وفق آخر عدد من الجريدة الرسمية في الجزائر، وقع الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، يوم الأربعاء 27 نونبر 2024، مرسوما رئاسيا ينهي بموجبه مهام محمد شرفي (78 سنة)، بصفته رئيسا للسلطة الوطنية المستقلة للانتخابات.
وبينما يعزي المرسوم هذا الإعفاء بكونه جاء « بناء على طلبه لأسباب صحية »، فإن مراقبين يؤكدون أن هذا الإعفاء «المهين» جاء عقابا له على فضحه لتزوير نظام العسكر الحاكم في البلاد لنسبة المشاركة في الانتخابات الرئاسية الأخيرة والنفخ فيها، لمحاولة إيهام العالم بأن الشعب الجزائري شارك في هذه الانتخابات ولم يقاطعها.
فضيحة تضارب النتائج
شهدت الانتخابات الرئاسية الأخيرة في الجزائر تضاربا غير مسبوق في الأرقام المعلنة. فبينما أعلنت السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات عن نتائج أولية مثيرة للجدل، أبرزت تناقضات فادحة مقارنة بالمحاضر التي حصل عليها ممثلو المرشحين. ومن أبرز هذه التناقضات حصول الرئيس عبد المجيد تبون، وفق إعلان شرفي، على 5.3 مليون صوت، قبل أن تعدل المحكمة الدستورية النتيجة إلى 8 ملايين صوت.
في المقابل، نُفخت نسب مرشحين آخرين بشكل أثار تساؤلات كبيرة، مثل مرشح حركة مجتمع السلم حساني شريف عبد العالي، الذي ارتفعت أصواته من 178 ألفا إلى 904 آلاف صوت، ومرشح جبهة القوى الاشتراكية يوسف أوشيش، الذي تضاعف عدد أصواته من 122 ألفا إلى 580 ألفا.
ووضع هذا التضارب في النتائج رئيس السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات في مرمى الانتقادات من مختلف الأطياف السياسية، وحتى من المرشح الفائز عبد المجيد تبون، الذي شنّ هجوما حادا على اللجنة عقب إعلان النتائج الأولية، إلى جانب غريميه حساني وأوشيش.
وعقب ذلك، شن الإعلام المقرب من السلطة هجوما لاذعا على شرفي متهما إياه بالتلاعب بمصداقية الانتخابات، بينما طالبت أحزاب سياسية بتنحيته ومحاسبته. وقالت حركة مجتمع السلم ذات التوجه الإسلامي في هذا الصدد إن « ما حدث في الانتخابات الرئاسية من تجاوزات وعبث، يعتبر بنص القانون جريمة انتخابية تقتضي حل السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات، وتحميل المسؤولية للمتسببين فيها، ومتابعة أولئك الذين أجرموا في حق الوطن، والقانون، والمترشحين ».
وأبرزت أن « العطب الذي أصاب صورة مؤسسات البلاد ليعبر على الحاجة الماسة لمراجعة المنظومة القانونية والمؤسسية للانتخابات، بمقاربة تعيد الاعتبار للفعل الانتخابي بعيدا عن الإجرام الممنهج في اللعب بإرادة الناخبين، وتدليس النتائج ».
ورغم الجدل الكبير الذي صاحب النتائج، التزم شرفي صمتا مطبقا رفض بموجبه الرد على الاتهامات التي كانت تطاله، في سلوك كان يشير إلى قرب انتهاء مهامه. ظهوره الشاحب خلال حفل أداء تبون لليمين الدستورية كان مؤشرًا واضحًا على التوتر الذي انتهى بإبعاده.
وزاد تأكيد هذه الشكوك ظهوره بوجه شاحب خلال حفل أداء الرئيس تبون لليمين الدستورية.
نهاية مهينة لرجل قانون
محمد شرفي، رجل قانون وسياسي بارز، تولى عدة مناصب قضائية قبل أن يصبح وزيرا للعدل ثم رئيسا للسلطة المستقلة للانتخابات.
خلال فترة ترؤسه للسلطة، أشرف على تنظيم ثلاثة استحقاقات كبرى، أبرزها الانتخابات الرئاسية لعام 2019 التي أوصلت تبون إلى الحكم.
ورغم الانسجام بينه وبين النظام في السابق، جاءت الانتخابات الأخيرة لتكسر هذه العلاقة. إذ تشير تقارير إلى أن شرفي رفض المشاركة في التلاعب بنتائج الانتخابات، ما دفع النظام إلى الإطاحة به بطريقة وصفها المراقبون بـ«المهينة».
إن الإطاحة برئيس السلطة الوطنية للانتخابات، بهاته الطريقة، لا يمكن أن يعيد للعملية الانتخابية في الجزائر مصداقيتها ولن تعيد الثقة المفقودة بين الشعب والسلطة الحاكمة، إنما يعزز هذا الإجراء الاعتقاد بأن النظام الجزائري ما زال مصرا على غيه، ويواجه صعوبة في التخلص من إرث التلاعب والتزوير في سبيل الاستمرار في السلطة.