ورغم التحذيرات الصادرة عن السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات الرئاسية بضرورة عدم استخدام أماكن العبادة لأغراض دعائية، لم يتوانَ النظام عن تجاوز هذه القوانين في سبيل تحقيق مصالحه. ففي خطوة مثيرة للجدل، كشفت مراسلة مسربة موجهة من وزارة الشؤون الدينية والأوقاف إلى أئمة المساجد في ولاية سكيكدة (شرق الجزائر)، تدعوهم إلى تخصيص خطبة الجمعة ليوم 23 غشت لحث المصلين على « المشاركة القوية والمسؤولة في الاستحقاق الوطني المقبل».
وتم توجيه الأئمة لتخصيص خطبة الجمعة لتذكير المواطنين بمعاني المواطنة والاعتزاز بالوطن، وذلك عبر استحضار الحديث النبوي الشريف الذي يشير إلى حب النبي صلى الله عليه وسلم لوطنه، حيث نصت المراسلة على « تذكير المجتمع الجزائري في هذه الظروف الخاصة بمعاني المواطنة والاعتزاز يقيمها التي تترجم حب الوطن إلى العمل والسلوك والانتماء، اقتداءً بهدي النبي صلى الله عليه وسلم الذي قال عن وطنه: ما أطيبك من بلد وأحبك إلي ».
إن هذا التوظيف للدين يهدف بشكل واضح إلى إقناع المواطنين بأن المشاركة في الانتخابات تعبر عن حب الوطن، مستهدفًا بذلك تعزيز قاعدة دعمه الشعبي التي تآكلت بفعل السياسات الفاشلة والأزمات المتعددة.
وكان الأمر قد يبدو عاديا لو أن التعليمات الموجهة إلى الأئمة توقفت على دعوة المواطنين للمشاركة في الانتخابات فقط، بل تم توجيه الأئمة لإعطاء خطبة الجمعة طابعًا أكثر أهمية، من خلال ربطها بمفاهيم الأمن والاستقرار الوطنيين، وتعزيز الإنجازات التي يدعي النظام تحقيقها داخليًا وخارجيًا.
ويبدو هنا جليا كيف تسعى خطبة الجمعة بشكل غير مباشر إلى إقناع ذهن المتلقي بأن المصلحة العليا للوطن تقتضي منه الاستجابة، أي المشاركة من خلال التصويت، ولكن لمن؟ طبعا لفائدة مرشح العسكر، فمن أجل ذلك تم إقحام عبارة « تعزيزًا للإنجازات التي حققها وطننا المفدى داخليًا وخارجيًا »، التي بالتأكيد لا تقصد المرشحان عبد العالي حساني ويوسف أوشيش، إنما تشير بصريح العبارة إلى مرشح النظام، الرئيس المنتهية ولايته باعتباره الشخص الوحيد القادر على مواصلة هذه الإنجازات المزعومة.
إقرأ أيضا : صلاة الرئيس الجزائري وراء إمامين تثير سخرية عارمة في الجزائر والمغرب
ليس غريبا على نظام الكابرانات لجوءه إلى استغلال ورقة الدين من أجل إقناع المواطنين بالمشاركة في الانتخابات، فله سوابق كثيرة في هذا المجال، ولكنه في كل مرة لا يحصد سوى الخيبات من طرف الشعب الذي أصبح مدركا، أكثر من أي وقت مضى، بأن التغيير الحقيقي لن يتحقق طالما استمر النظام العسكري في التمسك بالسلطة.
وفي ظل الأزمات المتفاقمة التي تواجهها الجزائر نتيجة السياسات الفاشلة للنظام، يظهر جليا أن الهدف الحقيقي من اللجوء إلى ورقة الدين ليس سوى تعزيز دعم المرشح العسكري، الذي يسعى إلى عهدة ثانية، وبالتالي إتاحة الفرصة أمام بقاء الجنرالات العجزة في السلطة.