الجزائر: وزراء تحت الوصاية.. هكذا أحكم تبون قبضته على آلة الدولة

عبد المجيد تبون

الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون . DR

في 16/07/2025 على الساعة 07:00

في الجزائر، لم يعد للوزراء من صفتهم إلا الاسم. وثيقة نارية كشف عنها الصحفي المنفي عبدو سمار تفضح نظاماً تُصادَر فيه كل القرارات ـ من التعيين إلى الترقية والإقالة ـ من قِبل الرئيس عبد المجيد تبون. تشريح لرئاسة مهووسة بالتحكم، ولو على حساب شلّ الدولة.

إنها وثيقة تكشف الكثير عن مفهوم السلطة في الجزائر، وتسلّط ضوءا ساطعا على كواليس نظام تنهار فيه واجهة الحكومة المستقلة أمام واقع سيطرة رئاسية متغوّلة. الصحفي الجزائري عبدو السمار، المقيم في فرنسا، كشف عن هذه الوثيقة عبر فيديو صادم بواقعيته: مراسلة رسمية موقعة من الوزير الأول نذير العرباوي توضح ـ وبشكل لا لبس فيه ـ ما هو دور الوزير في الجزائر، أو بالأحرى، ما لم يعد له من دور.

في 19 يونيو 2025، تلقى أعضاء الحكومة الجزائرية مذكرة تعليمات صريحة: لم يعد لأي وزير الحق في تعيين أو إقالة أي إطار داخل وزارته دون موافقة مباشرة من «المصالح المختصة» التابعة لرئاسة الجمهورية. كل تعيين، كل إقالة، حتى أبسط إعادة هيكلة داخلية أو ترقية بسيطة.. يجب أن تمر عبر فلتر وقبول قصر المرادية.

الوثيقة تشكّل صفعة بيروقراطية لفكرة الحوكمة الحديثة. الوزير، الذي يُفترض أن يكون مدبّرا سياسيا وقائدا إداريا لقطاعه، تحوّل إلى مجرد ناقل أوامر. النص واضح: لا قرار دون «موافقة مسبقة»، وإلا فالنتيجة شلل تام. والأسوأ من ذلك، أن أي مقترح لإنهاء مهام يجب أن يكون مصحوبا بتقرير مفصّل يبرّر «الأسباب الحقيقية» خلفه. إنها وصاية مقنّعة لا تخفى على أحد.

بيروقراطية ستالينية

في تحليله، يقول عبدو السمار ساخرا: «لدينا 35 وزيرا في الجزائر، لكن بوسعنا الاستغناء عنهم جميعا». إذ كيف يمكن إدارة وزارة إذا لم يكن للوزير حرية اختيار طاقمه؟ كيف يمكن تنفيذ سياسات عامة دون الحد الأدنى من حرية تشكيل الفريق؟ إن رئاسة الجمهورية، بسيطرتها على تعيين حتى مديري الجهات أو رؤساء الدواوين، تصنع وزراء أشباح، لا دور لهم سوى توقيع الملفات، دون أية قدرة فعلية على اتخاذ القرار.

هذا النموذج لا يُعد فقط غير فعّال، بل هو بالغ الخطورة بالنسبة لبلد غارق في أزمة اقتصادية واجتماعية مزمنة. فالوزير الذي لا يملك سلطة اتخاذ القرار هو وزير بلا مسؤولية. فما الجدوى إذن من تحمّل عبء الإصلاحات إذا كان كل تحريك بسيط للأطر يجب أن يُرفع إلى أعلى هرم السلطة؟ ولو أراد أحدهم أن يُجمّد الدولة داخل بيروقراطية ستالينية، لما وجد وسيلة أفضل من هذا الأسلوب.

فعليا، يحتكر الرئيس معظم أدوات السلطة التنفيذية، لكن هذا التقييد الجديد يجعل الحكومة مجرد واجهة زائفة. ديكور من الورق المقوى، وزراؤه مجرد مديري ملفات يخضعون للمراقبة، بلا أدنى هامش للمناورة أو المبادرة.

الارتياب كعقيدة للنظام

النتائج متوقعة مسبقا. هذا التمركز المفرط يؤدي حتما إلى الجمود. دون حرية تشكيل فرق عمل كفؤة وسريعة التفاعل، تتحول الوزارات إلى آلات ثقيلة مشلولة بالخوف من الخطأ. تُخنق روح الابتكار، وتُقمع المبادرات، وتضيع الإصلاحات في دهاليز «التصديق الرئاسي».

والأكثر سخرية أن هذا الانغلاق ليس جديدا. ففي عهد بوتفليقة، كان الوزراء خاضعين لرقابة شديدة، لكنهم كانوا يحتفظون بجزء من حرية اختيار محيطهم المباشر. أما اليوم، فقد أُحكم القيد بالكامل. لقد أصبحت الريبة من المسؤولين التنفيذيين عقيدة قائمة، والخوف من «طعنة في الظهر» هو القاعدة الأوسع انتشارا في البلاد. هكذا تُشلّ «الجزائر الجديدة» وتُصادر فرص إصلاحها باسم السيطرة، لتنتج في النهاية شللا مؤسسيا يعطّل أداء السلطة ذاتها.

يختصر عبدو سمار منطق هذا الانحدار بالقول: «مدير دون هامش للمناورة لا يمكنه تحقيق الأهداف». وبالإصرار على التحكم بكل شيء، تحرم الرئاسة نفسها من إدارة قادرة على تنفيذ الحد الأدنى من السياسات. في سياق اقتصادي مأزوم وتصفية حسابات لا تنتهي داخل الجيش، فإن هذا الهوس بالتحكم يفضح قبل كل شيء ارتباك تبون ومن حوله، وخوفهم من فقدان السيطرة.

تحرير من طرف طارق قطاب
في 16/07/2025 على الساعة 07:00