أعلن الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، في مجلس الوزراء يوم الأحد 8 دجنبر 2024، عن زيادة كبيرة في المبلغ الذي يمكن للجزائريين المسافرين إلى الخارج تبادله في البنوك. هذا المبلغ انتقل من 100 يورو فقط إلى 750 يورو، و300 يورو للقاصرين، إضافة إلى رفع منحة الحج إلى 1000 دولار ابتداء من يناير 2025.
كان المبلغ الضئيل المخصص للتمويل السياحي أحد العوامل التي كانت تعزز الطلب على العملات الأجنبية في السوق الموازي للعملات في الجزائر. وكان الطلاب والسياح والحجاج والمرضى والتجار الجزائريون يعتمدون على هذا المصدر للحصول على المبالغ اللازمة لرحلاتهم إلى الخارج.
بيد أن السوق السوداء للعملة في الجزائر، المعروفة باسم « السكوار »، غير متأثرة بأي من الإجراءات. فبينما كان الهدف المعلن من هذه الخطوة ليس سوى التخفيف من الضغط على السوق السوداء للعملة، إلا أنها جاءت بنتائج عكسية، إذ ارتفعت أسعار العملات الأجنبية بشكل غير مسبوق في اليوم الموالي لإعلان هذا القرار.
انهيار غير مسبوق للدينار
حسب ما أورده موقع TSA الجزائري، ففي يوم الأربعاء 4 دجنبر، كان يُتداول اليورو بسعر 259.5 دينارا جزائريا. أما في يوم الاثنين 9 دجنبر، أي اليوم الموالي لإعلان تبون الزيادة في المبلغ المخصص للتمويل السياحي، « فقد وصل سعر الصرف في ساحة بور سعيد، وهي أبرز نقطة لتداول العملات في الجزائر العاصمة، إلى 262 دينارا لكل يورو، وهو رقم قياسي جديد.»
أما الدولار الأمريكي، يضيف المصدر نفسه، « فيسير على المنوال نفسه، إذ انتقل من 247 دينارا الأربعاء الماضي إلى 248 دينارا لكل دولار يوم الاثنين. »
ووفق الصحيفة الجزائرية فإنه أصبح من الضروري دفع 26,200 دينار جزائري مقابل 100 يورو و24,800 دينار مقابل 100 دولار.
وهكذا تشهد السوق السوداء في الجزائر نشاطا مكثفا في ظل غياب تدابير فعالة لاحتواء الأزمة.
ويأتي هذا التدهور رغم سلسلة من القرارات الحكومية التي فشلت في تحقيق أي استقرار، من بينها تحديد سقف لحيازة العملة الأجنبية وتجميد استيراد السيارات المستعملة.
تدابير عشوائية فاشلة
سبق لتبون أن اتخذ خلال الأسابيع الأخيرة بعض التدابير (العشوائية) لكنها لم تسهم في الحد من ارتفاع اليورو والدولار.
الإجراء الأول الذي تم اتخاذه في أكتوبر كان تجميد تسجيل السيارات المستعملة (أقل من 3 سنوات) المستوردة. أما الإجراء الثاني، فكان تحديد سقف للمبلغ الذي يمكن للمسافرين الجزائريين إخراجه من البلاد من العملة الأجنبية.
وفي الوقت الحالي، لم تسهم هذه التدابير سوى في تعميق الأزمة، إذ لا يزال السوق الموازي للعملة في الجزائر غير متأثر بأي من هذه الإجراءات.
سياسات عدائية وعزلة دولية
تواجه الجزائر عزلة متزايدة على الساحة الدولية نتيجة سياساتها الإقليمية والدولية المثيرة للجدل. فقد تعرضت لانتقادات حادة بسبب تدخلها في شؤون الدول المجاورة ودعمها لحركات انفصالية، مما أسفر عن توتر علاقاتها مع عدد من حلفائها التقليديين.
في الداخل، تعيش الجزائر أزمة اقتصادية خانقة، تعود أسبابها إلى السياسات التي ينتهجها النظام العسكري المسيطر على مفاصل الدولة. هذه السياسات أدت إلى استنزاف موارد البلاد وتوجيهها نحو تمويل الحركات الانفصالية والتدخلات الخارجية، بدلا من توجيهها نحو تنمية الاقتصاد الوطني.
وعلى الصعيد الخارجي، تواجه جمهورية « القوة الضاربة » عزلة متزايدة بسبب سياساتها العدائية اتجاه جيرانها. إذ تتعرض لانتقادات واسعة جراء تدخلاتها في شؤون الدول المجاورة ودعمها لمنظمات انفصالية، ما أدى إلى تراجع علاقاتها مع عدد من الحلفاء التقليديين.
وتفاقم هذه العزلة الدولية آثار الأزمة الاقتصادية، حيث تسهم في عزوف المستثمرين الأجانب وتراجع تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر، الأمر الذي يفرض مزيدا من الضغوط على قيمة الدينار الجزائري.
غضب شعبي متصاعد
مع استمرار تدهور الوضع الاقتصادي وغياب الشفافية بشأن أسعار صرف العملات الأجنبية، يتزايد استياء المواطنين الجزائريين.
فقد أصبحت المعلومات المتعلقة بسوق العملة تُدار بسرية تامة خوفا من ردود فعل شعبية غاضبة قد تهدد استقرار النظام المستولي على الحكم منذ عقود.
إلى أين تتجه الجزائر؟
في ظل هذه الظروف، يبدو أن الأزمات الاقتصادية والسياسية في الجزائر مرشحة للتفاقم. ويتوقع كثيرون أن استمرار هذا النهج قد يؤدي إلى مصير مشابه لما شهده نظاما القذافي والأسد، خاصة مع تزايد العزلة الدولية وتصاعد الغضب الداخلي.
لكن يبدو أن الحلول المطروحة حتى الآن بعيدة كل البعد عن معالجة جذور الأزمة، مما يضع الاقتصاد الجزائري على شفا انهيار ستكون له، بالتأكيد، تبعات خطيرة على مستقبل البلاد والعباد.