مثلما أشرنا إلى ذلك في مقال سابق على Le360، شرع فعلا نظام العسكر المستولي على الحكم في الجزائر في محاكمة ثلاثة راغبين في الترشح للانتخابات الرئاسية، بدعوى « الفساد الانتخابي »، وإن كان الحادي والبادي يعلم أن « جرجرة » هؤلاء المترشحين إنما فقط من أجل معاقبتهم على « تجرؤهم » على إبداء الرغبة في منافسة مرشح العسكر، عبد المجيد تبون، الذي يصوره الإعلام المسخر على أنه « الرجل المناسب » لقيادة « الجزائر الجديدة ».
فقد أفاد بيان لمجلس القضاء الجزائري بأنّ قاضي التحقيق بمحكمة سيدي امحمد وسط العاصمة الجزائرية، استجوب ثلاثة مرشحين، هم مساعد وزير الخارجية الأسبق رئيس حزب التحالف الجمهوري بلقاسم ساحلي، وسيدة الأعمال المعروفة رئيسة تكتل لرجال الأعمال سعيدة نغزة، وعبد الحكيم عبادي، وقرر وضعهم قيد الرقابة القضائية.
وأكد المصدر نفسه أنّ قاضي التحقيق وجه لهم تهمة « منح مزية غير مستحقة » لموظف عمومي، على خلفية شبهات حول منح عطايا مالية وشراء توقيعات من منتخبين أعضاء المجالس النيابية المحلية، بهدف الترشح للانتخابات الرئاسية، حيث يلزم القانون المترشحين بتوفير نصاب 600 توقيع كحد أدنى.
وأمر قاضي التحقيق الذي أنهى عملية الاستجواب الأولى، إيداع 68 متهماً بالتورط في القضية نفسها بالحبس المؤقت، على ذمة القضية حتى انتهاء التحقيقات، من بين 74 هم العدد الإجمالي للمتهمين في القضية.
ويقيد نظام الرقابة القضائية في العادة حرية الأشخاص، حيث يمنعهم من السفر ومن الإدلاء بتصريحات علنية والقيام بنشاطات، وذلك في الفترة التي تسبق المحاكمة.
الخلفية السياسية
يقود بلقاسم ساحلي التحالف الوطني الجمهوري، وكان قد أعلن ترشحه عن تكتل الاستقرار والإصلاح، الذي يجمع بين عدة أحزاب صغيرة. شغل سابقاً منصب كاتب دولة للجالية في الخارج خلال فترة الرئيس الراحل عبد العزيز بوتفليقة.
إقرأ أيضا : رئاسيات الجزائر: العسكر يشرع في «الانتقام» من المترشحين ضد «عمي تبون»
سعيدة نغزة، فهي سيدة أعمال مثيرة للجدل ترأس الكونفدرالية الوطنية للمؤسسات، واشتهرت في الأشهر الأخيرة بنقدها للسياسات الاقتصادية في الجزائر والتضييقات التي تطال رجال الأعمال، ووجهت في ذلك رسالة للرئيس عبد المجيد تبون كلفتها هجوما شديدا من وسائل إعلام عمومية، دفعها لمغادرة الجزائر قبل أن تعود وتعلن ترشحها للانتخابات الرئاسية.
أما عبد الحكيم حمادي فهو مترشح حر، ظهر بكثافة على مواقع التواصل الاجتماعي طارحا برنامجا بعنوان « السلامة الوطنية ».
تحقيق غير مسبوق
أعرب محمد هناد، أستاذ العلوم السياسية السابق بجامعة الجزائر، عن قلقه إزاء التحقيق الجاري حول احتمال لجوء ثلاثة مرشحين للرئاسة لشراء أصوات المنتخبين.
وقال هناد في تدوينة حديثة على صفحته الفيسبوكية إن « هذا التحقيق غير مسبوق في الجزائر على الرغم من انتشار ظاهرة تزوير الانتخابات منذ الاستقلال، وخصوصاً بعد اعتماد التعددية الحزبية في نهاية الثمانينيات ».
وأوضح أن « العملية قد تبدو وكأنها تستهدف مرشحاً معيناً، سعيدة نغزة، التي كانت صريحة في اعتراضها على حرمانها من الترشح ». ورغم ذلك، أكد على ضرورة معاقبة أي شخص يثبت تورطه في هذه الممارسة، حتى لو كانت حجته أن المرشحين الآخرين قاموا بنفس الأمر.
وأضاف أن « الجزائر لا تحتاج إلى مزورين جدد يحلون محل السابقين، ويجب أيضاً التحقيق في الظروف التي تم فيها جمع التوقيعات للمرشحين الذين قُبلت ملفاتهم ».
وأشار هناد إلى أنه « في حالة إدانة أي من المرشحين الثلاثة، يجب ألا يتجاهل الإعلام والنيابة العامة أن التزوير كان دائماً جزءاً من منظومة الحكم في الجزائر »، لافتا إلى أن « الأحزاب التي أشرفت على هذه الواقعة تدعم اليوم المرشح عبد المجيد تبون كما دعمت بوتفليقة من قبل، وهو ما أثر سلباً على ثقة الجزائريين في العملية الانتخابية »
إقرأ أيضا : رئاسيات الجزائر: الطريق سالكة أمام تبون.. والشعب والمعارضة يائسون من جدوى «المسرحية» الانتخابية
الشكوك والانتقادات
الجزائريون على وسائل التواصل الاجتماعي يدركون أن النظام العسكري الغارق في الفساد يستخدم القانون كسلاح لمعاقبة المعارضين وإظهارهم على أنهم « فاسدين ». ويتم تشويه سمعة كل من يغرد خارج السرب، في مقابل تلميع صورة المرشح الوحيد والأوحد، عبد المجيد تبون، وإظهاره كـ »رجل المرحلة الأقل فساداً».
والأكيد أن هذه الخطوة تعزز الشكوك بأن النظام الحالي يسعى لضمان بقاء السلطة في يديه، مستخدماً جميع الوسائل الممكنة لضمان عدم ظهور أي معارضة حقيقية قد تهدد استمراره.