بعد أقل من أسبوع من استدعاء السفير الفرنسي في الجزائر، ستيفان روماتيه، إلى وزارة الخارجية الجزائرية بسبب اتهامات وُصفت بأنها « وهمية » من قبل وزير الخارجية الفرنسي بشأن مخططات إرهابية مزعومة تنوي فرنسا تنفيذها لـ«زعزعة استقرار الجزائر »، هزت قضية جديدة تتعلق بالإرهاب النظام الجزائري. إذ أظهرت التقارير أن النظام، المحاصر بالتهم، فرش السجاد الأحمر للسفيرة الأمريكية إليزابيث مور أوبين أمس الاثنين بوزارة الخارجية.
ما المناسبة؟
منتصف الأسبوع الماضي، أصدرت وزارة الخارجية الأمريكية تقريرها السنوي حول الإرهاب في العالم لعام 2023. وقد جاء التقرير ليُشكل صفعة لحكام الجزائر، حيث اتهم النظام العسكري باستغلال قضية الإرهاب لأغراض سياسية.
ووفقا للتقرير، فإن قائمة التنظيمات الإرهابية التي أعدتها السلطات الجزائرية تتسم بالعشوائية وتضم مجموعات سلمية مثل « حركة تقرير مصير منطقة القبائل» (الماك) و «حركة رشاد» الإسلامية، اللتين تم تصنيفهما كتنظيمات إرهابية منذ عام 2021 من قبل النظام الجزائري.
ولكن، وفقا للتقرير الأمريكي، فإن هذه الحركات لا تُعتبر إرهابية لأنها لم تقم بأية أعمال عنف سواء داخل الجزائر أو خارجها. وجاء في التقرير: «في عام 2023، حافظت الجزائر على تصنيفها لـ ‘الماك’ و'رشاد' كتنظيمات إرهابية. وتعتبر الولايات المتحدة أن تركيز الجزائر على هذين التنظيمين ذو طابع سياسي أكثر منه أمني، حيث لم يرتكب أي منهما أعمالا تُعد إرهابية بحسب التعريف الأمريكي».
إقرأ أيضا : الجزائر – فرنسا: الهذيان يصيب النظام العسكري بسبب عزلته الدولية
التقرير نفى بشكل قاطع مسؤولية «الماك» و«رشاد» عن حرائق الغابات في صيف 2021 واغتيال جمال بن إسماعيل. كما أشار إلى عدم وجود أية علاقة لـ«الماك» باتهامات نقل أسلحة لتنفيذ عمليات إرهابية أو عرقلة الانتخابات الرئاسية التي جرت في 7 سبتمبر 2024.
خلفية التصعيد
في 18 مايو 2021، وبعد مظاهرة كبيرة نظمها أنصار « الماك » في باريس، قرر النظام الجزائري تصنيف الحركة مع « رشاد » كتنظيمات إرهابية. كما أصدر مذكرات توقيف دولية بحق قادة التنظيمين وبعض المعارضين الجزائريين في أوروبا، متهما إياهم بالانتماء إليهما.
في 18 غشت 2021، اتهم المجلس الأعلى للأمن « الماك » و« رشاد » بالتعاون مع « الكيان الصهيوني » والمغرب في إشعال حرائق الغابات التي اجتاحت منطقة القبائل وأودت بحياة المئات. كما تم اتهامهما بالتورط في جريمة قتل جمال بن إسماعيل، الذي تعرض للضرب حتى الموت ثم حُرق حيًا على يد حشد غاضب، بناءً على اتهامات زائفة بالضلوع في إشعال الحرائق.
إلا أن التقرير الأمريكي الأخير فنّد هذه المزاعم، مؤكدا أن هذه الحركات سلمية وتستهدفها السلطات الجزائرية بدوافع سياسية.
تبعات التقرير
التقرير الأمريكي شكّل ضربة قوية للدعاية التي يستخدمها النظام الجزائري لتبرير سياسته القمعية. كما أشار التقرير إلى القيود التي يفرضها النظام على حرية التعبير من خلال قوانين مكافحة الإرهاب. ورغم عدم الإشارة صراحة إلى قانون العقوبات الجزائري الجديد، انتقد التقرير المادة 87 مكرر التي تُصنّف أي معارضة للنظام كعمل إرهابي.
وجاء في التقرير: « أشار مراقبون محليون ودوليون، بما في ذلك الأمم المتحدة، إلى أن السلطات الجزائرية استخدمت قوانين مكافحة الإرهاب والقيود المفروضة على حرية التعبير والتجمع لاعتقال المعارضين السياسيين وكل من ينتقد الحكومة ».
على الرغم من هذه الإدانة، لم تُقدم الجزائر على استدعاء سفيرها في واشنطن احتجاجاً، كما فعلت مع إسبانيا عام 2022 وفرنسا عام 2024، حتى بعد اعتراف الولايات المتحدة بمغربية الصحراء في 2020.
استقبال السفيرة الأمريكية
في 23 دجنبر، استقبلت وزارة الخارجية الجزائرية السفيرة الأمريكية إليزابيث أوبين مور بحرارة. وأكدت مور، التي وصفت في يوليو الماضي اعتراف واشنطن بمغربية الصحراء بأنه « حدث تاريخي » و »قرار نهائي »، أن اللقاء تناول تعزيز العلاقات الثنائية.
ووفقا لبيان رسمي، « جرى استعراض مختلف جوانب العلاقات الجزائرية الأمريكية وتسليط الضوء على التقدم المُحرز في تنفيذ عدد من مشاريع الشراكة الثنائية في المجالات الاقتصادية ». ولم تُشر الجزائر بأي شكل إلى الانتقادات الواردة في التقرير الأمريكي.