ندرة الأدوية: في قلب ظاهرة تؤثر على النظام الصحي في المغرب

أدوية داخل صيدلية

أدوية داخل صيدلية. DR

في 15/12/2024 على الساعة 09:45

تستمر ندرة بعض الأدوية، بدلا من التراجع، لتظل مشكلة مقلقة في المغرب. وهذه الظاهرة، التي تتم ملاحظتها على المستوى الوطني، تشمل مجموعة واسعة من الأدوية، بما في ذلك الأدوية الحيوية للمرضى. يشرح محمد سلامي، رئيس الجمعية المغربية للصيادلة، وليلى لعسل السنتيسي، مديرة الاتحاد المغربي لصناعة الأدوية والابتكار، هذه الأزمة في حديثهما مع Le360. كما يقترحان عدة حلول للتعامل مع هذه الحالة الحرجة.


تستمر أزمة ندرة بعض الأدوية، التي بدأت تأخذ طابعا جادا كمشكلة صحية عامة في المغرب. هذه القضية ليست مجرد شكاوى من المرضى، بل يثيرها أيضا المهنيون في قطاع الصحة والبرلمانيون الذين يوجهون نداءات إلى السلطات المختصة بهذا الشأن. وقد تم إطلاق تنبيهات، مثل تلك التي أصدرتها مؤخرا الجمعية المغربية لطب الأطفال، حيث حذرت من نقص الأدوية الأساسية في طب الأطفال، والتي تعتبر ضرورية في الحالات الحرجة وأحيانًا هي الحلول العلاجية الوحيدة.

في رسالة موجهة إلى وزارة الصحة والحماية الاجتماعية، حذرت الجمعية من نقص الأدوية الأساسية في مجال طب الأطفال، وهو أمر حيوي في بعض الحالات التي تتطلب علاجا فوريا.

وتشمل هذه الأزمة مجموعة واسعة من الأدوية، بما في ذلك أدوية حيوية، كما يوضح محمد سلامي رئيس الجمعية المغربية للصيادلة في تصريح له لـ Le360. وأشار إلى أن هذه الانقطاعات في الإمدادات تتم ملاحظتها في جميع أنحاء البلاد بدون استثناء.

كما أوضح محمد سلامي أن هذه النقص يشمل العديد من الأدوية مثل بعض أدوية السكري، الإنسولين، أدوية الضغط الدموي، اللقاحات، مصل التسمم (المهم للوقاية من مرض الكزاز)، الأدوية المضادة للسرطان، القطرات العينية، وخاصة الأدوية المضادة للغلوكوما، والكورتيكوستيرويدات القابلة للحقن.

وتشمل النقص أيضا أدوية مضادة للقيء (تستخدم ضد الغثيان والقيء)، أدوية التباين (الضرورية لبعض الفحوصات الطبية التصويرية)، وبعض الأدوية النفسية، من بين أخرى.

ما هي أسباب هذه النقص؟

أشار أمين التهراوي، وزير الصحة والحماية الاجتماعية، مؤخرا أمام مجلس المستشارين إلى أن انقطاع بعض الأدوية غالبا ما يكون ناتجا عن أسباب خارجة عن إرادة الوزارة، حيث أن السبب الرئيسي هو عدم توافر هذه الأدوية في البلدان التي يتم تصنيعها فيها. كما أضاف أن هذا النقص قد يشمل أيضا الأدوية الجنيسة المنتجة محليا.

هل فشل المخزون الاستراتيجي؟

يعتبر هذه التفسير جزءا من الأسباب التي طرحها محمد سلامي، الذي تحدث عن مشكلة عالمية متعلقة بنقص المواد الفعالة التي يتم تصنيعها بشكل رئيسي في دول مثل الهند والصين. ومع ذلك، أكد على أن هذه المشكلة ليست حديثة، مشيرا إلى نقص التواصل والشفافية.

وأوضح محمد سلامي أنه حتى عام 2022، كانت الوزارة تنكر دائمًا وجود أي نقص في الأدوية، رغم أن الصيادلة ظلوا يحذرون منها طوال سنوات.

وفي 22 غشت 2022، اتخذت وزارة الصحة قرارا بتأمين مخزون استراتيجي وطني من الأدوية والمنتجات التي تأثرت بالنقص أو الاضطرابات في الإمدادات لمدة 12 شهرا. وكان من المفترض أن يتم تقييم هذا المخزون بشكل ربع سنوي، ولكن نتائج هذه المبادرة لا تزال غامضة.

من المؤكد أنه لم يكن ذلك ناجحا، بالنظر إلى أنه على مستوى الصيدليات، لم نشعر بتغيير حقيقي»، كما يقول، مشيرا إلى أسباب هذا الفشل. ويبرز في هذا الصدد «نقصا فاضحا في التواصل مع الصيادلة»، لافتا إلى أنهم، يوميا، على اتصال بالمواطنين ويجب عليهم، بدورهم، أن يشرحوا لهم «كل هذه المشاكل المتعلقة بنقص الأدوية». ولكن، «لعدم وجود معلومات دقيقة من الوزارة أو المختبرات، نجد أنفسنا دائمًا في حرج أمام زبائننا».

ويعزو رئيس الجمعية المغربية للصيادلة أيضا نقص بعض الأدوية إلى غياب حق الاستبدال في الصيدليات المغربية، «وهو حق أصبح شبه عالمي». ويؤكد أن هذا الحق مُمنوح ليس فقط للصيادلة الأوروبيين، بل أيضًا في دول المنطقة مثل تونس والجزائر.

حق الاستبدال ما زال مفقودا

ويشرح أن هذا الحق يسمح باستبدال الأدوية الأصلية (المبدئية) بالأدوية الجنيسة، مما يمنع «أن نكون في قبضة بعض الشركات متعددة الجنسيات التي يمكنها فتح وإغلاق « الصنبور » حسب إرادتها». كما يضيف قائلا: «المختبرات الوطنية تتردد أحيانا في إنتاج بعض الأدوية الجنيسة، لعدم وجود مصلحة مالية، رغم أهميتها للصحة العامة».

من جانبها، أكدت ليلى لعسل السنتيسي، المديرة التنفيذية للاتحاد المغربي لصناعة وابتكار الأدوية (FMIIP)، في تصريحاتها لـLe360، أن النقص في الأدوية يشمل، بشكل كبير (من 90 إلى 95٪)، الأدوية المستوردة. أما الأدوية التي تُصنع محليا، فإن هذا النقص يرجع بشكل رئيسي إلى نقص المواد الأولية أو الإضافات على مستوى العالم.

نقص الأدوية نتيجة الطلب المرتفع

وبناء على ذلك، فإن مخزونات بعض الأدوية تنفد أسرع مما كان متوقعا بسبب وصف الأطباء لها بشكل مكثف، مما يتطلب إعادة تزويدها. ولكن هذه المهمة تكون معقدة، خصوصا عندما يتعلق الأمر بالأدوية المبتكرة غير الجنيسة، التي تُنتجها عدد محدود جدا من المصانع في العالم، في بعض الأحيان مصنع واحد فقط، كما توضح.

وتضيف السنتيسي أن هذه الوضعية تكون أكثر إشكالية بالنسبة لدولة مثل المغرب، الذي يعتبر سوقا صيدليا صغيرا حيث تتم مراجعة أسعار الأدوية بشكل مستمر نحو الانخفاض. في هذا السياق، لا تعطي الشركات الصيدلانية الدولية الأولوية للمغرب عند توزيع المخزونات، كما تلاحظ.

وبخصوص تصنيع هذه الأدوية محليا، تشرح ليلى لعسل السنتيسي أن ذلك يرجع إلى أنها غالبا ما تكون منتجات مبتكرة لا تزال تحت براءة اختراع، وبالتالي لا يمكن إنتاجها كأدوية جنيسة.

التحديات التي يواجهها المصنعون المحليون

بالطبع، هناك آليات تسمح للمغرب بتجاوز اتفاقيات التجارة الحرة أو براءات الاختراع لإعطاء ترخيص إلزامي لمختبر مغربي لإنتاج هذه الأدوية. وهذه الآلية، على سبيل المثال، مذكورة في اتفاقية التجارة الحرة مع الولايات المتحدة، كما تلاحظ.

لكن وزارة الصحة لم تلجأ إلى هذا الخيار أبدا، على الرغم من أن العديد من الدول تستخدمه. ومع ذلك، توضح أن هذا اللجوء يجب أن يستند إلى معايير صارمة وأن يكون مبررا، لا سيما بحالة صحة عامة ملموسة.

وتضيف أن تصنيع هذه الأدوية محليًا يواجه صعوبة أخرى تتعلق بتسارع الابتكار في صناعة الأدوية، حيث تدفع الشركات العالمية إلى تطوير جزيئات أكثر تخصصًا لعلاج أمراض محددة. وفي بعض الأحيان، تكون الجزيئات مخصصة لعدد قليل من المرضى الذين يحتاجون إلى هذا العلاج.

تحديات بعد انتهاء براءة الاختراع

وتشير إلى أنه عندما تصبح هذه الأدوية، التي هي منتجات مبتكرة، ملكا عاما، يبدأ الصناعيون المحليون إما في استيرادها أو إنتاجها محليا.

ومع ذلك، تؤكد أن الشركات متعددة الجنسيات تقوم بتخفيض أسعارها بشكل كبير لمنع الأدوية الجنيسة أو البيوسيميلار من النجاح في السوق، مما يعرض استثمار الصناعي المغربي في تصنيع هذا الدواء للخطر.

وتوضح أن هذا السلوك غير طبيعي لأن الشركة متعددة الجنسيات قد حققت بالفعل أرباحا ضخمة طوال الفترة التي كان فيها المنتج محميًا ببراءة اختراع. كان من المتوقع أن تركز جهودها على تطوير جزيئات جديدة من خلال الابتكار، كما تضيف.

الحرب بين الأدوية الأصلية والجنيسة

بالطبع، هذه «الحرب» بين الدواء الأصلي والدواء الجنيس، أو بين البيوتكنولوجيا والبيوسيميلار، موجودة أيضا في دول أخرى. ومع ذلك، فإن هذه الدول تضع حواجز لحماية السوق من خلال قوانين تنظم هذا المجال، كما توضح.

هذه القوانين تحدد أسعار الأدوية بهدف منع انخفاض الأسعار المفرط للأدوية الأصلية، ما قد يؤدي إلى منافسة غير عادلة مع الأدوية الجنيسة والبيوسيميلار، ويهدد استدامة هذه الصناعة.

وتؤكد ليلى لعسل السنتيسي أيضا أن جميع البلدان التي رغبت في تشجيع تطوير الأدوية الجنيسة قامت بتطبيق سياسات تحفيزية للأطباء والصيادلة من أجل تفضيل هذه البدائل. وتختتم بالقول إن على الدولة المغربية أن تتبع هذه الممارسات الجيدة لدعم صناعة الأدوية الجنيسة المحلية وحل مشكلة نقص الأدوية.

تشجيع صناعة الأدوية المغربية

ويؤكد محمد سلامي على ضرورة تشجيع صناعة الأدوية المغربية، قائلاً: «يجب الترويج لصناعة الأدوية محليًا، ودعم البحث العلمي لتجنب أن نظل أسرى دائمين للشركات متعددة الجنسيات والشركات الأجنبية».

ويضيف أنه يجب على وزارة الصحة أن تشجع المختبرات الوطنية على إنتاج الأدوية الجنيسة لجميع الأدوية الأصلية، بدلا من التركيز على إنتاج أدوية جنيسة لمجموعة محدودة من الأدوية: «يجب أن تكون مصلحة الصحة العامة هي الأولوية!».

كما يدعو إلى منح الصيادلة الحق في الاستبدال، كما هو معمول به في دول أخرى. ويؤكد أن ذلك من شأنه حل جزء من المشكلة ويسهم في تجنب معاناة المواطنين الذين يضطرون للبحث عن الأدوية في المدينة أو المنطقة، وغالبًا دون جدوى.

وفي النهاية، يطالب رئيس الجمعية المغربية للصيادلة بتبني نهج تشاركي حقيقي من قبل صانعي القرار، يشمل الصيادلة في حل مشكلات نقص الأدوية، «لأن الصيدلي هو في النهاية المتحدث المباشر مع الجمهور».

وأخيرا، يدعو إلى تحسين التواصل حول الأدوية، من خلال تسهيل المعلومات واستغلال جميع الفرص التي توفرها الرقمنة.

تحرير من طرف لحسن أودود
في 15/12/2024 على الساعة 09:45