طريق تندوف-الزويرات الذي يربط جنوب الجزائر بشمال موريتانيا مازال مشروعا افتراضيا. هذا المشروع، الذي وعد به الرئيس الجزائري الأسبق هواري بومدين في أوائل السبعينيات من القرن الماضي، لم يكتب له أن يرى النور إلى حد الآن. لكن في كل لقاء بين المسؤولين الموريتانيين والجزائريين، يتم إخراج هذا "الطريق" من الأدراج ليتم نسيانه بعد ذلك مباشرة.
مرة أخرى، عقب الزيارة الأخيرة التي قام بها الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني إلى الجزائر، في الفترة من 27 إلى 29 دجنبر 2021، لم يخرج نظيره الجزائري عن التقليد ووعد بتنفيذ هذا المحور الطرقي الشهير بطول 775 كلم.
لكن الجديد في هذا الملف هو أن الرئيس الموريتاني، الذي يعرف جيدا مجريات الأمر لأنه كان على التوالي، بين عامي 2007 و2019 المدير العام للأمن الوطني ورئيس القوات المسلحة ووزير الدفاع، أوضح لمحاوريه الجزائريين أن الحدود المشتركة تشكل تحديات أمنية كبيرة لموريتانيا. وهكذا قام بوضع النقاط على الحروف من خلال التأكيد للسلطات الجزائرية على أن المعبر الحدودي المشترك، في وضعه الحالي، يخلق مشاكل لموريتانيا أكثر مما يحلها.
وهكذا، من أجل تصدير منتجاتها برا إلى موريتانيا واستخدامها كبوابة لغرب إفريقيا، دعيت الجزائر للتوجه نحو الطريق البحري الذي يسهل تأمينه، في انتظار إنشاء طريق تندوف-الزويرات.
وفي هذا السياق، أعلن وزير النقل الجزائري عيسى بكاي يوم 8 فبراير، بحسب وكالة الأنباء الجزائرية، عن "إطلاق خط تجاري بحري يربط الجزائر وموريتانيا قبل نهاية فبراير (بين 20 و23)... في موازاة ذلك، سيتم افتتاح خط جوي جديد بين الجزائر وموريتانيا في الأيام المقبلة بالإضافة إلى خط جوي آخر مع السنغال". وأقر عيسى بكاي بشكل غير مباشر بأن المعبر الحدودي، الذي كان يشكل محنة لسائقي الشاحنات الجزائريين، قد فشل، مضيفا أن هذه الخطوط البحرية والجوية ستأتي لتعزيز "مشروع بناء طريق يربط تندوف بالزويرات (موريتانيا)، مما يسهل حركة شاحنات محملة ببضائع جزائرية".
يشار إلى أن القافلة الأخيرة المكونة من 28 شاحنة جزائرية كانت متوجهة إلى موريتانيا في نونبر الماضي لم تصل بأمان. حوصرت لأول مرة لعدة أيام بسبب إضراب لسائقي الشاحنات الجزائريين الذين طالبوا بمخصصات مالية أفضل ومزيدا من الوقود. وأخيرا، ما إن سارت القافلة على الطريق حتى جرفتها الفيضانات الغزيرة التي ضربت منطقة تندوف.
كان فشل المعبر البري الموريتاني-الجزائري متوقعا، لأنه فتح بشكل مستعجل وارتجالي، وكانت تحكمه أساسا أسباب "سياسية" لا اجتماعية أو اقتصادية، بهدف مواجهة المصالح الاستراتيجية للمغرب في إفريقيا. لقد كان حتى "ممرا إجباريا"، لأن افتتاحه سبقه ضغط شديد من الجزائر على موريتانيا التي كانت قد أغلقت قبل سنة من ذلك الحدود المشتركة مع هذا البلد على مسافة 460 كيلومترا وأعلنتها "منطقة عسكرية محظورة على تنقل الأشخاص".
ماذا سيحدث إذن لهذا الخط البحري الجديد بين الجزائر ونواكشوط؟ ما هو مؤكد أن أول محاولة عن طريق البحر بدأت في أبريل الماضي، بعد أن أغلقت السلطات الموريتانية حدودها الشمالية مرة أخرى، بعد تهديدات من البوليساريو التي كانت قد طردت من الكركرات.
في أبريل 2021، وعدت السلطات الجزائرية بدورتين كل 20 يوما بين مينائي الجزائر ونواكشوط. وفي الأخير، كان هناك دورة واحدة فقط بواسطة المركب الجزائري " إمدغاسن". ومع ذلك، عندما نعلم أن هذا المركب نفسه تعرض للحجز الاحترازي في 9 نونبر بميناء سيت الفرنسي، وهو الحجز الذي هم في الوقت نفسه ستة قوارب وسفن شحن جزائرية في موانئ بلجيكية وإسبانية وإيطالية... يطرح التساؤل كيف يمكن للجزائر أن تضمن خط بحري منتظم مع موريتانيا. خاصة وأن الطريق، كما أوردته وسائل الإعلام الموريتانية، سيكون طويلا للغاية، لأنه بعد إبحار طويل في البحر الأبيض المتوسط، تمر السفن الجزائرية غرب أرخبيل الكناري...لتجنب ساحل المحيط الأطلسي الطويل للمغرب!
حقيقة أن وزير النقل الجزائري أوضح أن هذه المرة "تم اتخاذ كافة الإجراءات المسبقة لضمان فعالية واستدامة هذا الخط الذي سيعمل على تعزيز الصادرات الجزائرية إلى موريتانيا وباقي الدول الإفريقية في إطار منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية"، ولكن ما هو مؤكد هو أن هذا الخط بدوره سيكون مصيره هو الآخر الفشل. فقد عودنا النظام الجزائري على إطلاق الوعود التي تبقى دائما حبرا على ورق.



