الجزائر: إدانة فتحي غراس بسبب انتقاد الرئيس تبون يفضح زيف شعارات النظام

المعارض الجزائري فتحي غراس

في 22/10/2025 على الساعة 19:30

مرة أخرى، وجدت السلطة الجزائرية نفسها في مرمى الانتقادات الحقوقية، بعد أن أدان القضاء المعارض فتحي غراس، المنسق الوطني لحزب الحركة الديمقراطية الاجتماعية (MDS)، بالسجن سنتين نافذتين وغرامة مالية قدرها 300 ألف دينار جزائري، على خلفية تصريحات انتقد فيها رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون. وفي الوقت الذي تواصل فيه السلطات الترويج لصورتها كـ«نظام ديمقراطي منفتح يحترم حرية التعبير»، جاء هذا الحكم ليكشف واقعا مغايرا تماما، تحكمه قبضة أمنية صارمة ومنظومة قضائية مسيّسة لا تتسامح مع النقد.

أصدرت محكمة حسين داي بالعاصمة الجزائرية، يوم الثلاثاء 21 أكتوبر 2025، الحكم بالسجن سنتين نافذتين ضد غراس، بعد إدانته بتهم تتعلق بـ«إهانة رئيس الجمهورية» و«نشر أخبار كاذبة تمس بالنظام العام»، بسبب تصريحات إعلامية انتقد فيها سياسات تبون.

وعلّق غراس على الحكم في مقطع مصوّر قائلاً: «في الجزائر، بخلاف الدول الديمقراطية، القوانين وُضعت لحماية السلطة من رأي المواطن».

تسييس القضاء.. عنوان مرحلة

القضية التي تعود إلى شتنبر الماضي، حين أوقف غراس من منزله في 29 من الشهر ذاته، تسلط الضوء على الحدود الصارمة المفروضة على الخطاب المعارض في الجزائر.

فما صدر عن المعارض اليساري لم يكن سوى انتقاد سياسي لرئيس الجمهورية في سياق نقاش حول مراجعة قانوني الانتخابات والأحزاب، غير أن السلطات تعاملت معه كجريمة تمس بالنظام العام.

هيئة الدفاع عن غراس وصفت الحكم بأنه سياسي بامتياز، خالٍ من أي أساس قانوني.

وأكد المحامي عبد الغني بادي نية الدفاع استئناف الحكم، فيما اعتبرت المحامية فطة سعدات العقوبة «مطابقة لطلبات النيابة التي سعت إلى تكميم الأصوات المنتقدة باسم القانون».

من جهتها، أدانت حركة رشاد المعارضة، الحكم في حق غراس، واعتبرته « خرقاً صارخاً لمبادئ دولة القانون ودليلاً جديداً على تسييس القضاء لخنق كل الأصوات الحرة»، مطالبة بـ«الإفراج الفوري عن غراس ووقف سياسة القمع القضائي».

أما مسعودة شبالة، زوجة غراس القيادية في الحزب نفسه، فقد بثت عبر صفحتها الفيسبوكية تصريحا مؤثرا تقول فيه: إن «السبب الحقيقي وراء هذا الحكم هو انتقاده للمسؤول الأول في البلاد، عبد المجيد تبون»، مؤكدة أن جميع القضايا التي استهدفت زوجها «مرتبطة بمواقفه السياسية وانتقاداته العلنية للسلطة».

وليست هذه المرة الأولى التي يُدان فيها فتحي غراس بسبب آرائه. ففي سنة 2024، قضى تسعة أشهر في سجن الحراش بعد الحكم عليه بعام نافذ في قضية مشابهة.

هذا التكرار يعكس نمطاً ثابتاً في تعامل السلطات الجزائرية مع المعارضين: من ينتقد الرئيس أو الجيش يجد نفسه متهماً بـ«إهانة هيئة نظامية» أو «المساس بالأمن العام».

حرية التعبير تحت الوصاية

منذ تولي عبد المجيد تبون الحكم سنة 2019، يواصل النظام الجزائري تقديم نفسه كمنفتح على «إصلاحات سياسية ودستورية» تعزز دولة القانون، إلا أن الواقع يبرهن العكس.

فبدلاً من توسيع هامش الحريات، تشهد البلاد تضييقاً متزايداً على الإعلام والمعارضين، واعتقالات متكررة لناشطين وصحفيين ومدونين، تحت ذريعة حماية «المصلحة الوطنية».

ويعد الحكم الصادر ضد فتحي غراس دليلاً إضافياً على أن حرية التعبير في الجزائر ما زالت مشروطة بعدم المساس بـ«هيبة الرئيس أو المؤسسة العسكرية»، وأن شعار «الدولة الديمقراطية» لا يتجاوز حدود الخطاب الرسمي.

رسالة النظام إلى الداخل والخارج

تأتي إدانة فتحي غراس في سياق سياسي مطبوع بتشدد أمني وإغلاق شبه تام للمجال العمومي، رغم الوعود المتكررة بـ«تجديد الحياة السياسية». وتتواصل الملاحقات القضائية ضد المعارضين، في مشهد يؤكد أن الديمقراطية في الجزائر تُمارس بقدر ما تسمح به السلطة، لا بما يقرره الدستور.

وتحمل قضية غراس رسالتين واضحتين:

إلى الداخل، بأن الخطوط الحمراء لم تتغير؛

وإلى الخارج، بأن النظام يواصل استخدام الديمقراطية كواجهة لتجميل صورة حكم يتحكم فيه الجيش وأجهزة الأمن.

أما الأصوات الحرة، مثل غراس وصنصال وغيرهما من المعارضين، فمكانها في نظر السلطة ليس المنابر أو الشاشات، بل قاعات المحاكم وزنازين السجون.

تحرير من طرف ميلود الشلح
في 22/10/2025 على الساعة 19:30