أول ما دشن به شنقريحة سلطته السياسية الجديدة هو الإطاحة باللواء عمار عثامنية من منصب قائد القوات البرية، وهو قرار أثار التساؤلات لكون عثامنية من أكثر الشخصيات ولاء له. وقد عين اللواء مصطفى سماعلي خلفا له، في خطوة تعكس استراتيجية شنقريحة في إحاطة نفسه بالمقربين الذين يثق بولائهم.
ويتوقع المتتبعون للشأن الجزائري أن يمضي شنقريحة في استغلال سلطاته الجديدة لإجراء تغييرات كبيرة داخل الجيش، بما في ذلك تعيين ضباط موالين له. كما يُرجح استبعاد جنرالات بارزين مثل قائد الحرس الجمهوري، بن علي بن علي.
تحصين الذات على حساب المؤسسة
يرى مراقبون أن هذه الخطوة تعكس توجها واضحا لدى شنقريحة لتأمين نفسه من أي تهديد داخلي قد يعترض طريقه. ورغم أن عثامنية كان يُعد من الشخصيات الموالية لشنقريحة، فإن الأخير فضل استبداله بشخصية أخرى يثق بها بشكل أكبر، ربما بدافع الخوف من انقلاب محتمل أو تصدع داخلي.
المحلل السياسي محمد العربي زيتوت لم يستغرب هذه الإقالة، التي توقع حدوثها خلال بث مباشر عبر حسابه على منصة « يوتيوب » قبل 24 ساعة.
وقال زيتوت إن شنقريحة يسعى إلى إحاطة نفسه بمن يشاركونه التوجهات ذاتها، خصوصا في ظل التحديات الأمنية التي يدعي أنها تواجه البلاد.
وكتب زيتوت على حسابه على منصة X أن شنقريحة فضل وضع اللواء مصطفى سماعلي على رأس قيادة القوات البرية باعتباره أحد أقرب المقربين منه، « خاصة في الفساد الأخلاقي ».
ووفق هذا الناشط الحقوقي الخبير بأسرار النظام العسكري الجزائري فإن يدي عثامنية وسماعلي كلاهما ملطختان بدماء ضحايا العشرية السوداء بالجزائر، « لكن عمار عثامنية لا يتوفر على كفاءة تميزه عن آخرين أكثر ولاء لشنقريحة، لذلك سيقدم الأخير على إحاطة نفسه بأشخاص أكثر قوة وقربا منه، وذلك بسبب خوفه المفرط من الانقلاب عليه ».
زيتوت، المعروف بكشفه خبايا النظام العسكري، أوضح أن سماعلي شخصية مغمورة نسبيا لكنها مقربة جدا من شنقريحة، ما يفسر اختياره لهذا المنصب الحساس.
تناقض الخطاب مع الممارسات
خلال كلمة ألقاها بمناسبة تنصيب سماعلي، شدد شنقريحة على أهمية « التجديد في المؤسسات العسكرية لتعزيز الأداء »، وهو ما أثار موجة من السخرية والاستهزاء في صفوف الجزائريين على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث تساءلوا باستنكار: كيف يمكن الحديث عن التجديد بينما تُمنح المناصب لشخصيات متقدمة في السن لها سجل ملطخ بمجازر الماضي؟
ردود الفعل الشعبية لم تقتصر على هذا التناقض، بل امتدت للسخرية من التغطية الإعلامية التي بالغت في تمجيد شنقريحة وأفرطت في نشر صوره، إلى درجة أن بعض المواطنين كتبوا تعليقات تطالب النظام بنشر صور الرئيس عبد المجيد تبون بدل صور « الحاكم الفعلي » شنقريحة، لكون رؤية وجه « عمي تبون » على الأقل تنتزع الابتسامة من وجوههم العبوسة...
وكعادتها، لم تكلف أبواق الدعاية المسيّرة من النظام العسكري نفسها عناء البحث عن سيرة هذا القائد العسكري الجديد، مخافة ذكر سنه أو تاريخه الأسود الملطخ بدماء الجزائريين، لذلك اكتفت فقط بذكر منصبه الأخير حين عين في شتنبر 2018 قائدا للناحية العسكرية الثالثة خلفا لشنقريحة، وكأن مساره العسكري قد بدأ في هذا التاريخ.
أبعاد التغييرات العسكرية
الناحية العسكرية الثالثة التي سيتولى هذا اللواء العجوز قيادتها هي واحدة من ست مناطق عسكرية جزائرية، وتعد من بين أكثرها حساسية باعتبار أنها محاذية للمغرب وتضم قيادة جبهة البوليساريو في تندوف. وهنا نستطيع أن نفهم هذا الحرص الشديد من شنقريحة على تعيين المقربين منه في هذا المنصب.
إن هذه الخطوة تأتي في سياق استراتيجية شنقريحة المستمرة لتأجيج التوتر مع المغرب تحت ذريعة « التحديات الأمنية المتزايدة »، في محاولة لصرف الأنظار عن المشاكل الداخلية المتفاقمة، التي يعاني منها النظام، وبالتالي الحفاظ على توجه النظام العدائي تجاه المغرب وتوظيفه لتبرير فشل النظام العسكري الديكتاتوري في القيادة الحكيمة لبلاد البترول والغاز.
التلاعب بالرأي العام
شنقريحة، الذي يبدو مدركا تماما لحجم الانتقادات الموجهة إليه داخليا وخارجيا، لم يفوت الفرصة للتحذير من ما وصفها بـ »الأبواق المغرضة »، التي تسعى حسبه لـ »تشويه صورة المؤسسة العسكرية وإثارة البلبلة ». غير أن هذه الاتهامات لم تنجح في تهدئة الرأي العام، الذي بات أكثر وعيا بمحاولات النظام لتوظيف الخطاب الأمني كذريعة لتثبيت أركانه واستمراره في السيطرة على الحكم.
وكما ذكرنا في مقال سابق، فإن تعيين السعيد شنقريحة في منصب وزير منتدب لدى وزير الدفاع، مع احتفاظه برئاسة أركان الجيش، هو خطوة تعزز هيمنة المؤسسة العسكرية على المشهد السياسي في الجزائر، لذلك فإن التغييرات التي سيقوم بها فهي انعكاس لخوف متجذر من الداخل، ومحاولة لتوطيد أركان نظام يعيش على نظريات المؤامرة وتضخيم التهديدات الخارجية.