منذ إعادة انتخاب الرئيس عبد المجيد تبون في سبتمبر 2024، وثقت منظمة «شعاع» لحقوق الإنسان اعتقال 13 ناشطا سلميا، وُجهت لهم تهم متعلقة بالإرهاب. هذه الاعتقالات تأتي في إطار حملة متواصلة بدأت قبل الانتخابات الرئاسية في 7 سبتمبر، ولم تتوقف رغم الوعود بفتح حوار وطني شامل، مما يفقد تلك الدعوات مصداقيتها في ظل القمع المستمر.
وكشفت منظمة «شعاع» لحقوق الإنسان في أحدث تقرير لها عن ملاحقات قضائية واعتقالات تعسفية استهدفت مدافعين عن حقوق الإنسان وصحفيين ومعارضين سياسيين، حيث استخدمت السلطات الجزائرية المادة 87 مكرر من قانون العقوبات، المتعلقة بمكافحة الإرهاب، لتوجيه تهم باطلة بحق هؤلاء الأفراد.
وقالت المنظمة الحقوقية إن هذا وقع بعد انتخابات 7 شتنبر 2024، مما يدحض أية مصداقية لدعوة تبون إلى فتح حوار وطني شامل.
إقرأ أيضا : أمنيستي تدين استخدام سلطات الجزائر لقانون الإرهاب لقمع المعارضين
تبون وإنكار وجود معتقلي رأي
في ظل الانتقادات المتزايدة، يواصل تبون إنكار وجود معتقلي رأي في الجزائر. ففي لقاء مع الصحافة يوم 5 أكتوبر 2024، جدد الرئيس تأكيده بأن السجون الجزائرية خالية من أي معارض سلمي أو ناشط سياسي، رغم التقارير الدولية التي توثق وجود 260 معتقلا سياسيا، بينهم ست نساء.
هذه التصريحات تأتي في وقت تتزايد فيه مطالب منظمات حقوقية دولية بالإفراج الفوري عن معتقلي الرأي، ومن بينها نداء خبراء أممين يوم 30 شتنبر 2024.
استمرار قمع حرية التعبير
خلال الحملة الانتخابية لرئاسيات 7 شتنبر، أصدرت منظمة العفو الدولية تقريرا يؤكد استمرار السلطات الجزائرية في قمع حرية التعبير، مبرزة تفاصيل الانتهاكات التي يتعرض لها النشطاء لمجرد انتقادهم السلمي للنظام عبر وسائل التواصل الاجتماعي. وأشارت إلى محاكمات صورية وعقوبات قاسية تفرض بحق هؤلاء النشطاء بهدف إخراس أي صوت معارض.
انتقادات حقوقية ودولية
واجهت الجزائر خلال الأسابيع الأخيرة موجة من الانتقادات من قبل منظمات حقوق الإنسان، التي أدانت استخدام السلطات لقوانين مكافحة الإرهاب كسلاح لقمع المعارضة. منظمة العفو الدولية أكدت في تقرير حديث أن السلطات الجزائرية صعدت من قمعها لحرية التعبير والتجمع السلمي خلال السنوات الخمس الأخيرة، مستهدفة بذلك كل من ينتقد النظام سواء عبر الصحافة أو منصات التواصل الاجتماعي.
وتجلى هذا التدهور في حرية الإعلام أيضا من خلال تراجع الجزائر في تصنيف منظمة « مراسلون بلا حدود » لعام 2024، حيث احتلت المرتبة 139 من أصل 180 دولة.
كما نددت المنظمة بتعرض وسائل الإعلام المستقلة لضغوط مستمرة وتهديدات واعتقالات تطال الصحفيين بسبب تغطيتهم لقضايا الفساد أو قمع التظاهرات.
خلق مناخ الخوف
خلص التقرير الحقوقي إلى أن الجزائر تشهد تراجعا حادا في الحقوق الأساسية كحرية التعبير والتجمع السلمي، مما يخلق « مناخا من الخوف والرقابة ».
إقرأ أيضا : قمع سياسي وتصعيد ضد المعارضين: كيف يستخدم النظام الجزائري نظرية المؤامرة لضمان بقائه؟
وجددت منظمة « شعاع » استنكارها لما وصفته بـ »استمرار السلطات الجزائرية في سياسة القمع »، فقد طالبت بـ »وقف التضييق على الحريات وإنهاء الاعتقالات في صفوف الناشطين المعارضين والملاحقات القضائية بحقهم، والإفراج عن معتقلي الرأي، وفتح حوار سياسي جاد »، مؤكدة أن « حل الأزمات المتعددة التي تواجهها الجزائر اليوم يتطلب حياة سياسية حرة ومنفتحة ».
بدورها دعت منظمة العفو الدولية إلى ضرورة وقف هذه الحملة القمعية، والإفراج عن كل المعتقلين السلميين فورا، وحماية حق المواطنين في التعبير الحر والانضمام إلى الجمعيات والتجمع السلمي.
إن استمرار النظام الجزائري في قمع الأصوات المعارضة والزج بالنشطاء السلميين والصحفيين في السجون يفضح زيف الادعاءات التي تروجها الجزائر أمام المنتظم الدولي. فبينما يحاول الرئيس تبون إظهار صورة منفتحة وديمقراطية تدعو إلى الحوار الوطني، تتناقض هذه الصورة بشكل صارخ مع الواقع المأساوي الذي يعيشه معارضو النظام. هذا التناقض يعمّق عزلة الجزائر الدولية ويزيد من حجم الانتقادات الحقوقية الموجهة لها، بينما تظل حقوق الإنسان في الجزائر في مواجهة مستمرة مع آلة القمع التي لا تميز بين مواطن يطالب بحقوقه الأساسية ولا معارض أو ناشط سلمي أو صحفي مهني يقوم بمهمته.