منحة البطالة ورفع الأجور.. مسكنات تعمق النزيف الاقتصادي في الجزائر

الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون خلال ترؤسه لمجلس الوزراء يوم الأحد 30 نونبر 2025

في 02/12/2025 على الساعة 12:47

أطلق الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، «قنبلة» اجتماعية تهدد اقتصاد البلاد المرهون بريع النفط والغاز، بقرار رفع الحد الأدنى للأجور ومنحة البطالة، الذي أثار جدلا واسعا بين الدعاية الرسمية وتخوفات خبراء الاقتصاد الذين وصفوا القرار بـ«الارتجالي». وعلى الرغم من تسويق الزيادات كـ«خطوة اجتماعية حاسمة» لإنقاذ القدرة الشرائية للمواطن، يرى خبراء أن هذه الخطوة، بتمويلها المتوقع، قد تطلق موجة تضخمية جديدة ستسرع الانهيار التاريخي لقيمة الدينار الجزائري.

الاجتماع الأخير لمجلس الوزراء يوم الأحد 30 نونبر 2025 حمل إعلانا لرفع الحد الأدنى الوطني المضمون للأجر من 20 ألف دينار إلى 24 ألف دينار ابتداء من يناير 2026، إلى جانب زيادة منحة البطالة التي يستفيد منها نحو مليوني شخص لتصل إلى 18 ألف دينار.

وبالغت العديد من الصحف والجرائد التابعة للنظام العسكري في الترويج لقرار تبون، زاعمة أنه «جاء في سياق الالتزام الرئاسي بتعزيز القدرة الشرائية للمواطنين وتحسين الأوضاع الاجتماعية، خاصة بعد سنوات من تآكل الدخل الفعلي بفعل ارتفاع الأسعار والتضخم».

غير أن هذا الخطاب لم يقنع خبراء الاقتصاد الذين وصفوا قرارات تبون بالارتجالية، خصوصا في ظل الانهيار القياسي للعملة الوطنية، بعدما لامس سعر الأورو في السوق الموازية حدود 300 دينار خلال الأسبوع الماضي.

من أين سيأتي تبون بالأموال؟

تتركز أكبر المخاوف الاقتصادية اليوم حول كيفية تمويل الزيادات التي أعلن عنها تبون، في ظل عجز مالي يوصف بأنه الأكبر في تاريخ البلاد. إذ تضم موازنة 2026 أعلى مستوى إنفاق في تاريخ الجزائر، بنحو 135 مليار دولار، مقابل عجز غير مسبوق يقترب من 54 بالمئة.

وبحسب خبراء الاقتصاد، فإن حكومة تبون لا تملك فعليا أي مصادر تمويل مستدامة تسمح بتحمل هذه الالتزامات الثقيلة، ما يجعلها مضطرة للجوء إلى أكثر الخيارات خطورة: التوسع النقدي عبر طبع المزيد من الأموال.

وفي ظل ضعف الإنتاج المحلي والاعتماد المفرط على الاستيراد، يرى المختصون أن هذا المسار لا يمثل مجرد مخاطرة، بل وصفة مؤكدة لتأجيج التضخم، إذ سيضخ كتلة نقدية كبيرة في سوق يعاني أصلا من ضعف الإنتاج وانهيار القدرة الشرائية.

وهكذا، بدل أن تمنح الزيادات متنفسا اجتماعيا، قد تتحول إلى عامل يعمق الأزمة، لأن طبع النقود دون مقابل إنتاجي يضع الدينار في مسار هبوط سريع، ويقود الأسعار إلى الارتفاع بشكل متسارع.

ووسط التعليقات التي أثارها هذا الموضوع على وسائل التواصل الاجتماعي، نجد خبراء ومختصون يحذرون من أن تمويل قرارات اجتماعية غير مدروسة عبر التوسع النقدي قد يشعل موجة تضخمية جديدة، تلتهم الزيادات قبل وصولها الى جيوب المواطنين، وتسرع من تآكل قيمة الدينار في الداخل والخارج، ليبقى المواطن هو الخاسر الأكبر في معادلة مالية محفوفة بالمخاطر.

وعي شعبي يرفض المسكنات

على النقيض من الدعاية الرسمية، لم يغب الوعي الشعبي عن المخاطر، إذ انتقدت أغلبية المواطنين القرار. وبخلاف الترحيب المحدود من فئة قليلة من المستفيدين المباشرين، فإن غالبية التعليقات على منصات التواصل الاجتماعي عكست رفضا واضحا لهذه الزيادات، واعتبارها خطوة شكلية لن تعالج جذور الأزمة الاقتصادية. ويرى مواطنون جزائريون أن الحل لا يكمن في توزيع المنح، بل في خلق اقتصاد منتج قادر على توفير فرص عمل حقيقية.

رميساء، مواطنة جزائرية كتبت تعليقا في الصفحة الفيسبوكية لرئاسة الجمهورية تقول فيه: «إن منحة البطالة ليست حلا، بل يلزم توفير فرص عمل لخريجي الجامعات»، مشيرة إلى أن السياسات الحالية تكتفي بترقيع مؤقت بدل وضع استراتيجية للتشغيل.

وفي الاتجاه نفسه، دعا المواطن عبد السلام حمدوش إلى توجيه الأموال نحو مشاريع إنتاجية، قائلا: «منحة البطالة يجب أن تستثمر في بناء مصانع أو مؤسسات منتجة موزعة حسب كل ولاية وما يناسبها من المنتوج وتوظف عددا من أبناء الوطن».

ولم يخف مواطنون آخرون استياءهم من التعارض بين كثرة الاجتماعات الرئاسية والقرارات وغياب الأثر على الواقع المعيشي. وكتب وليد مخاطبا الرئيس تبون: « نسمعك فقط وأنت ترأس الاجتماعات وتقرر.. لكن لا نجد فائدة لما تقرره على أرض الواقع، بل لا نكاد نرى سوى قرارات تطبق على الفقراء».

أما التعليق الذي اختصر المزاج العام في بلاد «القوة الضاربة»، فجاء من أحد النشطاء الذي يلقب نفسه بـ«زودياك»، حيث قال: «بكل موضوعية لقد فشلتم في تسيير شؤون البلاد». تعليق لقي تفاعلا واسعا، ما يعكس منسوب الإحباط الشعبي وغياب الثقة في قدرة الحكومة على إدارة المرحلة الاقتصادية المقبلة.

اقتصاد هش على مفترق طرق

تعكس التعليقات الشعبية قناعة متزايدة بأن العلاج لا يكمن في مجرد توزيع السيولة، بل في معالجة التبعية المفرطة لإيرادات النفط التي تشكل نحو 90 بالمئة من مداخيل البلاد، والتوجه نحو التنمية الإنتاجية الحقيقية وتوفير فرص عمل مستدامة للخريجين بدلا من منحة البطالة.

وعلى ذكر البطالة، فبينما تظهر الأرقام الرسمية أن معدل البطالة في الجزائر لا يتجاوز 11% على مدى العقد الماضي، فإن هذا الرقم -في الواقع- يصل إلى 26% بين الشباب الجزائري، بحسب تقرير صادر عن منظمة الأمم المتحدة للطفولة بالاشتراك مع مجلس استشاري اقتصادي جزائري، والذي أظهر أيضا أن 91% من الشابات عاطلات عن العمل.

إن قرار تبون لا يبدو سوى محاولة لشراء السلم الاجتماعي في لحظة سياسية واقتصادية شديدة الهشاشة، لكن كلفته قد تكون أعلى بكثير مما تروج له الدعاية الرسمية. فالإصرار على معالجة أزمة عميقة بأدوات ظرفية يضع الاقتصاد الجزائري على حافة منزلق خطير، حيث يتحول التضخم إلى قناة مفتوحة لابتلاع أي زيادات، ويواصل الدينار نزيفه أمام العملات الصعبة، فيما تتفاقم الاختلالات البنيوية التي تعجز السلطة عن مواجهتها بإصلاحات حقيقية.

ومع غياب رؤية اقتصادية قادرة على خلق الثروة بدل توزيع السيولة، تبدو البلاد مقبلة على مرحلة تتجاوز حدود الأزمة الظرفية، نحو اختبار وجودي لمتانة اقتصاد يعتمد كليا على ريع النفط ويختنق كلما اهتزت الأسعار أو تراجعت قدرته على تمويل الوعود الاجتماعية.

تحرير من طرف ميلود الشلح
في 02/12/2025 على الساعة 12:47