برنارد لوغان يكتب: كيف انتزع جيش الحدود الجزائري السلطة من أيدي المجاهدين الحقيقيين

Bernard Lugan.

المؤرخ الفرنسي برنارد لوغان

في 07/10/2025 على الساعة 11:00

مقال رأيمنذ عام 1960، كان «جيش الحدود» بقيادة العقيد هواري بومدين، وهو جيش ظلّ سليما لأنه كان متمركزا في تونس والمغرب، ولم يخض معارك ضد القوات الفرنسية. بينما أُقصي مقاتلو الداخل من قبل مقاتلي الخارج، وتراجعت القيادة السياسية أمام سلطة العسكر، حتى أضحى مؤتمر الصومام «المؤسس» نسيا منسيا.

في مقالي السابق، أوضحت كيف أقصى التيار الإسلامو-عربي داخل جبهة التحرير الوطني المكوّن الأمازيغي من الحركة الوطنية. فبعد أن أُزيح البعد الأمازيغي من المطالب الوطنية لصالح العروبة والإسلام السياسي اللذين صارا العقيدة الرسمية للجبهة، وجد الأمازيغ أنفسهم مغدورين. واليوم سنتناول كيف انتزع جيش التحرير الوطني (ALN) السلطة من أيدي المجاهدين الحقيقيين.

خلال صيف عام 1962، شهدت الجزائر المستقلة حديثا انقلابا أفضى إلى قيام «النظام» القائم إلى اليوم. فقد أُقصيت الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية (GPRA)، التي كانت مدعومة من الناجين من كتائب الداخل، على يد جيش التحرير الوطني الذي كان العقيد هواري بومدين يقوده منذ عام 1960. هذا الجيش، المعروف بـ«جيش الحدود»، كان قد نجا من الاستنزاف لأنه ظلّ متمركزاً في تونس والمغرب، ولم يخض معارك ضد الفرنسيين منذ هزيمتيه الداميتين في أبريل 1958 ونونبر 1959 على خط الحدود التونسي، حيث خسر 3200 قتيلا و300 أسيرا.

وقد قال رئيس الحكومة المؤقتة، بن يوسف بن خدة، بهذا الصدد: «بعض الضباط الذين عاشوا في الخارج لم يعرفوا الحرب الثورية كما عرفها إخوتهم في الجبال.»

تم الانقلاب الذي نفّذه «العروبيون» في جيش الحدود على سبع مراحل:

  1. في ماي 1962 بدأ أحمد بن بلة وهواري بومدين تنفيذ انقلابهما عندما أُجبرت الحكومة المؤقتة على الدعوة إلى عقد المجلس الوطني للثورة الجزائرية (CNRA) في مؤتمر عام. كان هدفهما إنشاء مكتب سياسي تحت سيطرتهما لتجاوز الحكومة المؤقتة.
  2. في 28 ماي، انهارت القيادة الجماعية حين تمكّن لوبي مؤيد لبن بلة من فرض تبنّي النموذج الاشتراكي والحزب الواحد، فانسحب بن يوسف بن خدة من الاجتماع احتجاجا.
  3. حاول مقاتلو الداخل التوسط، فانعقد اجتماع يومي 24  و25 يونيو بين ولايات II وIII  وIV، والمنطقة المستقلة للجزائر العاصمة، وممثلي فيدرالية فرنسا التابعة للجبهة، في برج زمورة بالقبائل. وأسفر اللقاء عن إنشاء «اللجنة المشتركة بين الولايات».
  4. في 30 يونيو، قررت الحكومة المؤقتة عزل هيئة الأركان العامة لجيش التحرير الوطني (EMG). وردا على ذلك، دعا بن بلة وبومدين، في2  يوليوز، قادة الولايات إلى الخضوع لأوامر هيئة الأركان، وأصدرا أوامر بتحضير الجيش للتحرك نحو الجزائر.
  5. في 11 يوليوز، استقر بن بلة في تلمسان، ولحق به العقيد بومدين في16  يوليوز.
  6. في 23 يوليوز، انفصل محمد بوضياف وحسين آيت أحمد عن «مجموعة تلمسان» متهمين إياها بالسعي لإقامة ديكتاتورية، وانتقلا إلى منطقة القبائل، بمدينة تيزي وزو، حيث وجّها نداءً إلى الجزائريين لمقاومة الانقلاب. وفي 27 يوليوز انضم إليهما كريم بلقاسم.
  7. في 25 يوليوز، استولى القائد العربي برادجم من الولاية الثانية على قسنطينة وانضم إلى «مجموعة تلمسان». دارت معارك في المدينة، ثم في 29 يوليوز سيطرت الولاية الرابعة على الجزائر العاصمة بعد أن أطاحت بالمنطقة المستقلة (ZAA) واعتقلت قادتها. تواصلت المواجهات العنيفة في العاصمة في29 غشت ثم في 4 شتنبر تمركز بن بلة في وهران، حيث أصدر بومدين أمراً لجيشه بالزحف نحو الجزائر العاصمة، ما أدى إلى معارك دامية في بوغار وسيدي عيسى والشلف. وفي 9  شتنبر 1962، دخل بن بلة والعقيد بومدين العاصمة على رأس جيش التحرير الوطني.

وبذلك أُقصي مقاتلو الداخل لصالح مقاتلي الخارج، والسياسيون لصالح العسكريين، وتُرك مؤتمر الصومام «المؤسس» طيّ النسيان.

وفي يوليوز 1964، أسس آيت أحمد ومحمد بوضياف المجلس الوطني للدفاع عن الثورة (CNDR)، وأطلقا حركات مقاومة مسلّحة خصوصاً في منطقة القبائل. كما حاول العقيد شعباني، قائد الولاية السادسة (الصحراء)، التوجه نحو الجزائر العاصمة، لكنه أُوقف وأُعدم رميا بالرصاص في 8 شتنبر. أما آيت أحمد فاعتُقل في 17 أكتوبر 1964 وصدر بحقه حكم بالإعدام. وكانت حملة القمع شرسة وقاسية.

تحرير من طرف برنارد لوغان
في 07/10/2025 على الساعة 11:00