انفجار سياسي: تسجيل صوتي نادر يكشف خفايا خيانة الجزائر لجمال عبد الناصر

الرئيس المصري جمال عبد الناصر (1956 -1970)

في 04/10/2025 على الساعة 17:05

فيديوأحدثت قناة العربية السعودية زلزالا إعلاميا وسياسيا في الجزائر، بعد نشرها تسجيلا صوتيا غير مسبوق للرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر ونظيره الموريتاني مختار ولد داداه، يعود تاريخه إلى6 شتنبر 1970، أي قبل أسابيع قليلة من وفاة عبد الناصر في 28 شتنبر من العام نفسه. في هذا التسجيل النادر، يتحدث عبد الناصر بصراحة غير معهودة عن مرحلة مفصلية في تاريخ المنطقة، هي حرب الأيام الستة عام 1967، كاشفا عن تفاصيل غير معروفة بشأن ما وصفه بـ«خيانة» الجزائر، ومصححا ما تعتبره الجزائر أسطورة دعمها العسكري لمصر خلال تلك الحرب. حديث عبد الناصر جاء ليُسقط الرواية التي روّجها النظام الجزائري على مدى عقود حول دوره في الحرب، وليكشف ما اعتبره «طعنة في الظهر» من بلد كان يظنه حليفا.

لقد مثّل هذا التسجيل صفعة مدوّية للنظام الجزائري الذي دأب على إعادة كتابة التاريخ بما يخدم سرديته الرسمية، معتقدا أن تزوير الوقائع يمكن أن يغيّر الحقائق. غير أن هذه المرة، لم تأت المواجهة من «الاستعمار القديم»، بل من مصر نفسها، على لسان زعيمها القومي الأكبر، جمال عبد الناصر.

كان عبد الناصر من أشد الداعمين لحركات المقاومة والتحرر، وقدم دعما عسكريا للثورة الجزائرية عبر جبهة التحرير الوطني (FLN). كما وقف إلى جانب أحمد بن بلة بعد الاستقلال، ثم دعم هواري بومدين إثر انقلابه على بن بلة سنة 1965. وخلال حرب الرمال عام 1963 بين الجزائر والمغرب، اختار ناصر الاصطفاف إلى جانب الجزائر، مقدما لها السلاح والجنود.

وبعد كل هذا الدعم، كان من الطبيعي أن يتوقع عبد الناصر موقفا مماثلا من الجزائر حين خاضت مصر حربها ضد إسرائيل عام 1967. فالتاريخ الرسمي الجزائري ظل يؤكد أن الجزائر لعبت دورا محوريا في دعم مصر خلال حرب الأيام الستة، إلى جانب سوريا والعراق والأردن.

لكن التسجيل الصوتي الذي كشفته قناة «العربية» يقدّم رواية مغايرة تماما: ففي حديثه مع الرئيس الموريتاني مختار ولد داداه، يروي جمال عبد الناصر تفاصيل صادمة عن غياب الدعم الجزائري المزعوم، وعن خيانات ارتكبها النظام الجزائري في لحظة كان فيها العالم العربي بأمسّ الحاجة إلى وحدة الصف.

الجزائر.. من حليف الأمس إلى عدو اليوم

جاء هذا الحوار بين الرئيسين جمال عبد الناصر ومختار ولد داداه بتاريخ 6 شتنبر 1970، أي قبل أسابيع قليلة من وفاة عبد الناصر في 28 من الشهر نفسه، في سياق توتر متصاعد بين مصر والجزائر.

ففي 7 غشت من العام نفسه، قبل الرئيس المصري بوقف لإطلاق النار على قناتي السويس والأردن، بعدما وافق في يونيو على خطة روجرز التي طرحتها الولايات المتحدة، ودعت إلى وقف الأعمال القتالية وانسحاب إسرائيل من الأراضي المصرية المحتلة.

هذه المواقف لم تُرضِ عددا من الدول العربية، وفي مقدمتها الجزائر التي كانت تتزعم آنذاك الجبهة الرافضة للهدنة. فالرئيس هواري بومدين وجد في تبني القضية الفلسطينية، ذات الشعبية الجارفة في تلك المرحلة، فرصة لتلميع صورته داخليا وخارجيا، واستثمارها لتأكيد موقعه في المشهد العربي. ويبدو أن النظام الجزائري ما زال، حتى عام 2025، ينهج الاستراتيجية ذاتها: المتاجرة بالقضية الفلسطينية لتغطية إخفاقاته الداخلية.

في التسجيل الصوتي، يبوح جمال عبد الناصر لنظيره الموريتاني بأنه، وإن كان يخشى من هجمات مفاجئة أميركية أو إسرائيلية ضد مصر، فإن هذه المخاوف تتضاءل أمام ما يواجهه من مؤامرات بعض الدول العربية، قائلا إن هذه الدول « أنهكت بلادي أكثر مما فعلته الصواريخ والطائرات الإسرائيلية ».

ويكشف التسجيل أن غضب عبد الناصر الحقيقي كان موجها نحو الجزائر، رئيسها آنذاك هواري بومدين، ووسائل إعلامها التي شنّت عليه حملة قاسية. يقول عبد الناصر في التسجيل: «نحن نواجه موقفا عربيا يسبب لنا ألما نفسيا أشد مما يسببه الإسرائيليون».

ويواصل بلهجة ممزوجة بالغضب والمرارة: «إنهم يهاجموننا بلا سبب. يقولون إن الحرب ضرورية، ويعارضون وقف إطلاق النار، ولا يفهمون لماذا قبلناه».

ويشير ناصر هنا إلى الهدنة التي اضطر لقبولها بعد الخسائر الفادحة التي تكبدها الجيش المصري على جبهة قناة السويس، وإثر موافقته على خطة روجرز الأمريكية للسلام.

ويضيف قائلا:

«وبسبب قبولنا بوقف إطلاق النار، سحبت الجزائر قواتها من الجبهة».

وبالفعل، ففي 6 غشت 1970، أعلنت الجزائر سحب نحو ألفي جندي كانوا متمركزين على جبهة قناة السويس منذ وقف إطلاق النار الأول في يونيو 1967.

وقد فُسّر هذا القرار في الأوساط السياسية بالقاهرة آنذاك على أنه ردّ مباشر على الخلاف السياسي الذي نشب بين البلدين عقب قبول عبد الناصر بالخطة الأمريكية.

حرب الأيام الستة بعيون عبد الناصر… رواية مصرية تنسف الأسطورة الجزائرية

لم تقتصر الخلافات بين مصر والجزائر على الموقف من وقف إطلاق النار أو خطة روجرز، بل امتدت إلى حساسية مفرطة من الطرف الجزائري إزاء ما كان يُقال في القاهرة حول الدور الحقيقي للجزائر في حرب 1967.

في الحوار الذي جمعه مع الرئيس الموريتاني مختار ولد داداه، كشف جمال عبد الناصر أن هواري بومدين ودوائر الحكم في الجزائر شعروا بالإهانة بسبب تصريحات متداولة في مصر تُقلل من شأن المساهمة الجزائرية في حرب الأيام الستة.

وللتذكير، فإن أحمد بن بلة كان قد أُطيح به في انقلاب عام 1965، ليصل بومدين إلى السلطة. وبعد فترة من التوتر بين القاهرة والجزائر، أرسل بومدين مساعدات عسكرية إلى مصر، وفق ما ترويه الرواية الجزائرية الرسمية، التي تقول إن الجزائر أرسلت دبابات وطائرات ولواءً جويا وعددا من الجنود. غير أن مشاركة تلك القوات ظلت رمزية خلال الحرب الخاطفة، ما خلق استياءً داخل صفوف العسكريين الجزائريين الذين ظلوا متمركزين في مصر حتى عام 1969، خلال حرب الاستنزاف.

لكن ما أثار الغضب الجزائري في 1970 هو انتشار أقوال في مصر مفادها أن الجنود الجزائريين كانوا مرتاحين لبقائهم بعيدين عن الجبهة، أي إنهم فضلوا عدم القتال. وهي رواية تنسف أسطورة الجزائر كـ«مكة الثوار». إلا أن جمال عبد الناصر، بدلا من نفيها، أكدها بوضوح قائلا: «كانوا مترددين في كل شيء».

وفي توضيحه، يروي عبد الناصر أن الجزائريين انزعجوا من تصريحات أدلى بها أنور السادات – وكان آنذاك نائبا للرئيس المصري – خلال لقاء مفتوح مع طلبة الجامعات. إذ سأل أحد الطلبة الجزائريين، وكان يدرس في مصر بمنحة، السادات عن نوع المساعدة التي قدمتها الجزائر لمصر عام 1967، فأجابه الأخير بصراحة: «في الحقيقة، لم تكن هناك أي مساعدة».

وحين ذكر الطالب الطائرات التي قالت الجزائر إنها أرسلتها بعد الحرب، رد السادات بأنها طائرات سوفياتية الأصل. وعلق عبد الناصر قائلا: «لقد انزعجوا من هذه الأقوال، لكنها الحقيقة. ما أزعجهم هو الحقيقة نفسها».

وأضاف أن الطالب الجزائري توجه لاحقا إلى سفارة بلاده في القاهرة لتقديم شكوى ضد السادات، متهما إياه بإهانة الطلبة الجزائريين خلال اللقاء.

وفي التسجيل نفسه، يفنّد عبد الناصر الرواية الجزائرية الرسمية بشأن مشاركتها العسكرية في مصر قائلا: «لا أكاذيب في هذه الأقوال، إنها الحقيقة».

ثم ينتقل إلى مقارنة بالأرقام بين ميزانية الجيش المصري عامي 1967 و1970 ليؤكد أن مصر خاضت الحرب وحدها دون أي دعم عربي: «لقد ألغينا وقف إطلاق النار وخضنا القتال. تكبدنا خسائر وأوقعنا خسائر في إسرائيل، لكننا قاتلنا وحدنا. اليوم تبلغ ميزانية قواتنا المسلحة 553 مليون جنيه، بينما لم تكن تتجاوز 160 مليونا عام 1967. كل هذا على حساب التنمية وكل شيء آخر».

ويختم موجها سهما لاذعا نحو الجزائر بقوله: «هذه الحقيقة يجب أن يسمعها إخواننا في الجزائر أيضا». ثم يضيف بسخرية واضحة من مزاعم الدعم الجزائري: «من العار علينا أن نطلب المساعدة من أحد. نحن لا نسمح لأنفسنا بذلك. الجزائريون لم يساعدونا ولو بألف جزء من الجنيه بعد عودتنا من الحرب. اعتمدنا على أنفسنا، فرضنا ضرائب ثقيلة على الشعب، لكننا لم نطلب شيئا، ولن نطلب، لا منهم ولا من غيرهم».

نكران الجميل في بلد قصير الذاكرة

يواصل الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر في هذا التسجيل كشف خفايا علاقات القاهرة بالجزائر، مسلطًا الضوء على ما اعتبره نكرانًا للجميل وخيانةً سياسية من بلد نسي سريعًا من وقف إلى جانبه في لحظات مصيرية من تاريخه.

في معرض حديثه عن القرار 242 لمجلس الأمن الصادر في 22 نونبر 1967، والذي دعا إسرائيل إلى الانسحاب من الأراضي المحتلة بعد حرب الأيام الستة، أوضح عبد الناصر أن مصر قبلت بالقرار شأنها شأن الأردن ولبنان، بينما اختارت الجزائر المزايدة على مصر واتهامها بالتفريط في القضية الفلسطينية، بدل دعمها في مواجهة التحديات.

يقول عبد الناصر، متحدثًا بمرارة عن ازدواجية الموقف الجزائري:

«هناك فرق بيننا وبين الآخرين، نحن في الصفوف الأمامية ونقاتل، بينما هم على بعد آلاف الكيلومترات من ميدان المعركة. يدي على النار، وأيديهم بعيدة عنها».

ثم يستعيد الرئيس المصري سجلّ المواقف التاريخية ليذكّر الجزائر بما قدّمته لها مصر من دعم في ثورتها التحريرية ضد الاستعمار الفرنسي، وفي حرب الرمال ضد المغرب سنة 1963.

«حين جاء بن بلة إلى هنا لم يكن يملك حتى بندقية واحدة. لم يكن لديه شيء. نحن أعطيناه كل شيء»، يقول عبد الناصر، في إشارة إلى فترة لجوء أحمد بن بلة إلى القاهرة بعد فراره من السجن عام 1952 استعدادًا لبدء الكفاح المسلح ضد فرنسا.

ويتابع مستحضراً مرحلة هواري بومدين، الذي كان طالبًا في مصر، قائلا: «جاء بومدين من هنا على متن يخت الملك فاروق، أخذ الأسلحة التي قدمناها للجزائر وحملها معه. ثم فتحنا لهم خطوط ائتمان…».

في حديثه هذا، يشير عبد الناصر إلى واقعة 28 فبراير 1955، حين غادر بومدين ميناء الإسكندرية على متن اليخت الملكي السابق « الديانا »، محملاً بـ 13,5 طنًا من الأسلحة والذخيرة المصرية، دعمًا للثورة الجزائرية ضد الاستعمار الفرنسي.

لكن مرارة عبد الناصر تتعمق حين يتطرق إلى حرب الرمال بين الجزائر والمغرب:

«وحين دخلوا في صراع مع المغرب لم تكن لديهم حتى جيش. المغرب هاجمهم، فاستنجدوا بنا، فأرسلنا الطائرات والدبابات والمظليين. حصلوا على كل ما طلبوه في ثلاثة أيام فقط. من المخجل أن يجرؤ اليوم بعضهم على الكلام…».

ثم يختتم قائلاً بنبرة حادة تنم عن خيبة عميقة: «نحن من يقف على الجبهة، وأنتم بعيدون عنها. فلتكفّوا عن الوعظ والمزايدة».

الخيانة.. الركيزة الخفية للدبلوماسية الجزائرية

في ختام حديثه المسجل، عبّر جمال عبد الناصر عن حيرته إزاء موقف الجزائر، متسائلا عن الأسباب التي دفعتها إلى اتخاذ مواقف عدائية تجاه مصر في مرحلة كانت الأمة العربية بأمسّ الحاجة إلى التماسك. فالرئيس المصري قال بوضوح إنه لا يفهم «لماذا يقبل إخواننا في الجزائر بهذا السلوك؟».

وأشار عبد الناصر إلى أن الجزائر لم تكتفِ بتأجيج الخلافات داخل الصف العربي، بل شاركت في إذكاء التوتر بين مصر والعراق، رغم أنهما كانتا تواجهان تحديا واحدا في القضية الفلسطينية.

وأضاف قائلا: «هل أصبحوا اليوم متفقين مع العراق ضدنا؟ نحن نعلم بوجود اتصالات بين الجزائر والعراق… بين بومدين وبوتفليقة من جهة، والعراقيين من جهة أخرى».

وفي ذلك الوقت، كان عبد العزيز بوتفليقة يتولى منصب وزير الخارجية الجزائري، ما جعل كلام عبد الناصر إشارة مباشرة إلى تورط رسمي جزائري في تحركات مناوئة لمصر.

وتابع عبد الناصر قائلا بنبرة حاسمة: «لا شك أن الخيانة والعمل ضدنا أصبحا هدفا في بعض الدول العربية والأفريقية، وحتى بين الطلبة العرب في الخارج… في تنزانيا أيضا، يتآمرون علينا مع الأفارقة وحركات التحرر».ثم أضاف: «لا أفهم حقا ما الذي يجري».

لقد كان سلوك الجزائر التآمري – وفق تعبير عبد الناصر – ظاهرا للعيان، خصوصا خلال ذروة الأزمة بين القاهرة وبغداد في غشت 1970، حين كانت العلاقات بين البلدين قاب قوسين من الانقطاع. وفي خضم هذا التوتر، انعقدت في طرابلس بليبيا قمة لوزراء الدفاع والخارجية في الدول الخمس الأعضاء السابقة في الجمهورية العربية المتحدة (مصر، سوريا، الأردن، السودان، ليبيا)، وقررت تلك القمة توحيد الصفوف وعزل كل من العراق والجزائر بسبب مواقفهما العدائية.

وفي نهاية التسجيل، يعبّر جمال عبد الناصر عن دهشته من تناقض الموقف الجزائري، قائلا: «علاقاتهم مع المغرب ومع تونس قوية جدا. هناك اتصالات دائمة بينهم، كما أنهم يكثرون من الإشادة بالمغرب… في الحقيقة، موقف الجزائر غريب فعلا».

بهذه الكلمات، يختتم الزعيم المصري أحد أكثر الاعترافات جرأة في تاريخه السياسي، كاشفا أن ما كان يراه تضامنا عربيا لم يكن سوى قناع يخفي طموحات وتناقضات جزائرية، ستظل – كما يبدو – تطبع سلوك النظام الجزائري لعقود لاحقة.

الافتراء… الخط التحريري للصحافة الجزائرية

بين عامي 1970 و2025، يبدو أن شيئاً لم يتغير فعلاً في الجزائر، وعلى رأس ذلك نهج الافتراء والتضليل الذي تمارسه الصحافة الرسمية. ففي التسجيل الصوتي، يعبّر جمال عبد الناصر عن غضبه من الحملات الإعلامية الجزائرية التي كانت تشنّها الصحف ضد مصر، قائلاً:

«نحن من نرزح تحت ضغط إسرائيل، بينما تقول الصحافة الجزائرية إننا استسلمنا، وإن قبولنا بالخطة الأمريكية (في إشارة إلى خطة روجرز) خيانة للأمة العربية، وللشعوب العربية، وللقضية الفلسطينية. يقولون إنه كان علينا تحرير فلسطين كاملة. لو كنا قادرين على ذلك لفعلنا، لكن خلال 22 عاماً لم نتمكن من تحقيق ذلك. فكيف يطالبوننا بما هو مستحيل؟».

ثم يواصل عبد الناصر موجهاً حديثه إلى الجزائر بلهجة حادة وساخرة: «إذا كنا نحن لا نستطيع تحرير فلسطين كلها، وأنتم تستطيعون، فتفضلوا! هذه مجرد شعارات فارغة. عندما أوقفنا القتال، غضبوا. فليأتوا إذن ليقاتلوا مكاننا! ليس لدي أي مانع أن تأتي القوات الجزائرية لتخوض المعركة، لكنهم يقولون لا حرب هناك، لا غارات، لا عمليات».

ويكشف التسجيل أن الرئيس المصري استحضر خلال حديثه حواراً مباشراً أجراه مع هواري بومدين حول تلك الحملات الإعلامية، قائلاً: «سألته: لماذا تكتب صحفكم عنا بهذا الشكل؟ لماذا تقول إننا نفتح الملاهي الليلية لنلهي الناس عن المعركة؟ لدينا 650 ألف جندي، كلهم من خريجي الجامعات في مختلف أنحاء البلاد، وبحلول ديسمبر المقبل سيكون لدينا 750 ألف جندي».

ويضيف عبد الناصر أن بومدين برّر تلك الهجمات الصحفية قائلاً إنه «لا يسيطر على ما تنشره الصحافة الجزائرية»، غير أن عبد الناصر لم يصدق هذا التبرير، قائلاً في التسجيل: «نحن نعرف نوايا بوتفليقة ومجموعته منذ البداية».

هكذا، يكشف التسجيل أن آلة الدعاية الجزائرية كانت، منذ عقود، تستخدم التحريض الإعلامي كسلاح سياسي ضد الدول العربية، تماماً كما تفعل اليوم حين تزوّر الوقائع وتحرّف التاريخ لخدمة سردية النظام.

ردة الفعل الغاضبة للسلطات الجزائرية

في الجزائر، وكما كان متوقعا، أثار التسجيل الصوتي الذي بثته قناة العربية السعودية موجة استياء واسعة. فقد سارع الجهاز الدعائي الرسمي للنظام الجزائري، عبر وكالة الأنباء الرسمية APS، إلى إصدار برقية تندد بما وصفته بـ«تلاعب إعلامي»، مشككة في صحة التسجيل ومعتبرة إياه مجرد «منتوج مزيف صُنع بتقنيات الذكاء الاصطناعي»، و«تزويرا تاريخيا» هدفه تضليل الرأي العام، حسب زعمها.

والمفارقة، كما يلاحظ كثيرون، أن هذا الموقف يأتي من بلدٍ لا يتردد إعلامه الموالي للسلطة في اختلاق تقارير مفبركة لتشويه صورة المغرب، حدّ الادعاء بوجود نفق سري بين البلدين يُستخدم لتهريب المخدرات، مستعملاً في ذلك مشاهد مقتبسة من فيديوهات للحرس المدني الإسباني. كما سبق لقنوات جزائرية أن أعادت استعمال مقاطع مصورة من تقارير مغربية لتقديمها على أنها مشاهد من داخل الجزائر، في محاولة لتجميل واقعها الاقتصادي والثقافي والسياحي.

وقالت وكالة الأنباء الجزائرية في بيانها الغاضب: «من خلال بث تسجيل مزعوم يظهر فيه جمال عبد الناصر، أحد رموز التاريخ العربي، وهو يقلل من دور الجزائر خلال حرب الأيام الستة عام 1967، تؤكد هذه القناة مجددا طبيعتها التخريبية التي تسعى إلى تحريف التاريخ، وبث الفتنة، والإساءة إلى الدول العربية الملتزمة بقضايا شعوبها».

ولم تكتف الوكالة بذلك، بل تساءلت في نبرة تآمرية مألوفة لدى الإعلام الرسمي الجزائري:

«من يخاف من التقارب بين الجزائر والقاهرة؟ ومن يخشى أن تتحقق القوة العربية الموحدة التي يدعو إليها الرئيس عبد الفتاح السيسي؟».

تساؤلات تحمل، كما يرى المراقبون، نزعة تبريرية أكثر منها تحليلاً سياسياً، وتعكس حالة الإنكار المزمن التي يعيشها النظام الجزائري تجاه تاريخه وعلاقاته الإقليمية.

واختتمت وكالة الأنباء الجزائرية بيانها بتمجيد ناصر، معتبرة أنه «ظل طيلة حياته من أشد المناهضين للصهيونية، والمدافعين عن وحدة الشعوب العربية، والداعمين الثابتين للجزائر». غير أن ما جاء في التسجيل المسرب، والذي تحدث فيه الزعيم المصري قبل أيام قليلة من وفاته، كفيل بأن يجعل جمال عبد الناصر — لو صحّ التعبير — يتقلب في قبره من شدة المفارقة بين الحقيقة التاريخية والرواية الرسمية التي يروجها النظام الجزائري اليوم.

التسجيل الجديد لعبد الناصر… يُبث على يد ابنه نفسه

انهارت نظرية المؤامرة التي حاولت الجزائر إلصاقها بقناة العربية السعودية، يوم 3 أكتوبر، حين نشر ابن الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، حكيم ناصر، تسجيلًا جديدًا يكمل الحوار بين والده ونظيره الموريتاني مختار ولد داداه، بتاريخ 6 شتنبر 1970، عبر قناة Nasser.TV على يوتيوب، المتخصصة في أرشيف والده الصوتي والمرئي.

في هذا التسجيل، يعيد الرئيس المصري الحديث عن توترات ما بعد حرب الأيام الستة بين مصر والدول العربية، مشيراً إلى أن بعض الأطراف بعد 1967 اعتقدت أن مصر قد انتهت، حتى بين الوطنيين العرب مثل جورج حبش، الذي كان على علاقة طيبة بمصر لكنه ظن أن الكفاح العربي انتهى.

ويتطرق عبد الناصر مجددًا إلى الجزائر تحت حكم بومدين، واصفًا سلوكها بالخيانة، موازياً إياها بالعراق وحزب البعث، قائلاً: «العراق قال: ناصر لا يحق له الحديث باسم الشعب العربي، إنه الآن خاضع لإسرائيل والأمريكان… وكانوا يعلنون أن الطليعة في الكفاح العربي هو حزب البعث. وبومدين في الجزائر كان يقول: أنا أتحدث باسم الشعب العربي… هاجمنا في خطاب قبل عشرة أو خمسة عشر يوماً».

ويشير الرئيس المصري إلى خطاب 27 أغسطس 1970 الذي ألقاه بومدين في قاعدة تافراوي العسكرية، بمناسبة إعادة الجنود الجزائريين المرسلين إلى مصر، حيث قال بومدين إن:

«تطبيق خطة روجرز يعني تصفية المقاومة الفلسطينية»، وانتقد عدم إخطار الدول العربية بأن تنفيذ الخطة يعني الاعتراف بإسرائيل، وهاجم عبد الناصر بشكل غير مباشر، مشيرًا إلى أن تراجع الجزائر عن إرسال القوات كان «تعارضًا مع السياسة الجزائرية»، وأن حكومته كانت تتخذ «مواقف متشددة دون أداء واجبها».

وقد رد عبد الناصر بغضب شديد على بومدين: «لم نتحمل ذلك… استمعت للخطاب وأهنتُه».

ويواصل الزعيم المصري سرد خيبة أمله من الجزائر، موضحًا أن الأخير كان يشتكي حتى لدى فرنسا وإيطاليا وألمانيا، معترضًا على تعاملهم الاقتصادي مع مصر، معتبراً أن الجزائر كانت خائنة بدل أن تدعم مصر.

ويختم عبد الناصر بتحذير الموريتاني مختار ولد داداه، قبيل لقائه ببومدين في زيارة رسمية: «ليس منفتح الذهن، هكذا يتصرف. حتى لو تحدثتم إليه، لن يتجاوب. لكن يجب أن نكون حذرين مع الجزائر، ولا نتركها تتقدم».

هذا التحذير لا يزال صادقًا بعد 55 عامًا، في وقت لم تتوقف فيه الجزائر عن عض اليد التي امتدّت لها بالدعم.

وبنشر هذه التسجيلات من قبل ابن عبد الناصر نفسه، أصبح من الصعب على وكالة الأنباء الجزائرية APS إنكار صحتها أو الادعاء بوجود انسجام تام بين الجزائر ومصر في عهد بومدين وعبد الناصر. فالرواية الوطنية المزيفة التي صنعتها الجزائر تنهار أمام الحقائق التاريخية، ويشكل هذا الأرشيف الصوتي كارثة للنظام الجزائري، مهددًا بانهيار أسطورة ملايين الشهداء المزعومة.

تحرير من طرف زينب ابن زاهير
في 04/10/2025 على الساعة 17:05