعادي للمغرب، لم تحقق الدبلوماسية الجزائرية سوى شيء واحد: تأكيد أنها أصبحت أسيرة تناقضاتها.




