تطبيع الجزائر مع إسرائيل: سفير الجزائر في واشنطن يؤكد أن «كل شيء ممكن»

Sabri Boukadoum, ambassadeur d'Algérie aux Etats-Unis.

صبري بوقادوم سفير الجزائر لدى واشنطن

في 21/11/2025 على الساعة 07:00

على مدى سنوات طويلة، قدّمت الجزائر نفسها باعتبارها حصنا لا يتزعزع في الدفاع عن القضية الفلسطينية. لكنها اليوم تقوم بانعطافة لافتة. صبري بوقدوم، سفيرها في واشنطن، يكثر من رسائل المجاملة تجاه الولايات المتحدة، ويترك الانطباع بأن التطبيع مع إسرائيل لم يعد من المحظورات. بين التصويت الموالي لواشنطن داخل مجلس الأمن، والتقارب مع شبكات ترامب، والتنصل من الخطاب الإيديولوجي التقليدي، يبدو أن نظام الجزائر مستعد للتخلي عن ما يسميه مبادئ ثابتة بهدف كسر عزلته ومحاولة مجاراة المغرب.

طوال عقود، جعلت الجزائر من الوفاء «غير المشروط» لفلسطين ركنا أساسيا في هويتها الدبلوماسية، مرددة بلا كلل شعار «مع فلسطين ظالمة أو مظلومة». بدا خط السلوك هذا ثابتا لا يتزعزع. ومع ذلك، كشفت الأسابيع الأخيرة عن تغيير عميق، يكاد يكون انقلابيا. إذ تكثف الجزائر من الإشارات الإيجابية تجاه إسرائيل، وعلى نطاق أوسع، تجاه الولايات المتحدة في عهد ترامب. وفي أحدث فصول هذا التحول، نجد صبري بوقادوم، وزير الخارجية السابق والسفير الحالي للجزائر في واشنطن، والذي يبدو اليوم اليد الخفية وراء عملية إعادة التموضع هذه.

خلال مؤتمر نُظم الثلاثاء في مركز ستيمسون، سُئل بوقادوم عن ضغوط أمريكية محتملة لتشجيع التطبيع مع إسرائيل. وجاءت إجابته المقتضبة لكن المدوية «كل شيء ممكن»، لترن كالصاعقة، وتُمثل قطيعة تاريخية، ونداء إلى تل أبيب. ففي غضون جملة واحدة، نسف السفير الجمود الإيديولوجي الظاهري الذي قاد الدبلوماسية الجزائرية لأكثر من نصف قرن.

هذه العبارة تتعارض بشكل صارخ مع الشعار التقليدي للنظام، الذي أكد أنه يقف إلى جانب فلسطين في جميع الظروف. وفي الواقع، تكشف هذه الجملة القصيرة أن التطبيع لم يعد من المحرمات في الجزائر، بل أصبح خيارا يتم النظر فيه، بل وربما التحضير له. ومن الصعب تصور لفتة أكثر رمزية للابتعاد عن المواقف «التاريخية» للبلاد.

هذا التحول الدبلوماسي لم يكن وليد الصدفة أو الارتجال. فمنذ عدة أشهر، يقود بوقادوم هجوما لجذب اهتمام واشنطن، ساعيا إلى إعادة تموضع الجزائر في اللعبة الجيوستراتيجية التي يهيمن عليها عودة النفوذ الـ«ترامبي». ويسعى السفير جاهدا للقطيعة مع الاعتماد العسكري الروسي المستمر منذ ستين عاما، واستبداله بتعاون أمريكي يوصف بأنه حديث واستراتيجي.

من خلال تكثيف شراء مقابلات للسفير في الصحافة الأمريكية، وتوقيع مذكرة تفاهم عسكرية غير مسبوقة مع واشنطن في يناير، وإنشاء مجموعات عمل لدراسة صفقات أسلحة أمريكية؛ فإن نظام الجزائر يفرد حرفيا «البساط الأحمر» أمام الإدارة الأمريكية. ويأتي هذا التقارب في الوقت الذي هددت فيه واشنطن بالفعل بفرض عقوبات على الجزائر بسبب مشترياتها الضخمة من الأسلحة الروسية، حتى في الوقت الذي طالب فيه مشرعون أمريكيون، سواء من الجمهوريين أو الديمقراطيين، باتخاذ إجراءات عقابية ضد الجزائر. بعبارة أخرى، تدفع الجزائر، بكل معنى الكلمة، ثمن رغبتها في الحصول على الرضا الأمريكي. والهدف هو ضمان ألا يُنظر إلى الجزائر بعد الآن على أنها دولة مارقة، وكيان منبوذ ومعزول، وغير قادر على فهم تحديات القرن الحادي والعشرين، بل كطامح مطيع يستجدي نظرة أمل ليصبح ذا أهمية في الاستراتيجية الأمريكية بمنطقة المغرب العربي.

السياق يجعل هذه الرسالة أكثر وضوحا. فلقد صوتت الجزائر للتو في مجلس الأمن لصالح قرار أمريكي بشأن «غزة»، وهو قرار رفضته حركة «حماس» نفسها. كان بإمكان الجزائر أن تمتنع عن التصويت، كما فعلت روسيا والصين، أو أن ترفض التصويت كما حدث مع قرار مجلس الأمن حول الصحراء في الحادي والثلاثين من أكتوبر الماضي. ولكن هذا لم يحدث! لقد صوتت الجزائر، وصوتت «بنعم». يمثل هذا القرار التخلي الأكثر دراماتيكية عن العقيدة المناهضة للأمريكيين والمناهضة لإسرائيل التي شكلت الدبلوماسية الجزائرية منذ عهد «بومدين».

يدعو هذا القرار الأمريكي، على وجه الخصوص، إلى إنشاء قوة متعددة الجنسيات في «غزة» وإشراك إسرائيل في مرحلة ما بعد «حماس». وقد رفضت «حماس» نفسها القرار، لكن الجزائر أيدته. هذا التباين يلخص الانزلاق الصامت الذي يحدث. فالجزائر تعتمد الآن موقفا عمليا (براغماتيا) عندما تتحدث إلى واشنطن، بينما تواصل إثارة خطاب شعبي وثوري موجه إلى سكانها.

تراجعات متتالية

لا يقتصر هذا التموضع الجديد على استخدام بوقادوم فحسب. فعميد جامع باريس الكبير، شمس الدين حافظ، الذي يُنظر إليه على أنه مبعوث شخصي لتبون في فرنسا وأوروبا عموما، قام هو أيضا مؤخرا بتكثيف مبادراته الودية تجاه الدائرة المقربة من دونالد ترامب. ويشهد على ذلك الاستقبال الذي خُصص يوم الاثنين العاشر من نوفمبر لتشارلز كوشنر، السفير الأمريكي الجديد في فرنسا، في جامع باريس الكبير، وهي مؤسسة مرتبطة بشكل وثيق بالدولة الجزائرية. وتشارلز كوشنر هو والد جاريد كوشنر، صهر دونالد ترامب وأحد مستشاريه الرئيسيين، والمهندس الأبرز لاتفاقات أبراهام بين إسرائيل والدول العربية.

يُظهر استقباله أن النظام الجزائري يسعى إلى إيجاد موطئ قدم له ضمن شبكات ترامب، وهي الشبكات نفسها التي جعلت من المغرب شريكا استراتيجيا رئيسيا.

إن الرسالة التي تم إرسالها تتسم بالشفافية غير المعتادة. فالجزائر مستعدة لتغيير موقفها، وتصحيح صورتها، وحتى التخلي عن بعض المواقف الأيديولوجية، إذا كان ذلك يسمح لها بأن تصبح محاورا معترفا به من قبل الأوساط الأكثر نفوذاً للرئيس الأمريكي.

ما يلفت النظر في هذه السلسلة من المبادرات هو حجم التراجعات. فمنذ الاستقلال، لم تتخل الجزائر بهذه السرعة والعلنية عن بعض مواقفها التي توصف بـ«المقدسة». تتصرف البلاد تحت ضغط العزلة الدبلوماسية المتزايدة، والتي تفاقمت بسبب التوترات المستمرة مع أوروبا، والضغوط الأمريكية الأكثر وضوحاً، وتراجع نفوذها في منطقة الساحل، والتحالف الاستراتيجي الضخم بين المغرب والولايات المتحدة.

خوفا من معاداة إدارة ترامب، ليس أمام الجزائر خيار سوى الانصياع. ولجذب واشنطن، يجب عليها أولا أن تثبت أنها لم تعد معادية لرؤيتها الإقليمية، وهذا يشمل الانفتاح تجاه إسرائيل. ويُضاف إلى ذلك أنه منذ أن قدمت إدارة ترامب دعما واضحا للمغرب في رؤيته الاستراتيجية وسيادته على الصحراء، تعيش الجزائر بهوس قلب هذا الاختلال في التوازن. لذا، يسعى نظام تبون إلى الظهور كشريك موثوق به في نظر واشنطن، حتى لو كان الثمن هو التضحية بالشعارات الثورية، والولاء لموسكو، وحتى الدفاع عن القضية الفلسطينية، التي كانت تعتبر في السابق أمرا لا يمكن المساس به.

وبناءً على ذلك، تشير كل الدلائل إلى أن الجزائر تتجه نحو تطبيع، خجول اليوم، مع إسرائيل. فالعناصر تتراكم: التصويت المؤيد للأمريكيين، والتقرب من واشنطن، وتصريحات بوقادوم الغامضة، والروابط المرغوبة مع شبكات ترامب، وتزايد اللامبالاة تجاه القضايا التي أقسم النظام على الدفاع عنها مهما كلف الثمن.

الأمر الأكثر إثارة للقلق هو ازدواجية الخطاب. فالجزائر تتحدث عن المقاومة ومناهضة الإمبريالية لشعبها، لكنها تتحدث في واشنطن بلغة الاستعداد والانفتاح والإذعان. لإغراء الولايات المتحدة، يتخلى تبون عن عقيدة عمرها ستون عاما. وللخروج من العزلة الدبلوماسية، يتخلى عن الخطاب الثوري. وللأمل في منافسة المغرب، يتخلى عن مجرد مظهر من مظاهر الاتساق.

تبقى هناك مفارقة نهائية تلخص كل شيء. الجزائر تريد السلام مع واشنطن، ومع إسرائيل، وربما حتى مع المغرب. فعندما تقترح « وساطة » في قضية الصحراء، فهي تفترض التخلي عن قطيعتها مع المملكة، وهي قطيعة جاءت أصلا بفعل استئناف العلاقات بين الرباط وتل أبيب. لكن الجزائر ما تزال ترفض الوضوح مع مواطنيها الذين يقفون مذهولين أمام هذا التناقض بين خطاب ستاليني وسلوك خاضع. ولعل في ذلك تكمن أكبر خيانة.

تحرير من طرف طارق قطاب
في 21/11/2025 على الساعة 07:00