الجزائر: معجزة تبون الجديدة.. تدشين محطة لتحلية المياه في وهران وتضخيمها لتكفي ست ولايات!

الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون خلال تدشين محطة تحلية مياه البحر بوهران يوم 20 فبراير 2025

في 21/02/2025 على الساعة 16:00

فيديوخلال مناسبة تدشين بنية تحتية عادية بوهران يوم الخميس 20 فبراير 2025، لجأ النظام الجزائري، بقيادة الرئيس عبد المجيد تبون، إلى عادة التضخيم مرة أخرى من أجل إيهام الشعب بتحقيق «إنجازات عملاقة». ورغم أن الأمر لا يتجاوز تدشين محطة لتحلية مياه البحر في وهران كان يمكن أن يتولاها وزير أو مسؤول محلي، إلا أن تبون المولوع بحب الاستعراضات الفارغة أبى إلا أن يتكبد بنفسه مشاق التنقل من العاصمة إلى وهران (432 كلم) حتى لا يُنسب هذا «الإنجاز» لمسؤول آخر. وكالعادة، استغل النظام هاته المناسبة، عبر أذرعه الإعلامية، لتقديمها كـ«زيارة عمل تاريخية»، في محاولة لصرف الأنظار عن الفشل الذريع في تلبية الحاجيات الحقيقية للمواطنين.


لم يكن تدشين محطة تحلية المياه في وهران حدثا استثنائيا في حد ذاته، لكن النظام الجزائري، وعلى رأسه الرئيس عبد المجيد تبون، أصر كعادته على تضخيم الإنجاز وتحويله إلى «معجزة» ضمن مشروعه الدعائي لتسويق «الجزائر المنتصرة».

فبعد تأجيلات متكررة، جاء اليوم الذي وُصف بـ«التاريخي» لافتتاح المحطة، رغم أنها مجرد مشروع بنية تحتية لا تستلزم كل التهريج الذي رافق تنقل الرئيس لتدشينها. إلا أن الإعلام الرسمي جعل منه إنجازا ضخما، ووصف زيارة تبون لوهران بأنها «زيارة عمل تاريخية»، في مشهد يعكس إصرار النظام على تضخيم أي حدث عادي لإيهام الشعب بأن البلاد تحقق قفزات تنموية كبرى.

رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون في زيارة عمل تاريخية بوهران لتدشين أضخم مصنع لتحلية مياه البحر في الجزائر الواقع...

Publiée par ‎رئاسة الجمهورية الجزائرية‎ sur Jeudi 20 février 2025

«محطة» أم «مصنع»؟

لم يكن الحدث في حد ذاته مفاجئا، فالرئيس تبون سبق أن وعد بهذا المشروع في إطار وعوده الانتخابية تحت شعار «الجزائر المنتصرة»، لكن ما أثار الانتباه هو تحول المشروع بين ليلة وضحاها من «محطة لتحلية مياه البحر» إلى «أضخم مصنع» للمياه المحلاة.

وبينما ظل الإعلام وتبون نفسه يسميها « محطة » منذ إعطاء انطلاقة تشييدها في عام 2022 وإلى غاية اليوم السابق لتدشينها، تحولت المحطة بقدرة قادر يوم التدشين إلى « أضخم مصنع ». وهذا التحول اللغوي ليس خطأً عابرا، بل هو أسلوب ممنهج يمارسه النظام لتضخيم أي مشروع يخدم دعايته، وكأن الفرق الشاسع بين المفهومين لا يهم، بقدر ما يهم تسويق صورة الدولة التي تحقق «المعجزات».

هذه «المعجزة»، وفقا لخطاب تبون، تكمن في إنجاز المشروع في ظرف 26 شهرا بدل 36، متجاهلا أن مدة الإنجاز ليست معيارا كافيا لتحديد مدى نجاح المشروع. لكن الرئيس لم يضيع الفرصة ليعيد ترديد عبارته المفضلة: «الجزائر قوة ضاربة»، في استعراض معتاد لمبالغات النظام لتمرير إنجازات متواضعة وكأنها قفزات عملاقة.

أرقام وهمية وخداع إعلامي

المحطة التي افتتحها تبون تنتج 300 ألف متر مكعب من المياه يوميا، وهو رقم لا يغطي حتى نصف حاجيات سكان وهران التي تصل إلى 630 ألف متر مكعب يوميا وفق إحصائيات 2024.

ومع ذلك، أعلن تبون بكل ثقة أن هذه المياه ستُوزع على ست ولايات أخرى في الغرب الجزائري! فكيف يمكن لهذه الكمية أن تكفي حاجيات 3 ملايين نسمة على الأقل؟ إنها ببساطة جزء من خدعة الأرقام التي يمارسها النظام للترويج لإنجازاته المتواضعة.

الإجابة تكمن في أسلوب التضخيم الذي يمارسه النظام ويتقنه ببراعة «خبير الحسابات» عبد المجيد تبون، حيث تم التلاعب بالأرقام لتبدو أكثر تأثيرا: فبدلا من الحديث عن 300 ألف متر مكعب، تم تحويل الرقم إلى 300 مليون لتر، ما يؤكد أن النظام يعتمد على التلاعب اللغوي والهندسة الإعلامية لتضليل الرأي العام.

هروب من مواجهة الشعب

اقتصرت زيارة تبون لوهران فقط على تدشين محطة تحلية المياه، ومع ذلك وصف الإعلام الجزائري هاته الزيارة بـ« التاريخية ». لماذا تاريخية؟ ليس لأن الرئيس جاء لسكان ثاني أكبر مدن الجزائر بمشاريع تنموية واقتصادية واجتماعية، بل فقط لأنه لم يزرها منذ أن أعطى إشارة انطلاق أشغال المحطة في عام 2022 خلال عهدته الأولى.

والملاحظ أن تبون لم يخرج خلال زيارته الرسمية إلى وهران لملاقاة السكان والاستماع إلى نبضهم وهمومهم ومشاكلهم، مثلما وعد بذلك خلال حملته الانتخابية الثانية... لم يقم بذلك ببساطة لأنه لا يملك الجرأة لمواجهة غضب المواطنين الذين يعانون الويلات بسبب الأوضاع المعيشية المتدهورة نتيجة سياسات النظام الفاشلة على جميع الأصعدة.

وسرعان ما انتشرت التعليقات الساخرة والغاضبة على مواقع التواصل الاجتماعي، خصوصا على الصفحة الرسمية للرئاسة الجزائرية، حيث طالب المواطنون رئيسهم بالتوقف عن سياسة الاستعراض الإعلامي والتركيز على حل المشاكل الحقيقية التي تعاني منها البلاد. كما طالبوه بالاهتمام بالمناطق الأخرى التي تعاني العطش وانقطاع المياه بدلا من الاحتفال بإنجاز متواضع.

قوقعة تبون

أحد الجوانب الأخرى لهذا التضخيم هو محاولة النظام تقديم الجزائر على أنها رائدة في مجال تحلية مياه البحر، متجاهلا أن المغرب سبقها في هذا المجال بسنوات. فمحطة تحلية المياه في وهران بدأ بناؤها في عام 2022، بينما كان المغرب قد شرع فعلا، قبل أشهر من ذلك التاريخ، في استغلال محطة شتوكة في أكادير، وهي واحدة من أكبر محطات تحلية المياه في إفريقيا.

وتمادى تبون في أحلامه حين تحدث عن « تحويل الجزائر إلى مصنع للمعدات الخاصة بتحلية المياه »، متجاهلا تماما أن بلاده تعاني نقصا حادا في الاستثمارات والبنية التحتية، حيث تعاني البلاد من ضعف في التصنيع وتراجع في القدرة على تنفيذ المشاريع الكبرى.

سياسة التضخيم

إن أسلوب تبون في تضخيم الإنجازات وإيهام الشعب بأن الجزائر تحقق نجاحات غير مسبوقة يعكس أزمة عميقة يعيشها النظام، حيث يعتمد على الدعاية الإعلامية الفارغة بدلا من الإصلاحات الحقيقية. فالجزائريون لا يحتاجون إلى شعارات جوفاء حول « المعجزات »، بل إلى حلول ملموسة لأزماتهم المعيشية، من ماء وغذاء وصحة وتعليم، وهي مجالات تعاني من تدهور مستمر بسبب السياسات الفاشلة للنظام.

ومهما حاول النظام الجزائري صناعة الوهم وتضخيم الإنجازات، فإن الشعب يدرك الحقيقة، ولن تنطلي عليه خدعة تحويل «محطة» إلى «مصنع»، أو «300 ألف متر مكعب» إلى «300 مليون لتر». فالتضخيم قد ينفع في الحملات الدعائية، لكنه لن يحل الأزمات الحقيقية التي تعاني منها البلاد.

تحرير من طرف ميلود الشلح
في 21/02/2025 على الساعة 16:00