التاريخ الشخصي والسياسي لعبد المجيد تبون هو سر غير محمي جيدا. كثيرون يعرفونه داخل الأوساط الجزائرية، رغم الطابع السري الذي يحيط به، لكن القليل يجرؤ على كشفه، كما يوضح محمد سيفاوي منذ البداية، معتمداً على «قصص حقيقية، مُحقّقة ومُقارنة»، بعيداً عن الشائعات.
وقد خصص المؤلف سنة كاملة لمقارنة والتحقق «نقطة بنقطة» من كل المعلومات التي جمعها، ما أسفر عن إفادات ذات تأثير هائل تضيء على الأحداث السياسية في الجزائر، وخاصة قضية ناصر الجنّ، الرئيس السابق للمديرية العامة للأمن الداخلي، الذي أصبح اليوم فارّا بعد أن وُضع تحت الإقامة الجبرية.
ويقول سيفاوي إن هناك ضرورة كشف الحقائق، إذ «عندما تؤثر الحياة الخاصة لمسؤول سياسي على مهامه العامة، وعندما تشكّل تصرفاته الخاصة خياراته وصداقاته وتحالفاته، فإن واجب أي صحفي مسؤول هو توضيح هذه الحقائق للرأي العام».
تيزي وزو وسنوات «الويسكي على مدار الساعة»
يبدأ سرد محمد سيفاوي في أواخر ثمانينيات القرن الماضي، بمدينة تيزي وزو، حيث تمت ترقية عبد المجيد تبون إلى منصب والي. وهو منصب حساس للغاية بالنظر إلى الظرفية السياسية والاجتماعية المتوترة في منطقة القبائل، وقد شغله ما بين 1989 و1991. لكن، في وقت كانت فيه المنطقة تحتاج إلى متابعة جدية، كان الوالي نادرا ما يتواجد في مكتبه، «ليس لأنه غارق في العمل، بل لأنه كان يُعرف بحب الحياة وإعادة تشكيل الجزائر على طاولة السهرات بعد تفريغ بضع زجاجات من الويسكي، مفضلا الأمسيات بين الأصدقاء وحفلات السكر».
إدارته للشأن المحلي كانت تتم على ما يبدو «بين مرسومين وثلاثة تدشينات». ومنذ زمن بعيد، كان تبون، حسب سيفاوي، «مثال الموظف المنفذ المثالي بالنسبة للسلطة المركزية، الذي رغم إخفاقاته المثبتة، يتمكن من التقدم في مسيرته».
السنوات «المجنونة» في باريس
عام 1989، وبعد ترقيته واليا على تيزي وزو، كان تبون يبلغ 44 سنة ومتزوجاً منذ تسع سنوات من فاطمة الزهراء بلا، التي أنجب معها خمسة أبناء: سلوى، مها، صلاح الدين إلياس، محمد وخالد. لكنه كان يعيش حياة مزدوجة بين الجزائر وفرنسا. وإذا كان « يتردد كثيرا على باريس، فذلك لأن رفقة طيبة كانت تنتظره في كل رحلة »، كما أعلن الصحفي سيفاوي.
لم يكن انجذاب تبون إلى باريس بسبب عشيقته فحسب، بل كان يرغب أيضا في الاستثمار في العاصمة، التي رأى فيها مخرجا. وبصفته واليا، كان تبون يفعل ما يجيده، أي العمل لمصلحته الشخصية، وقد تحقق له ذلك من خلال «مهاجر قبائلي عجوز، صاحب حانة وشقة في العاصمة الفرنسية»، عرّفه عليه صديق في أواخر الثمانينيات. أراد الرجل بيع ممتلكاته في باريس والعودة إلى وطنه لقضاء فترة تقاعده. جاء اللقاء في الوقت المناسب لوالي تيزي وزو، الذي كان يحلم بأن يصبح رائد أعمال في فرنسا.
يكشف محمد سيفاوي أن تبون سيحصل على هذه الحانة «مقابل خدمة» دون أي تعويض. كيف؟ بمنحه، بصفته الوالي، «رخصة استغلال منجم عبر مرسوم عمالي». الأمر وارد، ولإخفاء دوافعه، ولأنه موظف حكومي رفيع المستوى يتطلب منه التكتم، قرر تبون تسجيل الحانة باسم عشيقته «التي كانت حاملا آنذاك». وهي مكيدة يدعو محمد سيفاوي السلطات الجزائرية والقضاء في بلاده للتحقيق فيها.
الآن عليه أن يعيش حياة مزدوجة دون أن يفتضح أمره، وللقيام بذلك، «يستأجر نادلا لإدارة حانته (...)، ويترك عشيقته الحامل، و(...) يعود إلى الجزائر»، يتابع الصحفي.
هل كل شيء على ما يرام؟ ليس تماما، لأن خطط عبد المجيد تبون لم تسر كما خطط لها.
1991.. السنة التي انحرفت فيها الآلة عن مسارها
بالاعتماد على مصادر جزائرية وفرنسية، يواصل محمد سيفاوي تحقيقه، الذي يتخذ منعطفًا لافتًا. في عام 1991، عُيّن عبد المجيد تبون وزيرا منتدبا للجماعات المحلية لدى وزير الداخلية. وهو تعيين يُعزيه سيفاوي إلى «النزعة الجهوية القبلية العريقة التي تُحبها السلطات الجزائرية»، والذي جاء عشية العقد الأسود الذي أغرق الجزائر في دوامة من الرعب.
انغمس تبون في منصبه الجديد، فغادر باريس لبضعة أشهر. وخلال هذه الفترة، أنجبت عشيقته، حسبما ورد، ابنا. وعندما عاد أخيرا، لم تسر الأمور كما خطط لها. يوضح محمد سيفاوي: «شعرت عشيقته بالغضب بسبب هجره لها طوال الأشهر السابقة، فارتبطت بنادل الحانة الذي أغلق الباب في وجهه تماما. وبما أن الحانة كانت مسجّلة باسمها، فقد خسر تبون دفعة واحدة حانته وعشيقته لصالح رجل كان هو نفسه من استقدمه لتسييرها.»
شجار ينتهي بفضيحة دبلوماسية
نشب شجار بين الرجلين في منتصف الليل، بينما كان عبد المجيد تبون في حالة سُكر متقدمة. ويتابع الصحفي قائلا: «أمام هذا الاضطراب العام، اتصل سكان الحي بالشرطة»، موضحا أن الحادثة وردت في تقرير للشرطة الفرنسية، التي تدخلت مساء ذلك اليوم لاعتقال رجل قال لهم: «لا تلمسوني، أنا وزير داخلية الجمهورية الجزائرية».
كان الحادث خطيرا لدرجة أنه تم إعداد تقرير بالحادثة على الفور، «وتم إرساله بعد بضعة أيام إلى مديرية مراقبة الأراضي»، كما يوضح سيفاوي. ويُقال إن الجنرال محمد مدين، المعروف باسم توفيق، الرئيس القوي لجهاز المخابرات والأمن آنذاك، «استشاط غضبا» عندما أُبلغ بالحادثة من قبل جهاز مكافحة التجسس الفرنسي، وأمر «بعزل تبون من أي منصب رسمي مهما كلف الأمر».
ونتيجة لذلك، عزل تبون من منصبه الوزاري في 1992 واختفى عن الساحة السياسية لعقد كامل. هكذا يفسر محمد سيفاوي اختفاء تبون المفاجئ عن المشهد السياسي في تسعينيات القرن الماضي، والازدراء الذي أبداه له قادة المخابرات الجزائرية آنذاك.
مرحلة العبور في الصحراء
بعد أن رفضه أصحابه رفضا قاطعا، لجأ عبد المجيد تبون إلى أدرار، بعيدا عن عنف العشرية السوداء الإرهابي، وبعيدا أيضا عن صالونات الجزائر العاصمة حيث انتشرت شائعات مغامراته الباريسية. بنى هناك فيلا جميلة «بمدخراته التي جمعها من الصفقات العديدة التي عقدها أينما ذهب»، يتابع الصحفي السياسي.
بدأ حياة جديدة في أدرار وأنشأ شركة لبيع الحمص والفاصوليا المجففة. لم يكن وحيدا في إدارة هذه الشركة، إذ دخل في شراكة مع شخص يُدعى محمد حسوني، «وهو نفسه الرجل الذي سيصبح مستشارا رئاسيا عام 2023، مسؤولا عن الشؤون الدينية والزوايا والمدارس القرآنية»، كما يذكر سيفاوي.
في أدرار، تعرّف تبون، بفضل شريكه وصديقه الجديد، على كبرى زوايا الجنوب. وكان بعضهم يستقبل بانتظام زيارات من كبار الشخصيات في النظام الجزائري، بما في ذلك عبد العزيز بوتفليقة، وزير الخارجية الأسبق في عهد بومدين، الذي كان يمر في تسعينيات القرن الماضي بفترة من التهميش السياسي.
وهكذا، خلال مغامراته في الجنوب بحثا عن التصوف، تلقى بوتفليقة دعوة من عبد المجيد تبون للإقامة في فيلته المريحة. وجاءت هذه الدعوة في الوقت المناسب تماما، إذ كانت المنطقة تفتقر إلى مرافق فندقية مريحة، كما يوضح الصحفي الاستقصائي.
ولم تنشأ بين الرجلين صداقة، بل نوع من التواطؤ. ثم يروي محمد سيفاوي فترة استطاع فيها بوتفليقة، راوي القصص البارع، «المتفوق فكريا على تبون»، أن «يتحدث لساعات، خاصة عندما اختفى الاهتمام به»، عن فيدل كاسترو، وتشي غيفارا، والجنرال ديغول، والإرهابي كارلوس... وفي مواجهته، كان تبون، «المحتقر من قبل النظام بأكمله »، « مفتونا » و« فخورا ومغتبطا باهتمام بوتفليقة به».
بوتفليقة.. منقذ عبد المجيد تبون
تمر السنوات. في عام 1999، عُيّن عبد العزيز بوتفليقة رئيسا للجمهورية، بعد أن استماله الجيش. وخلافا لنصيحة الأجهزة الأمنية، قرر بوتفليقة تعيين تبون وزيرا للاتصالات، تخليدا لكرم ضيافته له بدعوته إلى فيلته في أدرار. بعد سبع سنوات من العزلة، عاد إلى الحكومة وتخلى عن تجارة الحمص.
لكن فضيحة أخرى تنتظر الوزير ذي التوجه التجاري، الذي عُيّن لاحقا في وزارة الإسكان، « حيث تُبنى الأعمال وتُهدم في الإسمنت ». سرعان ما وجد نفسه متورطا بفضيحة رفيق عبد المومن خليفة (إحدى أكبر الفضائح في تاريخ الجزائر)، إلى جانب معظم المؤسسات الجزائرية، واتُهم « بإعطاء تعليمات شفهية لمدير ديوان الترقية والتصرف العقاري (OPGI) لإيداع الأموال العامة في بنك خليفة »، كما يوضح محمد سيفاوي.
بعد أن أنكر تبون في البداية التهم الموجهة إليه، بالإضافة إلى امتلاكه حسابا في هذا البنك أو إنفاقه حوالي 35 ألف يورو منه، اعترف أخيرا... علق محمد سيفاوي قائلا: «كان مومن خليفة قد منحه شخصيا بطاقة ائتمان ماستركارد ليستخدمها كما يشاء. هذه ببساطة رشوة قانونية». سمحت البطاقة المذكورة، المليئة باليورو، لعبد المجيد تبون - رئيس الجمهورية الجزائرية الحالي - بإنفاق ما لا يقل عن 35 ألف يورو. في ذلك الوقت، ورغم أنه كان قيد التحقيق من قبل القضاء، أُفرج عنه في انتظار انتهاء التحقيق، مستفيدا من منصبه كوزير.
حينها تدخل عبد العزيز بوتفليقة مجددا، مُجنّبًا إياه عقوبة السجن التي كان يواجهها. رفض الرئيس سجن أحد أعضاء حكومته، والأهم من ذلك، استعان عبد المجيد تبون بسعيد بوتفليقة، الشقيق الأصغر لرئيس الدولة ومستشاره المؤثر، الذي ترافعَ عنه. أُغلقت القضية، وأُسقطت الملاحقة رسميا بسبب «خلل إجرائي». وبينما كان لا يزال يطمح للبقاء في الحكومة، أو حتى لتعيينه سفيرا أو قنصلا، أُجبر تبون أخيرا على التخلي عن حقيبته الوزارية عام 2002. وسيُهمّش من المشهد السياسي لعقد كامل.
ولكن في عام 2012، انقلبت الأمور لصالحه. قدّم له عبد العزيز بوتفليقة يد العون للمرة الثالثة، فأعاد تعيينه وزيرا للإسكان، وهو المنصب الأمثل لإدارة أعماله وإعادة بناء مركزه.
«في الجزائر، ذاكرة الناس قصيرة، وأولئك الموجودون في الدائرة الداخلية يفقدون ذاكرتهم فجأة في بعض الأحيان. (...) من وقت لآخر، يسمح لهم تساهلهم بإنقاذ أسوأ البلطجية وحتى استعادة عذريتهم»، يعلق محمد سيفاوي.

أما الباقي، كما نعلم، فهو يتكشف أمام أعيننا اليوم. وكما يذكر محمد سيفاوي، سرعان ما نسي عبد المجيد تبون أي شعور بالولاء لمخلصه، ولتحقيق أهدافه - رئاسة البلاد - « تمكن من إقناع الناس بأنه لا علاقة له بعصابة بوتفليقة، هذه العصابة كما يسميها اليوم ». ولتلخيص هذه المسيرة السياسية الطويلة المليئة بالمغامرات: « هكذا تسير الأمور في الجزائر. حانة في باريس، طفل غير معترف به، حياة موازية، وزيرٌ انتهازي، ثم رئيسٌ وصل بالسحر« .




