أعلن القضاء الجزائري فتح تحقيق على عاتق جهاز الأمن الداخلي (الاستخبارات)، في قضية فساد سياسية تشمل ثلاثة مترشحين للانتخابات الرئاسية المقبلة المقررة في السابع من شتنبر المقبل، وذلك للاشتباه في تورطهم في « قضية بيع وشراء التوقيعات من المنتخبين لاستخدامها في ملف الترشح ».
وقال النائب العام لمحكمة الجزائر لطفي بوجمعة، في مؤتمر صحفي إنّ النيابة العامة أمرت الضابطة القضائية لجهاز الأمن الداخلي بـ »فتح تحقيق ابتدائي معمق حول السلوكات التي تمثلت في شراء توقيعات المنتخبين مقابل الحصول على التزكية من أجل الترشح للانتخابات الرئاسية ».
وأشار بوجمعة إلى أنّ « النتائج الأولية للتحقيق كشفت تورط ثلاثة راغبين في الترشح للرئاسة، يمكن أن تطاولهم الإجراءات العقابية، خاصة وأن التحريات كشفت أن لديهم ماضياً قضائياً يخص صدور أحكام سابقة بالحبس والغرامة المالية بحقهم بسبب تصرفات غير أخلاقية ومعاملات غير مشروعة ».
وأعلن المسؤول القضائي ذاته أن مصالح الضابطة القضائية « ستوسع التحقيق الابتدائي، لتوقيف ومتابعة كل من تورط في هذا التحقيق ».
استهداف المعارضين
فيما لم يُفصح النائب العام عن أسماء المترشحين المستهدفين، أشار متابعون للشأن الجزائري عبر مواقع التواصل الاجتماعي إلى أن سيدة الأعمال سعيدة نغزة، هي أول المستهدفين بهذه الملاحقة القضائية، لكونها حسبهم تشكل صوتا مزعجا لنظام الجنرالات المستولين على الحكم، خاصة بعد التصريحات التي أطلقتها بعد استبعادها من الترشح، حيث أكدت أنها ستواصل محاربة «العصابات» إلى أن تنال حقها بالقانون، قبل أن تستدرك مضيفة: «إلا إذا قتلوني أو رموني في سجن الحراش»، مشيرة إلى أن سجنها لا يخيفها غير أنها حذرت من المس بأولادها انتقاما منها...
ومما أكد شكوك المعلقين على صفحة سعيدة نغزة على فيسبوك، توقفها عن نشر أي جديد في حسابها منذ ثلاثة أيام، بعدما ظلت نشطة إلكترونيا في الآونة الأخيرة تبلغ متابعيها بكل خطواتها، واعتبروا هذا « الاختفاء » مؤشرا على تصاعد الضغوط عليها.
ووجه أستاذ للعلوم السياسية والعلاقات الدولية من منطقة تيزي وزو يدعى « خلدون »، الكثير من اللوم إلى سيدة الأعمال سعيدة نغزة وكأنه يعاتبها على المشاركة في انتخابات لا يرجى من ورائها التغيير. حيث كتب معلقا على آخر منشور لسعيدة نغزة على صفحتها الفيسبوكية، يقول: « سيدتي ألم أقل لك إن القضية تتجاوز كل البروتوكولات الشكلية التي تعطي الأولية للشكل وتتجاهل المضمون الذي يعد جوهر ونواة التغيير الحقيقي لتجسيد مبادئ الديمقراطية والتداول السلمي على السلطة؟ ».
ثم أضاف: « سيدتي 4 سنوات ضاعت من حياتي وأنا أدرس العلوم السياسية والعلاقات الدولية وكنت قادر على الانخراط في أي حزب سياسي أو تجمع ديموقراطي وهذا بهدف العمل من اجل خلق ديناميكية سياسية جديدة ذات أبعاد اقتصادية واجتماعية يكون لها الوقع الايجابي في فتح مساحات للحوار البناء والجريء لدفع حركة التنمية الفكرية وتجسيد مبادئ المواطنة السليمة على أرض الواقع... لكن سيدتي والله إن الواقع الراهن يتعارض مع كل ما هو بناء ويشجع بالمقابل الغباء الجماعي ويدفع بنا ككل نحو الهاوية.
أما المستهدف الثاني الذي أشارت إليه التعليقات فهو بلقاسم ساحلي، رئيس حزب التحالف الجمهوري، المترشح الرئاسي باسم تكتل الإصلاح والاستقرار (يضم سبعة أحزاب)، والذي استبعدته المحكمة الدستورية من الترشح، وذلك بسبب انتقاده لقرار رفض ملفه، حيث اعتبر ذلك في بيان « إقصاء سياسيا مزدوجا، إقصاء مبيّتا ضد شخصية سياسية لها كفاءة والتزام ونزاهة، وإقصاء مبرمج ضد التيار الجمهوري والحداثي باعتباره تياراً وازناً في الساحة السياسية، وهو الإقصاء الذي تقف وراءه بعض الأطراف السياسية والحزبية، التي قد يكون أزعجها أو أحرجها ترشح بلقاسم ساحلي »..
تواطؤ مع منظومة الاستبداد
أما المترشحان حساني شريف (62 سنة) ويوسف أوشيشي (41 سنة) اللذان تم قبول ملفهما إلى جانب مرشح العسكر عبد المجيد تبون (78 سنة)، فلن يمسهما سوء، على الأقل في هاته المرحلة، لأنهما متواطئان مع النظام للعب دور « أرنبي سباق »، وفق محمد هناد، أستاذ العلوم السياسية السابق بجامعة الجزائر، الذي كتب تدوينة على صفحته الفيسبوكية يقول فيها إن « المترشحان اللذان حظيا بقبول ملفيهما يدركان جيدا أن عبد المجيد تبون سيفوز في الدور الأول وبفارق لا يحفظ كرامتهما؛ الأمر الذي سيجعل من ترشحهما مجرد تواطؤ مع منظومة الاستبداد وإسهام في إفساد العملية الانتخابية والممارسة السياسية في البلاد بشكل عام وذلك مقابل مكافأة ما للمترشحيْن شخصيا ولحزبيهما ».
إن الجزائريين من خلال تعليقاتهم على وسائل التواصل الاجتماعي واعون بأن النظام العسكري الغارق في الفساد يستخدم القانون كسلاح لمعاقبة المعارضين وإظهارهم على أنهم « فاسدين »، حيث يسلط عليهم الإعلام المسخر لتشويه سمعة كل من يغرد خارج السرب، مقابل تلميع صورة المرشح الوحيد والأوحد « عمي تبون » وإظهاره على أنه « سوبرمان المرحلة المقبلة »!.. كل ذلك لضمان بقاء النظام الحالي في السلطة.