الجزائر: «فوسفاط تبون».. وهم كبير فوق أرض اقتصادية هشة

الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون خلال إلقائه الخطاب حول الفوسفاط

في 14/10/2025 على الساعة 20:33

فيديوأعلن الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، في مشهد جديد من عروض «الشو» السياسية، أن الجزائر ستصبح بحلول سنة 2026 «أول دولة في العالم تُنتج الفوسفاط». تصريح حمل من الحماسة ما يكفي لإضحاك الجغرافيا الاقتصادية بأكملها، قبل أن يتحول إلى موجة عارمة من السخرية على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث تنافس الجزائريون أنفسهم في نحت عبارات ساخرة من «المعجزة الفوسفاطية» التي وعد بها رئيسهم.

أضاف تبون إلى سجله الطويل من التصريحات المثيرة للجدل «كذبة اقتصادية» جديدة تخطّت حدود المنطق والجيولوجيا. فالرئيس، الذي لا تهتز ثقته بنفسه، زعم أن بلاده ستتربع العام المقبل على عرش الفوسفاط بإنتاج يصل إلى عشرة ملايين طن سنويا.

بيد أن هذه الكذبة التي صفق لها الإعلام الجزائري الموالي للنظام ووصفها بـ«الطموح الوطني»، سرعان ما انكشفت ليتضح أنها مبالغة فادحة لا تصمد أمام أرقام الواقع. فوفقا لتقرير هيئة المسح الجيولوجي الأمريكية (USGS) لسنة 2025، تتصدر الصين الإنتاج العالمي للفوسفاط بحوالي90 مليون طن سنويا، تليها المملكة المغربية بنحو35 مليون طن.

والمفارقة أن الرئيس الجزائري يعلم، بلا شك، أن المغرب يملك أكبر احتياطي فوسفاطي في العالم يُقدَّر بـ50 مليار طن، ما يجعله اللاعب الأول بلا منازع في السوق الدولية، ومع ذلك لم يتردد في الادعاء بأن الجزائر ستتفوق على الصين والمغرب معا في غضون عام واحد!

وبعيدا عن «أحلام تبون»، فإن خبراء الاقتصاد يؤكدون أن رقم 10 ملايين طن لا يخول للجزائر حتى بلوغ المراتب العشر الأولى عالميا، فضلا عن الصدارة التي وعد بها ساكن المرادية. إذ بعملية حساب بسيطة، تحتاج الجزائر إلى مضاعفة إنتاجها بأكثر من خمسة أضعاف في أقل من عامين، في وقت لا يزال فيه مشروع «الفوسفاط المدمج» في تبسة في مرحلة الدراسات ولم يبدأ الإنتاج الفعلي بعد.

الأدهى أن الرئيس الجزائري لم يكتفِ بتضخيم الأرقام، بل ذهب إلى حدّ القول إن مداخيل الفوسفاط ستعادل عائدات المحروقات قبل نهاية سنة 2026، أي ما يقارب40 مليار دولار سنويا.

على شبكات التواصل الاجتماعي، لم يتأخر ردّ الفعل كثيرا. أحد النشطاء علّق ساخرا مما وصفه بـ«المعجزة الفوسفاطية»: «الرئيس تبون يريد التفوق على الصين والمغرب بإنتاج عشرة ملايين طن فقط... يبدو أنه اكتشف نظرية اقتصادية تتحدى قوانين السوق والجيولوجيا في آن واحد!»، بينما كتب آخر يقول: «في الجزائر، الفوسفاط يُستخرج من خطابات الرئيس، لا من المناجم!»

جرعة جرأة البهتان عند"تبون"فاقت أرقام جينيس عند حديثه عن فوسفاط الجزائر و علاقة هذه بدول الجوار والخليج. تابع في التعليق...

Publiée par ‎عبد السلام العزوزي‎ sur Dimanche 12 octobre 2025

ولم يجد بعض المعلقين، خاصة منهم المتخصصين في علم الاقتصاد، وصفا أدق لما تفتق به خيال تبون سوى أنه «قفزة منجمية في الفراغ»، لأن تحقيق مثل هذه الإيرادات يتطلب تصدير أكثر من 260 مليون طن سنويا، أي أضعاف ما تنتجه البلاد من مواد خام مجتمعة.

ورأى أخرون أن «الحلم الفوسفاطي» في حد ذاته ليس عيبا، لكن المشكلة تكمن في تحول الخطاب الرسمي إلى مسرحٍ للإنجازات الوهمية. فـ«مشروع الفوسفاط المدمج» في تبسة ما زال في طور الإعداد ولم يدخل مرحلة الإنتاج بعد، بينما البنية التحتية الناقلة من المناجم إلى الموانئ لم تُنجز بالكامل، والاستثمارات الأجنبية في القطاع ما تزال شبه منعدمة بسبب البيروقراطية والارتباك في التشريعات.

ولم تتوقف «الإنجازات الوهمية» عند الفوسفاط، إذ أعلن تبون في الخطاب نفسه أن الجزائر باتت من «كبار المساهمين» في بنك «البريكس». غير أن الأرقام الرسمية لبنك التنمية الجديد (NDB) تكشف أن مساهمة الجزائر لا تتجاوز614 مليون دولار، أي 1.15% من رأس المال، مقارنة بمصر التي تمتلك 2.24%، في حين تسيطر الدول المؤسسة (الصين، روسيا، الهند، البرازيل، جنوب إفريقيا) على أكثر من 75% من حقوق التصويت. بمعنى آخر، فإن «العضو الكبير» الذي تحدث عنه الرئيس لا يملك في الواقع سوى حضور رمزي على طاولة الكبار.

خلف هذه اللغة المضخمة بالأرقام والشعارات، يقبع واقع اقتصادي متدهور. فالجزائر ما تزال تعتمد بشكل شبه كلي على صادرات الغاز والنفط التي تمثل أكثر من 90% من مداخيلها الخارجية، في وقت تتراجع فيه الاستثمارات الأجنبية وينهك الفساد والبيروقراطية أي محاولة للإصلاح. أما القطاعات الصناعية والفلاحية والمعدنية التي يُفترض أن تكون بدائل مستدامة، فما تزال أسيرة الوعود المؤجلة للنظام العسكري، الذي يجد في «الخطاب الاقتصادي البطولي» وسيلة لتجميل العجز وإيهام الشارع بقدوم الازدهار.

لكن الأرقام، مثل الحقائق، عصيّة على التزييف. فالفوسفاط لا يُستخرج بالخطب الحماسية، ولا تُبنى الريادة بتصريحات تلفزيونية. وبينما تواصل السلطة في الجزائر تسويق «المعجزات» في الفضاء الإعلامي، يمضي العالم من حولها نحو اقتصاد حقيقي قائم على الإنتاج، المعرفة، والاستثمار.

وفي نهاية المطاف، يغدو «فوسفاط تبون» أكثر من مجرد زلة لسان؛ إنه رمزٌ لمرحلة سياسية يعيش فيها الجزائريون على وفرة الوعود وندرة الإنجاز: ثراءٌ فاحش في الكلام.. وفقر مدقع في الأفعال.

تحرير من طرف ميلود الشلح
في 14/10/2025 على الساعة 20:33