القرار حظي بدعم 533 نائبا، بينما عارضه 24 فقط، وتم تقديمه من خمس كتل سياسية رئيسية في البرلمان الأوروبي، ما يعكس توافقا واسعا بين مختلف التوجهات السياسية حول خطورة الوضع الحقوقي في الجزائر.
وشدد على ضرورة الإفراج الفوري عن الكاتب بوعلام صنصال، البالغ من العمر 75 عاما، والمعتقل منذ نونبر 2024 بموجب « المادة 87 مكرر » من قانون العقوبات الجزائري، التي تستخدم غالبا لاستهداف المعارضين للنظام.
كما طالب البرلمان بالإفراج عن كافة المعتقلين السياسيين، من بينهم الصحفي عبد الوكيل بلام والناشط محمد تجاديت، وأدان تزايد حالات الاعتقال والملاحقة القضائية للصحفيين والنشطاء.
وأضاف القرار أن استمرار الجزائر في استخدام قوانين قمعية، مثل المواد 87 مكرر، 95 مكرر، و196 مكرر، يقوّض الحريات الأساسية وحرية التعبير. كما دعا إلى مراجعة هذه القوانين بما يتماشى مع التزامات الجزائر الدولية والدستور الجزائري، مشددا على أهمية احترام حقوق الإنسان كشرط أساسي لاستمرار الشراكة بين الجزائر والاتحاد الأوروبي.
بوعلام صنصال: رمز القمع
أصبح بوعلام صنصال رمزا للانتهاكات الممنهجة في الجزائر. اعتقل الكاتب الحاصل على الجنسية الفرنسية في عام 2024 بتهمة «المساس بأمن الدولة» بسبب تصريحات لوسائل إعلام فرنسية، اعتبرتها الجزائر تعديا على سيادتها.
وتسبب اعتقال صنصال في توتر العلاقات بين الجزائر وفرنسا، خاصة بعد تصريحات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون التي وصف فيها احتجازه بـ«التعسفي». واعتبرت الجزائر التصريحات تدخلا غير مقبول في شؤونها الداخلية.
وأشارت تقارير دولية إلى أن صنصال تعرض لأزمات صحية متكررة أثناء اعتقاله، في ظل انتهاكات لحقوقه الأساسية مثل منع التواصل مع محام أو أسرته.
تدهور الحريات في الجزائر
ذكر القرار أن الجزائر، كطرف في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، مُلزمة بحماية حرية التعبير، وهي التزامات تقوّضها التعديلات الأخيرة على قانون العقوبات.
أشار القرار إلى أن الجزائر تراجعت إلى المرتبة 139 عالميا في تصنيف حرية الصحافة لعام 2024، حيث باتت وسائل الإعلام المستقلة تواجه رقابة مشددة، فيما يتعرض الصحفيون والنشطاء للاعتقال التعسفي والمحاكمات غير العادلة.
وأكد النواب الأوروبيون أن ما لا يقل عن 220 شخصا من سجناء الرأي يقبعون في السجون الجزائرية، مما يعكس تدهورا خطيرا في حالة الحريات العامة.
ربط الدعم المالي بالتحسينات الحقوقية
أبرز البرلمان الأوروبي في قراره أن الاتحاد الأوروبي قدّم للجزائر مساعدات مالية بلغت 213 مليون يورو بين عامي 2021 و2024، مؤكدًا ضرورة ربط أي دعم مالي مستقبلي أو تجديد لاتفاقية الشراكة بإحراز تقدم ملموس في مجالات سيادة القانون وحرية التعبير.
وطالب النواب الأوروبيون المؤسسات الأوروبية بربط أي دعم مالي مستقبلي للجزائر بتقدم ملموس في مجال حقوق الإنسان. كما دعت اللائحة إلى تنظيم بعثة طبية لتقييم الوضع الصحي لبوعلام صنصال، وتعزيز استقلالية القضاء، وضمان حماية حرية الصحافة المنصوص عليها في الدستور الجزائري.
ردود فعل مرتقبة
رحبت منظمة « شعاع » الحقوقية بقرار البرلمان الأوروبي، معتبرة إياه «خطوة حاسمة في تسليط الضوء على القمع الممنهج في الجزائر».
وأشادت المنظمة بـ«جهود البرلمان الأوروبي في دعوته السلطات الجزائرية إلى مراجعة القوانين التي تُقيد الحريات في الجزائر ووقف الانتهاكات المستمرة التي تطال الأصوات الحرة».
وبينما لم يصدر –إلى غاية كتابة هذا المقال- أي موقف رسمي حول القرار الجديد للبرلمان الأوروبي، من المتوقع أن تثير هذه الخطوة الأوروبية ردود فعل غاضبة من السلطات الجزائرية، التي اعتادت رفض ما تعتبره «تدخلا أجنبيا» في شؤونها الداخلية. ويأتي القرار الأوروبي في سياق سلسلة من المواقف المماثلة التي أدانت تدهور الوضع الحقوقي في البلاد، خاصة منذ اندلاع الحراك الشعبي عام 2019.
وفي ظل هذا القرار، باتت الجزائر أمام اختبار جديد أمام المجتمع الدولي. فإما أن تبدي استعدادا لإصلاحات حقيقية تعزز الحريات العامة، أو تواجه المزيد من العزلة السياسية والاقتصادية، خاصة في ظل الانتقادات المتزايدة من الشركاء الأوروبيين الذين يشددون على ضرورة احترام القيم الديمقراطية وحقوق الإنسان كأساس لأي تعاون مستقبلي.