«أنا مع بلادي» VS «مانيش راضي».. نظام العسكر الجزائري يخوض معركة «الهاشتاغات» مع الشعب

الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون خلال زيارته لجناح المؤسسة المركزية للبناء بمعرض الجزائر الدولي 24 يونيو 2024

في 22/12/2024 على الساعة 08:09

فيديولم يمضِ وقت طويل على انتشار وسم «مانيش_راضي» الذي أطلقه جزائريون للتعبير عن رفضهم لاستمرار سيطرة المؤسسة العسكرية على دواليب الحكم في البلاد، حتى رد النظام الدكتاتوري، عبر أذرعه الإلكترونية، بهاشتاغ مضاد تحت عنوان «أنا_مع_بلادي»، في محاولة لتحويل النقاش العام لصالح السلطة الحاكمة، مع اتهام المغرب وجهات أجنبية أخرى بـ«محاولة زعزعة استقرار الجزائر». ردة فعل النظام المريض بنظرية المؤامرة لم تفاجئ أحدا، بينما موقف الشعب هو الذي خلق مفاجأة كبرى.

النظام الجزائري لم يكتفِ بإطلاق الهاشتاغ المضاد، بل استعان بوسائل إعلامه الرسمية والمقربة لترويج « نظرية المؤامرة » التي طالما لجأ إليها لتبرير أزماته. وسارعت الصحف والقنوات الموالية للنظام إلى اتهام جهات خارجية، أبرزها المغرب، بالوقوف وراء وسم «مانيش_راضي»، مدعية أنه جزء من حملة تهدف إلى زعزعة استقرار الجزائر.

واستعانت المخابرات الجزائرية بالذباب الإلكتروني من أجل نشر الوسم المضاد على نطاق واسع عبر منصات التواصل الاجتماعي. وزعمت بعض وسائل الإعلام الرسمية أن « الحملة استطاعت أن تحقق نجاحا باهرا في ظرف 12 ساعة فقط، لتصبح ضمن الترند الوطني ». فيما ادعت منابر أخرى أن « هاشتاغ #أنا_مع_بلادي » لقي تفاعلا كبيرا من النخبة وشخصيات معروفة وصفحات واسعة الانتشار مثل الإعلامي حفيظ دراجي وصفحة مولودية الجزائر ».

وبينما ركزت بعض الصحف والقنوات الموالية للنظام على اتهام كل من المغرب وفرنسا وإسرائيل بما وصفته بـ «محاولات زعزعة استقرار الجزائر من خلال إطلاق هاشتاغ يطالب بإسقاط النظام العسكري».. فإن جرائد أخرى أطلقت العنان لخيالها الحقود بأن عكست الوضع وزعمت بأن وسم « مانيش راضي » يخص المغرب وليس الجزائر، مثل صحيفة « الشعب » التي كتبت مقالا مسموما تحت عنوان: « الشعب المغربي يصرخ: « مانيش راضي » على مملكة الحشيش والولاء للصهيونية ».

هذا الطرح أثار استغراب وسخرية الجزائريين الذين رأوا فيه محاولة بائسة لصرف الأنظار عن مطالبهم الحقيقية.

الرد الشعبي: «مع بلادي ضد حكم العسكر»

رغم ادعاء النظام بأن حملة « أنا مع بلادي » تعكس التفاف الجزائريين حول وطنهم، إلا أن انتقادات المواطنين لم تتأخر. فقد وصف ناشطون وحقوقيون هذه الخطوة بأنها محاولة يائسة لإلهاء الشعب عن المطالب الحقيقية، مثل تحسين الأوضاع المعيشية وضمان دولة مدنية.

فقد أجمعت غالبية تعليقات الجزائريين، ردا على الهاشتاغ الجديد، على أنهم فعلا مع بلادهم، ولكنهم ضد استمرار حكم العسكر، مثل مواطن يدعى صالحي، الذي كتب ردا على فيديو بثته قناة الشروق في صفحتها الفيسبوكية قائلا: « طبعا مع بلادي لكن ضد حكم العسكر. مدنية ماشي عسكرية ».

وكتب مواطن جزائري يدعى الوافي تعليقا على مقال يتهم المغرب بالوقوف وراء هاشتاغ «مانيش راضي» في صحفة «النهار» على منصة فيسبوك، متسائلا باستغراب: « وما دخل المخزن في النداءات بالصوت والصورة التي بثها جزائريون من الداخل؟ إذا أردتم القضاء على مؤامرات المخزن و فرنسا و..و..و.. يجب تحسين الأوضاع المعيشية للشعب ومحاكمة السراقين.. وليس مواجهة «ذباب وهمي» بذباب حقيقي... »، ثم ختم تعليقه بوسم #مانيش_راضي.

وبين «أنا مع بلادي» و «مانيش راضي»، برزت تعليقات ومواقف وسطية، تعتبر أن التعبير عن عدم الرضى بالأوضاع لا يعني الخروج عن الإجماع أو التنصل من حب البلد أو التصادم مع مصالحها. وكتب الحقوقي سعيد صالحي: «أنا لست راضي، وأنا مع بلادي».

وهو الأمر نفسه الذي كتبه الشاعر محمد تادجديت، وهو ناشط معارض كان قد أفرج عنه قبل فترة قصيرة. وكتب الناشط السياسي المعارض عبد الكريم زغليش: « أنا مع بلادي ومانيش راضي. الأولى لا تمنع الثانية والعكس صحيح »، تعبيرا عن عدم الرضى بالأوضاع، والالتزام في الوقت نفسه بالحرص على سلامة البلاد.

وكتب المحامي والناشط الحقوقي عبد الغني بادي المعروف في حسابه على فيسبوك: « تكون مع بلادك صح عندما لا تسكت على الاستبداد والظلم ولا تشهد الزور حول وضع البلاد من كل الجوانب ».

وأثار منشور بادي نقاشا حول أهمية التوازن بين الدفاع عن الوطن وانتقاد الأخطاء الداخلية، حيث أن الوطنية الحقيقية، حسبه، تتطلب ايضا مواجهة الظلم والعمل على تحسين الأوضاع العامة.

أما رياض العروسي فقد استلهم من هاشتاغ «مانيش راضي» أغنية يفضح من خلالها الأوضاع المزرية التي يتخبط فيها الجزائريون في ظل السياسات الفاشلة لحكم العسكر.

بين الهاشتاغات.. أزمة أعمق

الهاشتاغات المتضادة ليست سوى انعكاس لصراع أعمق في الجزائر بين شعب يطمح إلى التغيير ونظام يتمسك بسياساته القديمة. النقاشات العامة التي شهدتها البلاد في الأيام الأخيرة عقب سقوط نظام بشار الأسد، تشير إلى تصاعد القلق من أن تكون الجزائر الوجهة التالية على لائحة التغييرات السياسية في المنطقة، خاصة في ظل القمع المتزايد للنقاش السياسي، وتضييق الخناق على الصحافة والنقابات.

وتراقب السلطات الجزائرية منذ فترة النقاشات على مواقع التواصل الاجتماعي وتأخذ الأمور على محمل الجد، خاصة تلك التي تتبنى خطابا نقديا للسلطة والسياسات الحكومية، وتعمد في بعض الأحيان إلى ملاحقة أصحاب الصفحات التي تنشر دعوات للإضرابات أو أي حراك اجتماعي، أو كتابات منتقدة بحدة للسلطة أو مؤسسات الدولة.

إن رد النظام العسكري، الجاثم فوق صدور الجزائريين، على مطالب التغيير بهاشتاغات مضادة وإعلام مضلل قد يحقق مكاسب مؤقتة، لكنه بالتأكيد لن يعالج جذور الأزمة، بل حتما سيعمّقها.

تحرير من طرف ميلود الشلح
في 22/12/2024 على الساعة 08:09