مثل كل الشعبويين، ليس قيس سعيد من النوع الذي يخجل من تناقضاته. ولكن أن يتغنى بشيء أساسي في «عهده» مثل كراهية إسرائيل، وبالمقابل يعدد إشارات التقارب مع الدولة العبرية، فهذا الأمر ليس متناسقا بالمرة ويؤشر على الشخصية المعقدة للرئيس التونسي. وهكذا، نعلم أن الرئيس التونسي، الذي يعتبر «التطبيع خيانة عظمى»، أعلن معارضته لإقرار مشروع قانون أسال حبرا كثيرا في بلاده، والهدف منه: تجريم أي شكل من أشكال التطبيع مع إسرائيل.
«أخبركم بما قاله لي الرئيس. يقول إن مشروع القانون هذا سيضر بمصالح تونس الخارجية. إن الأمر يتعلق بالأمن الخارجي للدولة». الجملة صدرت عن رئيس مجلس نواب الشعب، البرلمان التونسي، يوم الخميس 2 نونبر داخل قبة البرلمان نفسه، وتنهي بالتالي مسلسلا طويلا بشأن اعتماد نص كان قيد المناقشة، بعد أن تم تنقيحه عدة مرات. ولدى وصوله، ظهرت النسخة النهائية التي استمرت في إثارة العديد من الأسئلة، قبل أن يقضى عليه في المهد من قبل داعية الكراهية ضد إسرائيل نفسه.
نص تم اقتراحه للمرة الأولى في 12 يوليوز من هذا العام، حتى قبل هجوم حماس والهجوم الإسرائيلي على غزة. وقد حظي بدعم حوالي خمسة عشر نائبا، وهم من أشد المؤيدين لقيس سعيد. وفي ضوء التطورات الأخيرة، عاد القانون المقترح إلى الواجهة مرة أخرى، بنسخة أكثر قوة. فأي شكل من أشكال التواصل أو التعاون أو العلاقات التجارية «المباشرة أو غير المباشرة» مع الأشخاص الطبيعيين أو المعنويين الإسرائيليين يعد جريمة. وتفرض عقوبة السجن من 6 إلى 12 سنة لكل شخص من الجنسية التونسية يقيم علاقات مع «الكيان الصهيوني» والسجن المؤبد في حالة العود.
الفلسطينيون الذين يحملون الجنسية الإسرائيلية ليسوا معنيين بالقانون، لكن النص التزم الصمت إزاء التونسيين الذين يحملون الجنسية الإسرائيلية. وهم كثيرون. كما أنه لا ينبس ببنت شفة عن احتمال مشاركة تونس في أنشطة وفعاليات تمثل فيها إسرائيل.
الأمر الأكثر غموضا هو قبل كل شيء القدرة والسهولة التي يتمتع بها قيس سعيد في النأي بنفسه عنه وفرض حق النقض الذي يملكه، في حين أنه، باعتباره أحد القوميين المتحمسين، لم يتوقف أبدا عن الدعوة إلى انتفاضة ضد الدولة اليهودية. وخلافاً لمختلف عمليات تطبيع العلاقات الدبلوماسية بين تل أبيب وعدة دول عربية، لا سيما في إطار اتفاقات أبراهام 2020، فإن الرئيس التونسي يعتبر -في الأقوال فقط- أن هذا «التطبيع» يعد خيانة عظمى. لكن في الواقع، الأمر مختلف تماما. إن عرقلة تبني قانون مناهض لإسرائيل، والذي غذاه من خلال خطاباته الحماسية، يكشف تناقضات رئيس دولة يفعل عكس ما يقوله تماما.
إن رد الفعل المتناقض هذا يذكرنا بموقف الدبلوماسية التونسية التي خرجت، يوم الجمعة 27 أكتوبر، في مقر الأمم المتحدة بنيويورك، عن المجموعة العربية بالامتناع عن التصويت لصالح قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة بشأن الدعوة إلى هدنة إنسانية فورية في غزة. وكان المبرر المعلن هو عدم التوازن في النص. «لقد اخترنا الامتناع عن التصويت انطلاقا من الموقف المبدئي لتونس الذي يرفض أن يضع المعتدي والمعتدي عليه على قدم المساواة. وتؤكد تونس من جديد إدانتها الواضحة والحازمة للهجمات التي تشنها قوات الاحتلال ضد الفلسطينيين. يتعلق الأمر بمسألة مبدأ وثابت في موقفنا»، بحسب التبريرات التي قدمها سفير تونس لدى الأمم المتحدة.
وحصل هذا القرار غير الملزم على 120 صوتا مقابل 14 صوتا صوتت ضده وامتناع 45 عن التصويت، من 193 دولة عضو في الأمم المتحدة. وفي ما يتعلق بتونس، فإن البعض يرى أنه بعيدا عن الخطابات القومية الحماسية للرئيس قيس سعيد و«الأخ الأكبر» الجزائري، قررت تونس التفرد بموقفها. ومن الناحية التقنية، فإن الامتناع عن التصويت (الخيار الذي اتخذته دول مثل ألمانيا أو إيطاليا أو اليابان أو كندا) أو الرفض (كما كان الحال بالنسبة للولايات المتحدة) يخدم بالأساس المصالح الإسرائيلية. ونتذكر أن السفير الإسرائيلي لدى الأمم المتحدة، جلعاد إردان، وصف القرار والتصويت الذي أعقبه على الفور بـ«الدناءة».
وهذا يكفي، في نهاية المطاف، لتأكيد تصريحات عبد القادر بن قرينة، إسلامي النظام الجزائري، والوزير السابق، ورئيس حركة البناء، وقبل كل شيء، المتحدث غير الرسمي باسم قصر المرادية. فقد أكد يوم السبت 12 غشت الماضي أن تونس ستقوم بتطبيع علاقاتها مع إسرائيل. وأعلن أن «تونس ستقوم بتطبيع علاقاتها مع إسرائيل وأنا أعرف ما أقول». وإذا كان من حق تونس بطبيعة الحال أن تتصرف وفق مصالحها الخاصة والمشروعة، فإن ما يثير الاهتمام قبل كل شيء هو موقف الرئيس الذي يقول ما لا يفعل، والذي يفعل ما لا يقول.