الجزائر: النظام يفرض مناخا من الرعب في منطقة القبائل

عبد المجيد تبون وسعيد شنقريحة

في 23/08/2024 على الساعة 07:00, تحديث بتاريخ 23/08/2024 على الساعة 07:00

كلما اقترب موعد الانتخابات الرئاسية المبكرة ليوم 7 شتنبر 2024، كلما فقد النظام الجزائري أعصابه. والسبب هو الرفض الواسع لهذه المهزلة الانتخابية التي يعتبرها الجزائريون مسرحية تهدف إلى فرض رئيس غير شرعي عليهم مرة أخرى. وقد تم اعتقال العشرات من المعارضين السياسيين في منطقة القبائل خلال يوم الثلاثاء الماضي وحده، فيما منع آخرون من التعبير عن آرائهم في وسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي.


يوم الثلاثاء الماضي، تم اعتقال العشرات من المعارضين في الجزائر أثناء استعدادهم لإحياء الذكرى 68 لمؤتمر الصومام، وهو حدث تاريخي انعقد سرا في ولاية بجاية بين 13 و20 غشت 1956، مشكلا نقطة تحول كبيرة في هيكلة وإنشاء المؤسسات التي ستعمل على مراقبة وتنظيم المقاومة الجزائرية. طالت هذه الاعتقالات، التي جرت بعد مداهمة للشرطة، جميع الأطر العليا لحزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية تقريبا، بما في ذلك رئيس الحزب نفسه عثمان معزوز.

وفي اليوم نفسه، أصدر حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية بيانا ناريا ندد فيه بهذه الاعتقالات « بشدة »، مضيفا بأنها تندرج في إطار « التوجهات القمعية للنظام القائم الذي يسعى إلى إدامة الديكتاتورية وإخراس أي صوت حر يرفض الانصياع لسياساته الظالمة ». فالسلطة السياسية العسكرية، التي افتقرت دائما إلى الشرعية التاريخية والديمقراطية، لا تفوت أي فرصة لمصادرة القاعدة الوحيدة التي يقوم عليها كيانها، الذي لم يكن موجودا كدولة أو أمة قبل الاستعمار.

وبهذا المعنى، أكد البيان الصادر عن التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية أن « 20 غشت يشكل جزءا من ذاكرة الشعب الجزائري، وهو حدث يجسد أسمى معاني النضال والمقاومة ضد الاستعمار. لكن بدلا من استغلال هذه الذكرى لتوحيد الصف وتكريم تضحيات الشهداء، اختارت السلطة أن تجعلها فرصة جديدة لقمع كل من لا يتفق معها ». وكان المجلس الوطني للتجمع من أجل الثقافة والديمقراطية قد قرر مطلع يوليوز الماضي « مقاطعة » الانتخابات الرئاسية في شتنبر، ووصفها بأنها « خدعة انتخابية لا تثير اهتمام الأغلبية الساحقة من الجزائريين ». واليوم يدفع ثمن هذا الموقف السياسي الذي تم تبنيه بالإجماع في منطقة القبائل.

وطالت موجة الاعتقالات يوم الثلاثاء الماضي أيضا العديد من الأطر والمناضلين في جبهة القوى الاشتراكية، وهو الحزب الذي سيكون كاتبه الأول، يوسف أوشيش، بمثابة الأرنب الثاني لعبد المجيد تبون في هذه الانتخابات. وقد فاجأ هذا الأخير الجميع بالاحتفال على طريقته، وقبلها بيوم، بذكرى مؤتمر الصومام.

فخلال أول تجمع انتخابي له يوم الأحد الماضي بقسنطينة، أشاد بهذا الحدث التاريخي وبحسين آيت أحمد، مؤسس حزب جبهة القوى الاشتراكية، الذي تم حظر صوره -وهنا قمة المفارقة- خلال الحملة الانتخابية الحالية.

وشجع النظام الجزائري يوسف أوشيش على الترشح للانتخابات الرئاسية الزائفة لغرض وحيد هو تجنب مقاطعة شعب القبائل للانتخابات وتحقيق نسبة مشاركة تتجاوز 10 % في منطقة القبائل. ولكن، نظرا للقمع الأعمى الذي لم يسلم منه حتى مناضلو حزب يوسف أوشيش، فمن غير المرجح أن ينجح النظام في دفع شعب القبائل إلى الانتقال إلى مراكز الاقتراع.

يشار إلى أن معظم قادة الثورة الجزائرية الذين شاركوا في مؤتمر الصومام عام 1956 اغتيلوا في الغالب بأمر من هواري بومدين (عبان رمضان وكريم بلقاسم، إلخ) أو تم تسليمهم إلى الجيش الاستعماري ( يوسف زيغود والعربي بن مهيدي، إلخ). ومن جانب آخر، اعتقل كريم طابو، وهو من منطقة القبائل وأحد الوجوه البارزة في الحراك الشعبي والمعارضة للنظام العسكري الجزائري، يوم 19 غشت الجاري من قبل عناصر المديرية العامة للأمن الداخلي التابعة لدالي إبراهيم، والتي يزورها كل أسبوع في إطار المراقبة القضائية التي يخضع لها منذ ماي 2023. لكن هذه المرة، بدلا من التوقيع والمغادرة كالمعتاد، تم اعتقاله وتقديمه إلى محكمة القليعة (ولاية تيبازة)، حيث أمره قاضي التحقيق بالتوقف عن التعبير عن آرائه في وسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي، وأمره أيضا بتجميد أنشطته السياسية.

وحتى المرشحين الرئاسيين لم يسلموا من قمع النظام. وهكذا، فإن سعيدة نغزة، وبلقاسم ساحلي، وعبد الحكيم حمادي، بعد أن رفضت ملفات ترشحهم مؤخرا، تم وضعهم تحت المراقبة القضائية، على إثر اتهامهم مع 68 شريكا آخرين (قيد الاعتقال حاليا)، بشراء التزكيات. وهذا دون أن ننسى أن المحكمة الابتدائية بعزازقة (ولاية تيزي وزو) حكمت يوم 18 غشت على أستاذ الرقص القبائلي عمر آيت يحيى بالسجن 18 شهرا، بتهمة الانتماء المزعوم لحركة تقرير مصير منطقة القبائل (الماك).

وقد تعرضت موجة القمع الحالية التي تستهدف المناضلين من جميع المشارب، وخاصة أولئك المنتمين أو المتعاطفين مع التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية وجبهة القوى الاشتراكية، لانتقادات شديدة من قبل محسن بلعباس، الرئيس السابق للتجمع من أجل الثقافة والديمقراطية، الذي انتقد « مناخ الرعب خلال الفترة الانتخابية. بالنسبة لهذه الشخصية الموقعة على إعلان 20 يوليوز الماضي مع عشر شخصيات أخرى تندد بالانتخابات الرئاسية وغيرها من الاستحقاقات الانتخابية البئيسة المعروف نتائجها مسبقا، لم يحدث قط في الجزائر أن « شابت الحملة الانتخابية موجة من القمع الشرس والاعتقالات ».

تحرير من طرف محمد ولد البواه
في 23/08/2024 على الساعة 07:00, تحديث بتاريخ 23/08/2024 على الساعة 07:00