بتقديم النظام الجزائري للعالم بأسره مشهدا بائسا لانتخابات رئاسية تتنافس فيها الحملة الانتخابية الهزلية مع مهزلة النتائج، لم يفقد النظام البلاد فقط كل مظاهر المصداقية، بل أيضا تسبب في إفلاسها حرفيا. والدليل على ذلك هو انهيار العملة الجزائرية أمام اليورو في الأيام الأخيرة.
منذ يوم الأحد 8 شتنبر، وهو اليوم التالي للانتخابات الرئاسية الشهيرة، والتي لم تكن نتيجتها الوحيدة سوى إعادة انتخاب تبون المسن والكاذب لرئاسة البلاد، لم تتوقف قيمة الدينار الجزائري عن التدهور، في إشارة إضافية إلى فقدان الجزائريين للثقة في بلد بات منزوعا من أي مؤسسة ذات مصداقية.
وبحسب نفس وسائل الإعلام التي تشيد بنظام من ورق، في 8 شتنبر، تم تداول اليورو بسعر 242.5 دينار في السوق السوداء للعملات، وهي الوحيدة التي تعكس الواقع. أما يوم الأحد 15 شتنبر، فقد تم تداول العملة الأوروبية مقابل 244.5 دينار، أي بزيادة قدرها ديناران في غضون أسبوع واحد فقط. ونتيجة لذلك، أصبح لشراء 100 يورو يجب دفع 24,450 دينارا، مقابل 24,250 دينارا قبل أسبوع واحد بالضبط.
بالطبع، ليس من جانب البنوك، وبالأخص البنك المركزي الجزائري، يجب النظر للحصول على الحقيقة بشأن أسعار الصرف. ففي البلد المقلوب رأسا على عقب، السوق المرجعية لشراء وبيع العملات هو المربع الشهير في الجزائر، أي السوق السوداء، حيث تُجرى المعاملات تحت الطاولة. ساحة بورسعيد في الجزائر هي المؤشر الحقيقي لسعر الصرف في الجزائر. لأن العملة المحلية ظلت مستقرة تماما في السوق « الرسمية »: وفقا للتسعير التجاري للدينار الجزائري الذي حدده بنك الجزائر بين 13 و17 شتنبر، تم عرض اليورو للبيع بسعر 146.5 دينار. ولكن هذا لا يعدو كونه « عملة زائفة » وأسعارا خيالية، وهو وضع يفسره ضعف النظام المصرفي الجزائري وغياب مكاتب الصرافة.
ساحة بورسعيد هي البورصة الحقيقية للعملات في البلاد، والتي يتجه إليها المسافرون ورجال الأعمال وحتى البرلمانيون والوزراء (حيث اعترف أحمد أويحيى ببيع سبائك ذهب فيها) لبيع الدينار مقابل العملات الأجنبية. ويرجع ذلك إلى أن المكافأة المطبقة في السوق الموازية أكبر بكثير مقارنة بسعر الصرف الرسمي.
يتم تغذية هذا السوق إلى حد كبير من خلال تحويلات معاشات المغتربين الجزائريين السابقين، وتحويلات أموال المغتربين، والمضاربة على الواردات، والمضاربة على العملات، وحتى تهريب الأموال.
عندما يفقد الجزائريون الثقة في عملتهم
ما الذي يعنيه إذن انخفاض الدينار الجزائري أمام اليورو بشكل خاص؟ بشكل عام، ترتبط مثل هذا الظاهرة، كما اعتدنا في الجزائر، بتطور الناتج المحلي الإجمالي للبلاد وبالتالي خلق الثروة، وبأسعار النفط، التي تؤثر على قيمة الدينار، وغالبا ما يكون ذلك مرتبطا بنفاد الاحتياطيات من العملات الأجنبية، بالإضافة إلى إنتاجية الاقتصاد الجزائري خارج قطاع المحروقات، والذي هو ضعيف بطبيعته، وتأثيره في السياق العالمي ومستوى التضخم.
لكن هذه المرة، دخل عامل آخر، وهو الأكثر خطورة على الإطلاق: فقدان الثقة التامة في السوق بعد المهزلة الانتخابية التي كشفت غياب أي مؤسسات ذات مصداقية.
إقرأ أيضا : الإعلام الجزائري يغرق في التضليل: تزييف الحقائق حول المغرب لتحويل الأنظار عن أزماته الداخلية
القصة سلسلة من الهفوات التي تثبت أن النظام غير قادر حتى على حفظ المظاهر. بإيجاز، وبالترتيب أو قريب منه: نسبة مشاركة رسمية تم الإعلان عنها بنسبة 48%، بينما كان من الواضح رسميا أن حوالي 5.6 مليون صوت فقط تم التعبير عنها من أصل 24.5 مليون مسجل في القوائم الانتخابية، وفقًا للأرقام المقدمة من الهيئة الوطنية المستقلة للانتخابات (ANIE). كانت نسبة المشاركة الحقيقية لا تتجاوز 23%. بعد ذلك مباشرة، خرج رئيس غير منتخب بشكل صحيح ليحتج على النتائج... التي جعلته فائزًا. بعد أسبوع واحد: المحكمة الدستورية التي تفجر كل شيء لتخرج بأرقامها الخاصة. في محاولة لإنقاذ عبد المجيد تبون من الصفعة الانتخابية القاسية التي تلقاها من الجزائريين الذين قاطعوا صناديق الاقتراع بشكل جماعي، قامت بتخفيض نسبة الأصوات المعبر عنها لصالحه بمقدار 10 نقاط... بينما منحت له 2.5 مليون صوت إضافي.
ما يكفي لتحويل الانتخابات الرئاسية المبكرة في 7 شتنبر إلى مهزلة بائسة.
لعبة العرض والطلب
« المال يتحدث »، كما يقول الأمريكيون بود. إذا كان الجزائريون قد صوتوا بأقدامهم بمقاطعة الانتخابات، فإن الأكثر قيمة بينهم يفضلون الآن الاحتفاظ بمدخراتهم بالعملات الأجنبية، مما يخلق ندرة في العرض، وبالتالي ارتفاعا في قيمة اليورو، العملة الأكثر طلبا.
القاعدة الاقتصادية هي الأكثر بساطة: انهيار العملة يؤدي مباشرة إلى انهيار الاقتصاد بالكامل، أو ما تبقى منه. ولن يغير المال الناتج عن النفط والغاز - والذي يشهد أيضا تراجعا في أسعاره- من الأمر شيئا.
عندما يسرع الجزائريون بتبادل ديناراتهم باليورو أو الدولار، فإن هذا لا يعني سوى شيئا واحدا: أنهم لا يثقون في العملة الوطنية، ومن ثم في الجهة الضامنة لهذه العملة، والتي من المفترض أن تكون الدولة. هذه السباق للتخلص من الدينار ستكون له تداعيات قاسية اقتصاديا وسياسيا.