جولة واحدة في الصحافة الجزائرية، الرسمية منها وغير الرسمية، كافية لإعطاء صورة واضحة عن النتيجة (المحسومة سلفا) التي ستفرزها الانتخابات الرئاسية المرتقبة يوم 7 شتنبر. فبين خبرين أولهما حول نشاط عادي لرئيس أركان الجيش الوطني الفريق أول سعيد شنقريحة.. والثاني حول حادثة سير أو غرق.. لا بد أن تجد خبرا أو تقريرا يلمع صورة « المرشح الحر » عبد المجيد تبون ويدغدغ مشاعر الناخبين للتصويت عليه. بل أكثر من ذلك، ستجد تقريرا بعده يستعرض دعوة شخصية وطنية أو زعيم حزب من أحزاب ما بات يسمى « الأحزاب السياسية الداعمة للمترشح الحر » يوجه من خلاله الناخبين إلى التصويت على تبون.
وهكذا فمنذ انطلاق السباق الانتخابي، جندت معظم وسائل الإعلام الجزائرية نفسها لتلميع صورة « عمي تبون »، وتقديمه كمرشح « الشعب » و »القائد المناسب للمرحلة القادمة ». وفي المقابل، نجد أن المترشحين الآخرين يكافحان لإيصال رسائلهم للناخبين، معتمدين بشكل أساسي على وسائل التواصل الاجتماعي الخاصة بهم.
يحدث ذلك على الرغم من أن «سلطة الانتخابات» طالبت من التلفزيونات الخاصة والعمومية (عددها يفوق الـ20)، بتحقيق الإنصاف والمساواة في الحيز الزمني بالنسبة لتدخلات المترشحين أثناء حملة الدعاية. ولم تذكر أن داعمي المترشحين لهم نصيب في التغطية الإعلامية.
شكوى ضد تحيز الإعلام
أمام هذا التحيز الإعلامي الواضح، لم يقف منافسا تبون مكتوفي الأيدي، فقد انتقد مرشح «حركة مجتمع السلم» الإسلامية الجزائرية، عبد العالي حساني، ما وصفه بـ »انحياز الاعلام الجزائري الرسمي » لصالح المرشح عبد المجيد تبون قياسا مع نشاطات باقي المترشحين للانتخابات الرئاسية، المزمع إجراؤها خلال 7 شتنبر المقبل. وفي غضون ذلك، بدت حملة « المرشح الحر »، المدعوم من طرف المؤسسة العسكرية وأحزابها وإعلامها، كثيفة في الميدان، قياساً إلى نشاط المترشحين الآخرين، بالنظر لعدد مؤيديه الكبير.
ورفعت «حركة مجتمع السلم» احتجاجاً إلى «السلطة الوطنية لمراقبة الانتخابات»، اشتكت فيه من «منافسة غير شريفة» من حيث تغطية حملة انتخابات الرئاسة إعلامياً.
ونشرت «مجتمع السلم» المعروفة اختصاراً بـ«حمس» عبر حساباتها بمنصات التواصل الاجتماعي رسالة احتجاج خطها أحمد صادوق، مدير حملة مرشحها ورئيسها عبد العالي حساني، أكد فيها أن الحركة لاحظت منذ اليوم الأول من الحملة الانتخابية، التي انطلقت الخميس 15 غشت، أن «مبدأ تكافؤ الفرص غير محقق، من حيث التغطية الإعلامية».
وأشارت الرسالة إلى «انخراط بعض القنوات التلفزيونية الخاصة، وحتى العمومية، في تغطية أنشطة أحزاب لم ترشح أحداً منها لانتخابات الرئاسة وإنما فقط تحشد الشعب للتصويت على عبد المجيد تبون ».
وحسب مدير حملة حساني، فإن كثافة التغطية الإعلامية لصالح الأحزاب المؤيدة لتبون «تحمل رسالة سلبية للشعب الجزائري»، لم يذكر ما هي، لكن يفهم منه أن ما يحتج عليه يوحي بأن نتيجة الاستحقاق محسومة لتبون.
وتساءل صادوق في رسالته: «كيف تُغطى أنشطة عدة أحزاب، ليس لها الحق في مساحة التغطية الإعلامية للحملة الانتخابية، والأصل أن تكون التغطية وفق تفويض مسبق من المترشح المعني، وبالحجم الساعي العادل بين المترشحين الثلاثة؟» مشيراً إلى «مخالفة الميثاق الذي أمضاه ممثلو وسائل الإعلام مع سلطة ضبط السمعي البصري، تحت إشراف السيد وزير الاتصال، الذي ينص في عمقه على الوقوف بمسافة متساوية مع المترشحين الثلاثة»، مؤكداً أنه طلب من رئيس هيئة مراقبة الانتخابات، محمد شرفي، «التدخل لوضع حد لهذا الأمر».
إقرأ أيضا : أكاذيب تبون حول التخلص من المديونية الخارجية: حقائق تصطدم بالواقع
جون أفريك: حملة رئاسية ذات سرعتين
في تقرير نشرته مجلة « جون أفريك » الفرنسية، جاء فيه أن الحملة الانتخابية للرئاسة الجزائرية تجري بـ »سرعتين متباينتين ». حيث يبدو أن النظام الجزائري قد وضع كل ثقله خلف تبون لضمان فوزه، فيما تُرك منافساه للتنافس في ظل ظروف صعبة وغير متكافئة. وقالت إن هذا الوضع يعيد إلى الأذهان أجواء الماضي، حيث كانت الانتخابات تحسم مسبقا لصالح مرشحي النظام العسكري المستولي على السلطة.
واعتبرت « جون أفريك » أنه منذ اليوم الأول للحملة تم تحديد النغمة.. فبينما تحدث رئيس الدولة على شاشة التلفزيون للدفاع عن إنجازاته والتأكيد على مواصلة سياسته الاجتماعية، كان مدير حملته، وهو أيضاً وزير الداخلية إبراهيم مراد (الذي حصل على إجازة خاصة ليتفرغ للحملة الانتخابية)، مسؤولاً عن تنسيق رحلات أنصاره، بما في ذلك قادة الجماعات السياسية وقادة منظمات المجتمع المدني.
بفضل هذه الشبكة القوية من الدعم، تمكّنَ عبد المجيد تبون، في غضون ساعات قليلة، من تنظيم حملة في خمس ولايات، من خلال عبد القادر بن قرينة، رئيس حركة البناء الوطني في تندوف، ولكن أيضًا من خلال المسؤولين التنفيذيين لـ »جبهة التحرير الوطني » في مستغانم وعين تموشنت، وجبهة المستقبل في تمنراست، و »التجمع الوطني الديمقراطي » في الجزائر العاصمة.
في المقابل - تتابع « جون أفريك »- يبدو السباق على كرسي المرادية شاقا ومنعزلا بالنسبة ليوسف أوشيش وعبد العالي حساني.. فقد بدأ هذان المرشحان حملاتهما الانتخابية بجولات محلية بعيدا عن موارد حملة عبد المجيد تبون المهمة، ولا سيما وسائل الإعلام.
وفي خضم هذا الوضع، يبرز هذا التساؤل: هل يمكن الحديث عن انتخابات حرة ونزيهة في ظل هذا التحيز الإعلامي السافر؟ الإجابة تبدو واضحة للمراقبين، الذين يرون أن الانتخابات القادمة قد تكون مجرد إجراء شكلي لإعادة تبون إلى الرئاسة، وسط دعم غير محدود من النظام والإعلام، وتجاهل كامل لمبدأ تكافؤ الفرص بين المرشحين.