فبداخل التعاونيات المحلية، لم يعد التمر منتوجا موسميا تقليديا، بل أضحى مادة أولية لمنتجات متعددة، تحمل بصمة نسائية تجمع بين الخبرة المتوارثة والمعرفة العصرية.
وفي هذا السياق، أوضحت زبيدة بنعلي، عضوة بتعاونية القصور للتمور ومشتقاتها، أن العمل يبدأ بمرحلة دقيقة تتمثل في فرز تمور «أزيزة»، وهي آخر محطة قبل التسويق، مشيرة في تصريح لـLe360، إلى أنه يتم مسح التمور بعناية دون غسلها، مع إقصاء كل ما هو غير صالح، ثم تعبئتها وفق معايير دقيقة تراعي الجودة والحجم وطلبات الزبناء.
وأضافت بنعلي أن هذا الحرص يرافقه اعتماد التخزين في غرف التبريد للحفاظ على اللون والجودة، خاصة في ظل التغيرات المناخية التي تعرفها المنطقة، مؤكدة أن الدعم الذي قدمته وزارة الفلاحة، سواء على مستوى الآلات أو التكوين، كان رافعة أساسية لتطوير العمل، وتحسين صورة التمر في السوق.
ولا يتوقف التثمين عند حدود التعبئة، بل يمتد ليشمل التحويل الغذائي والابتكار في المنتوج، ففي تعاونية القصور، يتم تحويل جزء من التمور إلى عجينة مميزة تشكل أساسا لحلويات قائمة على التمر، ما جعل هذا المنتوج يخرج من إطار الاستهلاك الموسمي، ليصبح حاضرا طوال السنة، حيث يعكس هذا التحول وعيا متزايدا بقيمة التمر الاقتصادية والغذائية، وقدرته على المنافسة في الأسواق خارج الواحة.
وشددت فاطمة بوبكري، عضوة بنفس التعاونية، على البعد الصحي في هذا الابتكار، حيث يتم إغناء عجينة التمر بمكونات طبيعية مثل السمسم والفول السوداني والقرفة وماء الزهر والمكسرات، مع تزيينها ببذور طبيعية، معتبرة في تصريح مماثل للموقع، أن هذا التوجه نحو منتوج صحي آمن يعزز ثقة المستهلك، ويواكب الطلب المتزايد على أغذية طبيعية، وهو ما يفسر الإقبال الذي تعرفه هذه الحلويات.
بدورها، أشارت ناهد مازة، وهي مستخدمة بتعاونية ضيعة عامرة، إلى أن فلسفة العمل تقوم على الاستفادة من كل حبة تمر دون هدر، مضيفة أن التمر الصالح يعبأ ويوجه للبيع، فيما يتم تحويل غير الصالح للاستهلاك المباشر إلى علف أو مواد أولية لصناعة كرات الطاقة والحلويات، مؤكدة أن الموسم الحالي عرف تحسنا في الإنتاج مقارنة بالسنة الماضية، مع وفرة في التمور وارتفاع في الطلب، ما يعكس نجاح تجربة التعاونية التي تأسست قبل ثلاث سنوات، وبدأت تحقق توازنا وانتشارا تدريجيا.
أما على مستوى الجودة والتنافسية، فتبرز تجربة تعاونية ضيعة عمرة، حيث توضح فاطمة الزهراء خالصي، مسؤولة الجودة بالتعاونية، أن تثمين التمور يمر عبر منظومة صارمة تضمن سلامة المستهلك وجودة المنتوج، إذ تشمل هذه المنظومة انتقاء التمور، وإجراء تحاليل ميكروبيولوجية وفيزيائية، وقياس مؤشرات الجودة، وهو ما مكن التعاونية، حسب المتحدثة نفسها، من حصد جوائز وطنية ودولية، واقتناء آلات حديثة حولت التمر إلى مربى وشراب وعجينة ومنتجات مبتكرة ذات قيمة مضافة.
وهكذا، تثبت نساء إقليم فكيك أن التمر ليس محصولا فلاحيا فقط، بل رافعة للتنمية المحلية ومجالا للإبداع النسائي، حيث يلتقي الاعتزاز بالإرث الواحي مع روح الابتكار، ليخرج من قلب الواحة منتوج يحمل قصة مكان، وهوية إنسان.




