وسط غموض كبير وصمت مطبق من الحكومة، يتداول أطر وزارة الصحة عبر مواقع التواصل الاجتماعي وثيقة تفيد تفويت مجموعة من المراكز الصحية والإدارية والمستشفيات العمومية، لقطاع استثماري خاص بمدينة الدار البيضاء.
وتشير الوثيقة إلى تفويت مجموعة من المرافق العمومية، كمقر المديرية الجهوية للصحة بالدار البيضاء والمندوبية الإقليمية ومستشفى محمد بوافي والمركز الصحي سيدي مومن ومستشفى مولاي يوسف وغيرهم.
وبينما تعتبر نقابات القطاع الصحي أن هذا القرار « غير مفهوم » ولا تخفي تخوفها من أن يكون تمهيدا لـ »خوصصة القطاع »، سارعت بعض الجهات إلى ترويج هذه الوثيقة على شكل « فضحية » تهدد حسب زعمهم الأمن الصحي للمغاربة وتعصف بحقوق شغيلة القطاع.
ورفعا للبس الذي يشوب مضمون هذه الوثيقة، قال حبيب كروم، رئيس الجمعية المغربية لعلوم التمريض والتقنيات الصحية، إن الأمر لا يتعلق بخوصصة وإنما هو « إجراء يدخل ضمن الحلول والآليات الجديدة التي تعتمدها الدول تحت مسمى التمويلات المبتكرة، التي لجأت إليها الحكومة خلال السنوات الأخيرة لتمكين الميزانية العمومية من مصادر سيولة جديدة خارج دائرة التمويل الكلاسيكي، كأساليب حديثة لتمويل العجز في الميزانية العامة وكبديل للأساليب التقليدية التي أثبتت عجزها وعدم قدرتها على تغطية الاحتياجات الإنمائية، خاصة مع ظهور العولمة والتطور التكنولوجي الحاصل ».
ومضى رئيس الجمعية المغربية لعلوم التمريض والتقنيات الصحية يشرح، من خلال تصريح لـLe360، أن « هذه الاساليب الحديثة التي على الرغم من الإقرار العالمي بفعاليتها وعلى الرغم من نجاح تطبيق بعض الأساليب التي كان لها آثار إيجابي على التنمية العالمية، إلا أن استخدامها مازال جزئيا يقتصر على بعض البلدان فقط كما يقتصر على بعض الأساليب دون غيرها ».
وحسب كروم فقد « قامت الدولة بتفويت ملكية بعض الأصول العقارية (مستشفيات، مواني، مركبات رياضية) إلى بعض المستثمرين لتستفيد من عائدات مالية من عملية البيع مع الحفاظ على استغلالها من خلال عقود الايجار مع المالكين الجدد، مع التشديد على عدم تغير وضعية المراكز والمستشفيات الصحية خلال إتمام العمليات المالية، تحديدا فيما يخص باستقبال المرضى وتقديم العلاجات ووضعية الموارد البشرية للمرافق المذكورة ».
وأضاف أنه « تم إجراء أول عملية بالنسبة لخمسة مراكز استشفائية في عهد محمد بنشعبون، وزير الاقتصاد والمالية السابق، ويتعلق الأمر بعمليات كراء طويل الامد لفائدة الصندوق المغربي للتقاعد، وقد أدرت هذه العملية على ميزانية الدولة وقتها 450 مليار سنتيم ».
وعزا كروم الجدل الذي أثارته الوثيقة في أوساط الشغيلة الصحية إلى كون هاته الوثيقة « غير واضحة بحكم محتواها الحامل لمصطلحات تدخل ضمن مجال المال والاعمال، والتي تغيب عن معظم حاملي الوزرة البيضاء، مما عمق وزاد من تخوفهم إزاء هذا القرار ».
وفي الوقت الذي يتم الترويج لهاته العمليات على أنها مضرة بالاقتصاد الوطني، كشف المصدر ذاته أن « الاستثمار على هذا النحو يوفر مداخيل أمنة ومنتظمة في شكل ايجار، يفوق مردودها ما يمكن أن يجنيه من عائدات مالية في سوق النقد والسندات ويؤمن الأموال المستثمرة من الإخفاقات في حالة الأزمات المالية العالمية كما وقع خلال الأزمة المالية العالمية سنة 2008″.
وشدد على أن « اللجوء إلى التمويلات المبتكرة لا يعني خوصصة المؤسسات العمومية فهي آلية حديثة تتيح للدولة الحصول على سيولة مالية فورية، مقابل أقساط مستحقة على المدى الطويل لفائدة المستثمرين بنسبة فائدة مغرية وضمانات أداء منخفضة المخاطر بشكل كبير ».
وختم حبيب كروم تصريحه بالتأكيد على أن العملية « تتم بين مؤسسات الدولة: الملك الخاص للدولة ممثل بإدارة أملاك الدولة ومؤسسة الصندوق المغربي للتقاعد، الذي يسير معاشات موظفي الدولة، وبالتالي ليست هناك أية خوصصة ».