وسط تكتم إعلامي مطبق الجزائر (العالم الآخر)، أعلن المحامي فرنسوا زيمراي، المكلف من دار النشر « غاليمار » الفرنسية بالمشاركة في الدفاع عن الكاتب الفرنسي- الجزائري بوعلام صنصال، الموقوف في الجزائر في ظروف غامضة منذ يوم 16 نونبر، أن صنصال سيمثل أمام وكيل الجمهورية، يومه الإثنين 25 نونبر.
وأكد المحامي في بيان نشرته وكالة الأنباء الفرنسية حرصه على ضمان محاكمة عادلة لموكله، مشددا على أن « توقيف كاتب بسبب آرائه يُعد انتهاكا صريحا للحريات الأساسية ». وأضاف زيمراي أن « الجزائر، كدولة موقعة على معاهدات دولية، ملزمة باحترام هذه الحقوق »، وهو ما يفتح النقاش حول مدى التزام النظام الجزائري بمبادئ القانون الدولي.
من جهة أخرى، تبدي الأوساط السياسية والأدبية قلقها حيال مصير صنصال المعروف بمواقفه المنددة بالتشدد الديني والاستبداد.
وقال رئيس أكاديمية غونكور الكاتب فيليب كلوديل، في تصريح صحفي لفرانس إنفو يوم الأحد: « إن الصمت الذي يحيط باختفاء صنصال مقلق جدا ». وأضاف: « العالم الأدبي يتحرك لكن هذه التعبئة رمزية لأننا لا نملك أي قوة ».
كما وجه ثلاثون فائزا بالجائزة الكبرى للأكاديمية الفرنسية نداء إلى السلطات الجزائرية « لضمان الحماية الجسدية واحترام الحقوق الأساسية لصديقنا »، وذلك في عمود نشر على الموقع الإلكتروني لصحيفة لوفيغارو.
بدورهم دعا الفائزون بجائزة نوبل للآداب آنّي إرنو وجان ماري لو كليزيو وأورهان باموك ووول سوينكا، إضافة إلى عدد من الكتاب بينهم سلمان رشدي وروبرتو سافيانو، إلى « الإفراج الفوري » عن الكاتب الفرنسي الجزائري صنصال، في مقال نُشِر على الموقع الإلكتروني لمجلة « لوبوان ».
تصعيد إعلامي داخلي
في الوقت الذي يزداد زخم التضامن العالمي مع هاته القامة الأدبية الكبيرة، باشرت وسائل إعلام جزائرية شن حملة هجومية شرسة ضد بوعلام صنصال، واصفة إياه بـ »دمية التيار التحريفي المعادي للجزائر »، في خطوة لا تروم سوى صب الزيت على النار وتأجيج مشاعر الكره ضده.
وانتقدت الوكالة الجزائرية الرسمية صنصال بسبب تصريحاته المثيرة للجدل التي نُشرت في مجلة فرنسية يمينية متطرفة، والتي أشار فيها إلى أن أراضي مغربية اُنتزعت لصالح الجزائر خلال الحقبة الاستعمارية.
وذكّرت الوكالة بالعلاقات المشبوهة لصنصال مع شخصيات فرنسية مثيرة للجدل مثل إريك زمور ومارين لوبان. كما لم تسلم فرنسا من الانتقادات، إذ اتُهمت بازدواجية المعايير في التعامل مع حرية التعبير والسيادة الوطنية.
تداعيات دبلوماسية
تأتي محاكمة صنصال في وقت يشهد توترا دبلوماسيا بين باريس والجزائر، خاصة بعد إعلان فرنسا دعمها لخطة الحكم الذاتي المغربية في الصحراء الغربية. هذا الموقف أثار استياء الجزائر، التي تعتبر الصحراء قضية محورية في سياستها الخارجية.
هل تُخمد المحاكمة الأصوات المعارضة؟
محاكمة صنصال تمثل اختبارا جديدا لمدى احترام الجزائر لحرية التعبير. ويواصل النظام الجزائري الدكتاتوري حملات القمع لإسكات الأصوات المعارضة، دون أن يأبه بما يمكن أن يؤدي به هذا النهج إلى عزلة ثقافية وسياسية أوسع.
وينظر النظام من خلال أذرعه الإعلامية إلى الدعم الدولي لبوعلام صنصال « كمؤشر على استمرار الضغط الخارجي على الجزائر »، للتراجع عن ممارساتها القمعية.
وتشكل قضية بوعلام صنصال مشهدا معقدا حيث يتصارع الأدب مع السياسة، وتتحول حرية التعبير إلى ساحة للصراعات الجيوسياسية.
ومع استمرار التصعيد بين الجزائر وفرنسا، يبقى مصير الكاتب محل ترقب، وسط دعوات متزايدة لتغليب الحوار واحترام الحقوق الأساسية على المصالح السياسية الضيقة.
نفاق النظام الجزائري
بينما توجه الجزائر تهمة « المساس بالوحدة الوطنية » لصنصال (تصل العقوبة إلى 10 سنوات حسب المادة 79 من قانون العقوبات الجزائري)، تبرز مفارقة صارخة في موقف النظام الجزائري الذي يدعو إلى تقسيم الصحراء المغربية ويدعم أطروحات تهدد وحدة المملكة.
إقرأ أيضا : جمهورية الريف المزعومة: مناورة جزائرية جديدة بعد سقوط أطروحة الصحراء
هذه الازدواجية أثارت انتقادات واسعة، حيث أشار مراقبون إلى أن الجزائر لا تجد حرجا في أن تمارس ما تتهم به صنصال، في محاولة لتحويل الأنظار عن قضايا داخلية ملحة.