« في شمال إفريقيا، في إفريقيا، الدولة الوحيدة من العالم الثالث التي حرصت على أن لا يكون عليها دولار واحد من المديونية.. هي الجزائر »، يقول عبد المجيد تبون بثقة زائدة في النفس، وسط تصفيقات جماهيرية تم إعدادها بعناية لتعزيز صورة الرئيس كقائد اقتصادي لا يُقهر، وهو يستعد لخوض غمار عهدة ثانية مدعومة من الجيش.
ليست هذه المرة الأولى التي يعلن فيها تبون عن « إنجاز » بلاده في التخلص من الديون الخارجية، بل إنه لا يفتأ يكرر هذا الادعاء، مستنداً إلى تقارير « بنك الجزائر »، ومفتخراً بأن بلاده أصبحت في مصاف الدول الأغنى في إفريقيا بفضل هذه الخطوة.
لكن ما يدعيه تبون حول « التخلص من المديونية الخارجية » يفتقر إلى الدقة ويتناقض مع إحصائيات البنك الدولي، التي تفضح هشاشة الاقتصاد الجزائري الذي لا يزال يعتمد بشكل كبير على عائدات النفط.
في تحليل نُشر على موقع « وورلد كرانش »، ذكر أن ثروة الجزائر الطبيعية الهائلة لم تعد كافية لإخفاء التخلف الاقتصادي الذي تعاني منه البلاد مقارنة بجيرانها المغاربيين. ويشير التقرير إلى أن الجزائر قد تواجه صعوبات اقتصادية خطيرة بحلول عام 2028 نتيجة السياسات الاقتصادية غير الفعالة التي اتبعتها منذ الاستقلال، خاصة في ظل غياب التنويع الاقتصادي.
وبحسب بيانات صندوق النقد الدولي، فإن الدين العام للجزائر شهد ارتفاعاً ملحوظاً، حيث انتقل من 7.7% من الناتج المحلي الإجمالي في نهاية عام 2014 إلى 62.8% في نهاية عام 2021، قبل أن يتراجع قليلاً إلى 52.4% بنهاية عام 2022. ووفقاً للتقرير، فإن الجزائر التي كانت الأقل مديونية بين 54 دولة في القارة الإفريقية عام 2014، صعدت إلى المرتبة 26 في غضون سبع سنوات فقط. بل إن التقرير يحذر من أن الجزائر قد تصبح قريباً واحدة من أكثر عشر دول مديونية في إفريقيا.
ومن المفارقات أن يتزامن تصريح تبون، الذي تشير سيرته الذاتية إلى كونه متخصصا في الاقتصاد والمالية (خريج المدرسة العليا للإدارة عام 1969)، وتفاخره أمام نقابة العمال الجزائريين في فاتح ماي 2024، مع ندوة صحفية لوزير المالية عبد العزيز فايد. فعندما سُئل الوزير حول مبلغ الدين الخارجي للجزائر، أجاب مرتبكا بأن حدم الدين لا يتجاوز 924 مليون دولار، وهو ما يثير التساؤلات حول مدى صدق تصريحات الرئيس.
إذاً، في ظل هذا التناقض الواضح بين تصريحات تبون وواقع الاقتصاد الجزائري كما تكشفه التقارير الدولية، يبقى السؤال: من يكذب على من؟
تناقضات وأكاذيب
خلال خطبته العصماء من قسنطينة، أطلق تبون العديد من الوعود التي وصفها كثيرون بالأكاذيب. فقد أكد أن « العهدة الثانية لن تكون عهدة سياسية فقط، بل ستكون عهدة اقتصادية بامتياز »، مشيراً إلى أن برنامجه يركز على « تحقيق نمو اقتصادي شامل وتطوير البنية التحتية، بما في ذلك توفير مليوني سكن، خاصة في المناطق الريفية والاجتماعية ».
وفي محاولته لتجميل صورته، وعد تبون بأن تصبح الجزائر من الدول « الرائدة » في تصدير الحديد وتقليص الاستيراد في قطاع الزراعة، كما زعم أن الجزائر « ستصبح البلد الأول في تصدير الفوسفاط ». وأشار إلى أن « الأريحية المالية التي تتمتع بها البلاد ليس مصدرها البترول، بل عدم المساس بالمال العام ».
ومن بين الوعود الواهية الأخرى، تعهد تبون بتحسين قطاع النقل وربط الجنوب بالشمال عبر مشاريع هامة في السكك الحديدية، وأكد أن البلاد ستشهد تطورات كبيرة في مجال الرقمنة لتصبح « مرقمنة بالكامل بحلول السنة المقبلة ».
وهكذا ستضاف إلى قائمة « أكاذيب تبون » التي لا يفتأ يُحيّنها باستمرار وبشكل تصاعدي لا يقدر أعتى الكذابين على منافسته فيها.
إقرأ أيضا : بسبب انقطاع مياه الشرب.. المواطن الجزائري بين مطرقة العطش وسندان التسمم
أساطير مشروخة
كرر تبون الكثير من الأساطير المشروخة التي تأذت بها آذان الجزائريين من كثرة ترديدها، مثل نظرية « المؤامرة » التي أشعلت –حسبه- حرائق غابات منطقة القبائل عام 2021.
ودافع تبون عن « منجزات » ولايته الرئاسية الأولى قائلا: « لأول مرة يتقدم رئيس لانتخابات رئاسية بالتزامات مكتوبة في 2019، وقد فعلت ذلك حتى لا تصنّف بأنها مجرد وعود تُنسى »، كاشفا أنه يعتزم القضاء تماما على أزمة المياه عبر تحلية البحر.
على ذكر أزمة المياه، ترى كيف حال سكان ولاية تيارت الذين يقاسون يوميا، منذ أشهر، بسبب العطش الناتج عن الانقطاع المستمر لمياه الشرب، على الرغم من أن تبون وعدهم حينها بأن يعيد إليهم المياه المقطوعة في ظرف 48 ساعة؟