رسالة مؤثرة من قاع البحر: قصة «حرّاگ» جزائري تفطر القلوب وتفضح بؤس نظام الكابرانات

شباب جزائريون يغامرون برمي أنفسهم في البحر هربا من انسداد الأفق وتدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في الجزائر

في 14/11/2024 على الساعة 17:30, تحديث بتاريخ 14/11/2024 على الساعة 17:30

في ظل انسداد الأفق وتدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في الجزائر، البلد الغني بالبترول والغاز، تزداد وتيرة الهجرة غير الشرعية، إذ يفرّ الشباب من واقع مرير يغرق في البطالة الخانقة والتضخم المتصاعد. تتكرر حكايات هؤلاء المهاجرين، وتؤلم المجتمع، إذ تحكي قصصهم عن معاناة يائسة تدفعهم للمجازفة بحياتهم بحثا عن مستقبل أفضل على الضفة الأخرى. كل هذا يجري أمام أعين نظام عسكري يبدو منشغلا بنهب ثروات البلاد، مفضلا الانغماس في « نظريات المؤامرة » التي تسيطر على مخيلة جنرالاته العجزة، بدلا من تقديم حلول فعلية تخفف من معاناة الشعب أو توفر له فرصا للتنمية.

أثارت قصاصة ورقية كتبها شاب جزائري قبل مصرعه غرقا في عرض البحر تعاطفا واسعا على مواقع التواصل الاجتماعي، وجاءت كصرخة استغاثة مؤلمة من مواطن مقهور حاول تحقيق حلمه بمغادرة الجزائر عبر قوارب الموت. هذا الشاب، الذي كتب في آخر لحظاته آيات قرآنية تذكر بقصة النبي يونس في بطن الحوت، عبّر بشكل مبهم عن ضياعه وخوفه من المصير الذي لاقاه في النهاية، وحيدا وسط أمواج البحر.

وعثر المتابع لشُؤون المهاجرين غير القانونيين، الناشط الإسباني فرانشيسكو خوصي كليمونت مارتين، على القصاصة في ثوب أحد « الحرّاقا » المتوفين، ونشرها على صفحته التي يتابعها ربع مليون شخص، طالبا من متابعيه وأغلبهم من عائلات المهاجرين أن يترجموا محتواها له.

وجاء في القصاصة المكتوبة بخط اليد، الآيتين القرآنيتين 87 و88 من سورة الأنبياء، حول قصة يونس الذي التقمه الحوت في البحر وبقي في بطنه وناجى ربه: « وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَىٰ فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَٰهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (87) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ ۚ وَكَذَٰلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ (88) ».

كما نشر فرانشيسكو الذي يعمل في مركز استقبال المهاجرين غير الشرعيين، بعض ثياب المتوفى، بغرض أن يتعرف عليه أهله.

وتفاعل رواد مواقع التواصل الاجتماعي الجزائريون مع تلك الصور، حيث عبروا عن حزنهم لمصير الشَّاب الذي لا شك عانى طويلا قبل أن يلفظ أنفاسه وحيدا في عرض البحر دون أن يتمكن من تحقيق حلمه ببلوغ الضفة الأخرى للبحر الأبيض المتوسط.

التفاعل الذي شهدته هذه القصة يعكس مأساة عميقة في المجتمع الجزائري، حيث أعرب العديد من الجزائريين عن شعورهم بالأسى والحزن، وكأن ذلك الشاب كان فردا من عائلاتهم.

وكتب أحدهم على مواقع التواصل: « بكيت لما قرأت المنشور.. شعرت بأنه ابني أو أخي حتى وأنا لا أعرفه ».

وأعادت هاته الواقعة المؤلمة الجدل حول ظاهرة الهجرة السرية (الحرْگة كما يسميها الجزائريون) التي ارتفعت في الجزائر خلال الأشهر الأخيرة.

أرقام مقلقة

تشير تقارير منظمات حقوقية إسبانية إلى أن ما يزيد عن 800 مهاجر جزائري وصلوا إلى السواحل الإسبانية في غضون الأسبوع الماضي، رغم المخاطر المميتة التي تصاحب هذه الرحلات. فقد أصبحت الهجرة السرية أو « الحرقة » خيارا شبه يومي أمام الشباب الجزائري، الذين يدفعون آلاف الأوروهات للمهربين مقابل رحلة محفوفة بالمخاطر قد تنتهي بهم في قاع البحر.

ونشر الناشط في قضايا الهجرة غير القانونية، والذي يشتغل في المركز الدولي لتحديد هوية المهاجرين غير القانونيين، فرانتشيسكو خوصي كليمونت مارتين، أن « 800 جزائري حطوا عبر القوارب في الشواطئ الاسبانية، بين الميريا، موريسيا، اليكانت وجزر بيلاراس ».

وأضاف عضو المنظمة غير الحكومية « أوريس دال مار »، بأن « المهاجرين قدموا على متن 50 قاربا، وعددهم الإجمالي 1100، 80% منهم من جنسية جزائرية.

وأشار فرانشيسكو إلى أن من بين « هؤلاء المهاجرين 6% نساء، ورضيع من 6 أشهر ».

وفي سياق ذي صلة، أكد تقرير حديث لمنظمة الأمم المتحدة للاجئين (أونروا) أن 10 آلاف و639 شخصاً وصلوا إلى إسبانيا عام 2023 على مسار بحري سمته «الطريق الجزائري»، مبرزاً أن نحو 8 آلاف شخص أخذوا هذا المسار نحو الأراضي الإسبانية، منذ بداية 2024 إلى شهر غشت الماضي.

ويُعتبر « الطريق الجزائري » الذي يمتد من مدن رئيسية مثل الجزائر العاصمة ووهران ومستغانم وشلف نقطة انطلاق رئيسية لشبكات الهجرة السرية نحو إسبانيا.

نظام منشغل بنظريات المؤامرة

أمام لامبالاة النظام العسكري في الجزائر، الذي يبدو منشغلا بنهب ثروات الشعب وصرفها على « نظريات المؤامرة » التي تسيطر على مخيلات الجنرالات العجزة، تتفاقم أزمة الهجرة السرية، إذ لا يبدو النظام معنيا بتقديم حلول حقيقية تُخفف من معاناة المواطنين أو تُوفر مسارات واضحة للتنمية. فبينما يعاني الشباب من البطالة وانسداد الأفق، ينشغل قادة النظام في استنزاف ثروات البلاد على حساب طموحات وآمال الأجيال الصاعدة، مفضلين الهروب نحو ادعاءات ومزاعم لا تُغني عن حاجة، تاركين البلاد تواجه نزيفاً اجتماعيا واقتصاديا خطيرا.

وهكذا يتكرر المشهد يوميا: شباب يغامرون بحياتهم في قوارب هشة بحثا عن فرصة للعيش الكريم في أوروبا، في حين أن مسؤولية الدولة في حمايتهم وتأمين مستقبلهم تضيع وسط مشهد سياسي متصلب يفتقر لأبسط مقومات الإصلاح والتنمية.

تحرير من طرف ميلود الشلح
في 14/11/2024 على الساعة 17:30, تحديث بتاريخ 14/11/2024 على الساعة 17:30