مصطفى الطوسة يكتب: تبون.. رجل كل الإخفاقات

مصطفى الطوسة

في 15/12/2025 على الساعة 16:32

مقال رأيبالنسبة للجمهور المغربي، وهذا ليس مبالغة ظرفية ولا سلوكا تضخمه منصات التواصل الاجتماعي، فإن تبون كوميدي حقيقي غير متعمد، قادر في كل ظهور إعلامي على إثارة موجة من السخرية العامة. لدرجة أن كل تصريح سياسي يتم تقطيعه إلى شرائح ليصنعوا منه أعمالا هزلية تنتشر على نطاق واسع بفعل كثافة تداولها.

إذا أراد المرء أن يغمس قلمه في قدر من السخرية اللاذعة، فربما كان من الأجدر أن يوصي الصحافة والمؤثرين المغاربة بالكف عن انتقاد الرئيس عبد المجيد تبون، والتوقف عن توجيه لوائح الاتهام إليه بسبب أخطائه وإخفاقاته. بل على العكس، يمكن رسم صور مديحية له، لأن اختياراته السيئة، وإخفاقاته الدبلوماسية، وأسلوبه العدائي الصريح، قدمت خدمة جليلة للمغاربة. بل ينبغي تشجيع عبد المجيد تبون على الترشح لولاية ثالثة ورابعة، ولم لا خامسة، على رأس الجزائر.

وبالنسبة للجمهور المغربي، ودون أي مبالغة ظرفية أو تهويل تفرضه شبكات التواصل الاجتماعي، يبقى تبون كوميديا حقيقيا غير متعمد، قادرا في كل ظهور إعلامي على إثارة سخرية جماعية، إلى حد أن كل تصريح سياسي له يجري تقطيعه وتحويله إلى مشاهد هزلية تنتشر بسرعة قياسية.

وقضية تبون لا تقتصر فقط على الأرقام أو الإحصاءات التي غالبا ما يتخبط فيها الرئيس الجزائري. فالحالتان الشهيرتان اللتان لفتتا انتباه الرأي العام الدولي تتعلقان بادعائه قدرة الجزائريين على تحلية مياه البحر، التي أطلقها من على منبر الأمم المتحدة، وكذلك بتصريحاته حول تعادل الدينار والدولار، والتي ما تزال تثير نوبات من الضحك غير المسيطر عليه. ناهيك عن تلك الإحصاءات الوهمية حول الاقتصاد الجزائري التي يقذف بها تبون دون تحفظ في وجه الرأي العام الجزائري، مانحا إحساسا ضبابيا بالعيش في عالم مواز.

«بدأت لعنة تبون يوم وضع العلاقة مع المغرب في مرمى الاستهداف. وبالمقارنة مع عهد بوتفليقة، كان تبون هو من أوصل القطيعة مع المغرب إلى مستوى بالغ الحساسية: قطع العلاقات الدبلوماسية، إغلاق المجال الجوي وأنبوب الغاز المغاربي، ورفض أي وساطة عربية أو دولية»

—  مصطفى الطوسة

وفي ما يتعلق بإشكالية الأرقام المزيفة، حاول تبون مؤخرا إيجاد مخرج. إذ صرح للويزة حنون، الأمينة العامة لحزب العمال، وإحدى الشخصيات المتحجرة في المشهد السياسي الجزائري، بأنه تعرض للتضليل من طرف محيطه الذي زوده بتلك الأرقام الكاذبة. غير أن هذه الاستراتيجية القائمة على إلقاء المسؤولية على المحيط لم تزد سوى في تعميق الصورة الكاريكاتورية لتبون، مبرزة نظاما يتسم بالهواية والارتجال.

وإلى جانب الإفلاس الواضح على مستوى الشكل، يجسد عبد المجيد تبون أيضا فشلا على مستوى الجوهر. فشل ترسخ عبر سلسلة من القرارات التي ساهمت بشكل كبير في عزل الجزائر. وقد بدأت لعنة تبون يوم وضع العلاقة مع المغرب في مرمى الاستهداف. وبالمقارنة مع عهد بوتفليقة، كان تبون هو من أوصل القطيعة مع المغرب إلى مستوى بالغ الحساسية: قطع العلاقات الدبلوماسية، إغلاق المجال الجوي وأنبوب الغاز المغاربي، ورفض أي وساطة عربية أو دولية.

وبوتيرة هوسية، أحكم تبون إغلاق العلاقة مع المغرب بطريقة محكمة إلى حد أن المخرج الوحيد من هذا المأزق بات يمر عبر كسر هذا القفل. وقد رافق تبون تحدياته تجاه المغرب بإرادة معلنة لتغذية ونشر الكراهية ضد المغرب داخل الرأي العام الجزائري، كما تشهد على ذلك استراتيجيات التواصل المعتمدة من طرف إعلامه الرسمي أو دعايته على شبكات التواصل الاجتماعي. وأصبح إظهار العداء للمغرب شرطا للترقية والصعود في السلم السياسي داخل البلاد.

هذا الهوس المرضي بالمغرب كان له ثمن باهظ، إلى حد أن البعض لا يتردد في اعتباره لعنة حقيقية. فبسبب المغرب، دخل النظام الجزائري في أزمات مع جل شركائه الدوليين. أزمة مزمنة مع فرنسا وإسبانيا أدت إلى حالة من الشك الأوروبي، الذي بات ينظر إلى النظام الجزائري كعامل عدم استقرار. وأزمة مستمرة مع الدول العربية التي ترى فيه عاملا للتفرقة. وعلاقات متوترة مع واشنطن وموسكو، اللتين تعتبرانه، في تصورهما الاستراتيجي، شريكا غير موثوق، بل مصدرا للتوترات.

وإلى جانب كل هذه الإخفاقات المرتبطة مباشرة بالمغرب، فشل تبون أيضا في تدبير الملف القبائلي. ففي اندفاعه وقصر نظره السياسي، سارع النظام الجزائري في عهد تبون، خلافا لما كان عليه الحال في عهد بوتفليقة، إلى تصنيف حركة تقرير مصير القبائل (الماك) كتنظيم إرهابي، مانحا إياها حجما وحضورا دوليين غير مسبوقين، إلى حد أن هذه الحركة أعلنت في باريس استقلال منطقة القبائل. ودون الخوض في التداعيات السياسية لهذا الفعل غير المسبوق، فإن هذا الإعلان يشكل قبل كل شيء فشلا شخصيا للرئيس تبون، يضاف إلى لائحة طويلة من الاختيارات السياسية الخاطئة التي عزلت بلاده وتهدد بخنق اقتصادها، مع خطر كبير يتمثل في إعادة إطلاق دينامية الاحتجاجات الاجتماعية.

وأمام خطورة الوضع، يبدو أن أحد المطالب الرئيسية لشارع جزائري غاضب يتمثل في تصعيد مطلب تغيير النظام في الجزائر. وبالنظر إلى ضعف التعاطف والدعم اللذين يحظى بهما هذا النظام على الصعيد الدولي، لا يستبعد أن يحظى هذا المطلب الشعبي بتفهم، بل ومدعوما من طرف القوى الكبرى التي لها مصلحة في أن تصبح الجزائر دولة يُمكن التعامل معها مجددا.

تحرير من طرف مصطفى الطوسة
في 15/12/2025 على الساعة 16:32