مشروع قانون المالية لـ2026: المغرب يواصل تأمين موارده الحيوية عبر استراتيجية شاملة

رئيس الحكومة عزيز أخنوش

في 10/08/2025 على الساعة 09:00

في ظل التحديات الجيوسياسية المتصاعدة، والتغيرات المناخية، وتقلبات الأسواق العالمية، يواصل المغرب تعزيز استراتيجيته الوطنية لتأمين موارده الحيوية، لا سيما الطاقية، والغذائية، والتكنولوجية، من أجل تنمية مستدامة تضمن السيادة الوطنية في هذه المجالات الحيوية. هذا ما أكده رئيس الحكومة عزيز أخنوش في منشور وجهه إلى الوزراء والوزراء المنتدبون وكتاب الدولة والمندوبان الساميان والمندوب العام حول موضوع: «إعداد مشروع قانون المالية للسنة المالية2026».

تأمين الأمن الطاقي: ركيزة أساسية لتحقيق الاستدامة والسيادة

يشكل الأمن الطاقي محورا مركزيا في استراتيجية المغرب الوطنية. ويعكس مشروع قانون المالية لسنة 2026 إرادة قوية لتنويع مصادر الطاقة مع التوازن الدقيق بين الحفاظ على البيئة، وتحقيق التنافسية الصناعية، وتعزيز الاستقلالية الطاقية.

وتتجسد هذه الرؤية في مواصلة دعم الطاقات المتجددة، يوضح المصدر ذاته، من خلال تطوير ستة مشاريع كبرى للهيدروجين الأخضر باستثمارات تصل إلى 370 مليار درهم.

وقال أخنوش إن المغرب يدشن مرحلة جديدة في استخدام الغاز الطبيعي كمصدر طاقي انتقالي، من خلال تفعيل خارطة الطريق الخاصة به، ما يساهم في ضمان استمرارية التزود بالطاقة، ويدعم التحول إلى مزيج طاقي منخفض الكربون، إضافة إلى تعزيز القطاعات الصناعية الاستراتيجية.

تعزيز السيادة التكنولوجية والرقمنة

يركز المغرب على تطوير بنية تحتية رقمية قوية وتطوير الكفاءات في القطاع التكنولوجي، حيث يشكل مشروع قانون المالية لسنة 2026 عاملاً محفزا لتعزيز الرقمنة كمحور استراتيجي للسيادة الوطنية. تنطلق البلاد من رؤية «المغرب الرقمي 2030» التي تسعى لبناء دولة ذات سيادة رقمية، تقدم خدمات عمومية فعالة، وتدعم تنافسية المقاولات، وتؤهل الكفاءات الرقمية.

وتشمل هذه الاستراتيجية وفق ما ورد في المنشور، رقمنة الإدارة العمومية، وتحديث الخدمات، وتعزيز قطاع ترحيل الخدمات الرقمية، مع التركيز على المقاولات الصغرى والمتوسطة، إلى جانب تطوير بنية تحتية حديثة للحوسبة السحابية.

ولا يقتصر الأمر على البنية التحتية فقط، بل يشتمل على الاستثمار المكثف في الرأسمال البشري، بهدف رفع عدد خريجي التخصصات الرقمية ثلاثة أضعاف بحلول 2027، مع تعزيز الإدماج الرقمي من المراحل التعليمية الأولى.

الأمن السيبراني: ضمان حماية الفضاء الرقمي الوطني

واعترافاً بأهمية الأمن الرقمي، تبنى المغرب استراتيجية وطنية شاملة للأمن السيبراني حتى 2030، لتعزيز قدرات حماية الفضاء الرقمي الوطني، وتقوية الإطار القانوني والمؤسساتي، وتطوير الكفاءات والتوعية، وتعزيز التعاون على الصعيدين الوطني والدولي.

في هذا السياق، كشف رئيس الحكومة أنه تم إحداث مركز ابتكار في الأمن السيبراني ومديرية حكومية متخصصة لضمان حكامة أمن نظم المعلومات. مشيرا إلى تعزيز المنظومة الرقمية الوطنية ببنيات تحتية حيوية وحديثة، من خلال تنزيل الاستراتيجية الوطنية للحوسبة السحابية والتي توجد في طور الإعداد.

ولأن طموح السيادة التكنولوجية يرتكز أيضا على الاستثمار في الرأسمال البشري، يضيف أخنوش، «فستتم مواصلة الجهود المبذولة لتعزيز التكوين في هذا المجال، وذلك من أجل رفع عدد خريجي التخصصات الرقمية إلى ثلاثة أضعاف في أفق سنة 2027، وتعزيز الإدماج الرقمي منذ المراحل التعليمية المبكرة. ويأتي هذا الاستثمار في الكفاءات لتزويد النسيج المقاولاتي الذي يتطور بشكل مضطرد، مدعوما في ذلك بسياسة غير مسبوقة لدعم المقاولات الناشئة».

وموازاة مع ذلك، يضيف المصدر ذاته، «أطلقت بلادنا مجموعة من البرامج لتكوين الأطر والكفاءات الوطنية في مجال الأمن السيبراني، فضلا عن إحداث مركز التميز للذكاء الاصطناعي، والذي يسعى إلى مواكبة التطورات المتسارعة في هذا المجال، وتطوير حلول متقدمة تضمن الأمن الرقمي وتعزز السيادة التكنولوجية».

دعم القطاعات الاقتصادية الواعدة

يركز مشروع قانون المالية 2026 أيضا على تعزيز القطاعات الحيوية والواعدة التي تساهم في خلق فرص الشغل وتحسين الميزان التجاري، مثل السياحة، الفلاحة، الصناعة، والتجارة الخارجية.

فبالنسبة للقطاع السياحي، وكما يوضح المنشور، فبعد الأزمة العالمية غير المسبوقة، سجل هذا القطاع انتعاشا سريعا، بفضل التدابير التي تم اتخاذها، وهو ما مكن من تحقيق نتائج تاريخية.

وحسب رئيس الحكومة، فقد استقبلت بلادنا ما يعادل 8,9 ملايين سائح خلال النصف الأول من سنة 2025، أي بزيادة 19% مقارنة بنفس الفترة من سنة 2024، وهو ما يمثل 1,4 مليون سائح إضافي. كما ارتفعت عائدات القطاع لتبلغ 54 مليار درهم مسجلة زيادة تقدر ب 9,6% خلال نفس الفترة.

وقال أخنوش إن التركيز أصبح منصبا على الجودة والاستدامة، من أجل الارتقاء بالخدمات السياحية وتوفير عرض أكثر تنوعا وتنافسية. وهو ما يتم تجسيده من خلال برنامج «Cap Hospitality»، الذي عُبئت له حوالي 4 ملايير درهم، استفادت منها 90 مؤسسة فندقية إلى غاية منتصف سنة 2025، وبرنامج «GoSiyaha» الذي يدعم أكثر من 1.700 مشروع بهدف تعزيز تنافسية المقاولات السياحية.

وأكد رئيس الحكومة على أنه سيتم العمل من خلال مشروع قانون المالية لسنة 2026 على تكثيف الجهود لجعل المغرب وجهة مرجعية جذابة وسهلة الولوج، لاسيما الاعتماد على التنويع النشيط للأسواق المصدرة، والقيام بحملات هادفة للترويج، وتعزيز شراكات النقل الجوي.

في المجال الفلاحي، يستمر المغرب في دعم وتأهيل السلاسل الفلاحية وتحسين التسويق، بالإضافة إلى تشجيع الابتكار والتكنولوجيات الحديثة في القطاع.

أما القطاع الصناعي فيدخل مرحلة جديدة من النمو عبر برنامج «تطوير» الذي يدعم البحث والابتكار، وبرامج مهيكلة لدعم المقاولات الصناعية، ما ساهم في خلق أكثر من 220 ألف منصب شغل مباشر وغير مباشر.

كما سيتم تعزيز الاستثمار الخاص، عبر تنفيذ الميثاق الجديد للاستثمار، مع التركيز على خلق مناصب الشغل، وتحقيق الإنصاف المجالي، ودعم القطاعات ذات القيمة المضافة العالية، إلى جانب تطوير المناطق الصناعية المندمجة وإصلاح مراكز الاستثمار الجهوية.

وتسعى الحكومة أيضا إلى تبسيط المساطر أمام المستثمرين، خاصة المقاولات الصغيرة والمتوسطة، عبر رقمنة الخدمات وإصلاح القطاع المالي لتحقيق إدماج أوسع للادخار الوطني في الاستثمار المنتج.

وبالنسبة للاقتصاد غير المهيكل، تعمل استراتيجية شاملة على الانتقال التدريجي نحو اقتصاد مهيكل، عبر تحفيز وتحسين الظروف، وضمان الولوج الشامل إلى الحماية الاجتماعية، مع اعتماد آليات لدعم الإدماج البنكي والضريبي، وتعزيز دور مراكز الاستثمار الجهوية.

تحرير من طرف فاطمة الزهراء العوني
في 10/08/2025 على الساعة 09:00