ينما يشكل شهر رمضان فرصة لانتعاش عدد من المهن والحرف، ويعيد الحياة لأنشطة تجارية تعاني الركود طوال بقية الأشهر، فإنه في المقابل يفرض ما يشبه العطلة الإجبارية على ممتهني حرف أخرى طيلة شهر الصيام...
إليكم 5 مهن يفرض رمضان على ممتهنيها عطلة إجبارية من 30 يوما:
1 – القهواجي
يعد الهقواجي، ونقصد به المالك والمسير والمستخدم في المقهى أو المطعم، خاصة تلك التي تتواجد في الأحياء الشعيبة بالمغرب، من بين أكثر القطاعات التي ينخفض رقم معاملاتها خلال رمضان، نظرا لما يفرضه شهر الصيام من تغيير في نمط عيش الناس، حيث يصيبها الركود هذه المشاريع طيلة النهار ولا تعود الحياة إلى بعضها إلا خلال سويعات قليلة عقب غروب الشمس.
ويقول مهنيون، يملكون ويسيرون مقاهي ومطاعم في الدار البيضاء، إن ما يفرضه رمضان من انخفاض المدخول، الذي يسمونه في المجال بـ« الروسيطة »، يضطرهم إلى منح عطلة قسرية لأغلب المستخدمين لديهم، وذلك تلافيا لتحمل الكثير من المصاريف، في ظل ضعف المداخيل التي لا تغطي سوى جزءا قليلا من النفقات اليومية المتعلقة بالمشروع.
وأوضح المتحدثون، في تصريحات متفرقة لـLe360، أن فرص العمل في مساءات رمضان لا تتجاوز ساعتين، حيث يلتحق الزبناء بالمقهى أو المطعم بعد الانتهاء من صلاة التراويح في الساعة التاسعة، فيما تلزم المقاهي والمطاعم بالإغلاق انطلاقا من العاشرة والنصف إلى الحادية عشر ليلا.
وقال بعضهم إن أغلبية المقاهي والمطاعم تتراجع مداخيلها في شهر رمضان بـ70 في المائة مقارنة بالأيام العادية، لذلك يفضل العديد من المهنيين أن يوصدوا أبواب مقاهيهم ومطاعمهم خلال شهر رمضان، بينما يستغل البعض الآخر الفرصة لإصلاح أو تجديد محلاتهم استعدادا لما بعد شهر الصيام.
وجوبا على سؤال طرحه Le360 على عدد من المستخدمين بقطاعي المقاهي والمطاعم حول كيف يقضون رمضان، تركزت إجاباتهم بين من يضع في حسبانه فترة الركود هاته فيعد لها العدة ليقضي عطلته السنوية، الإجبارية وغير المؤدى عنها، دون الحاجة إلى الاقتراض أو اللجوء إلى بيع أغراض البيت لتوفير المأكل والمشرب. وبين من يستغل الفرصة ليسافر إلى بلدته ليقضي مع أفراد عائلته شهر الصيام بعيدا عن صخب المدينة وفُحش وغلاء عيشها، وهكذا يقضون الفترة في التفرغ للعبادة وزيارة الأهل والأقارب.
أما الصنف الثالث من مستخدمي قطاعي المقاهي والمطاعم، فإن عبء المسؤولية يفرض عليهم البحث عن ممارسة أنشطة تجارية بديلة، تخول لهم إتمام شهر الصيام بأقل الأضرار.
2- مول الكاسكروط
بائعو « البيصارة » و« الشفنج » و« الحرشة » والسردين و« المعقودة » وغيرهم من أصحاب الأكلات السريعة.. يجدون أنفسهم خلال رمضان في مواجهة عطالة قسرية، بسبب البوار الذي يصيب نشاطهم التجاري نتيجة صوم الناس، ليل نهار، عن هاته الأكلات.
ويضطر ممارسو هذه المهن الصغيرة إلى اللجوء إلى بدائل غيرها لتدبر مصاريف الشهر الاستثنائي، مثلما يقول عبد الهادي، مسير محل لبيع الأكلات الشعبية الجاهزة بمركز مدينة الدار البيضاء، حيث يؤكد أنه يشرع في أواخر كل شعبان في تغيير معالم محله ليحوله، رغم ضيق مساحته، إلى ورشة لتحضير « الشباكية » وبعض الحلويات والفطائر التي يكثر عليها الطلب خلال رمضان.
وردا على سؤال حول ما الذي يجعله لا يستمر في مزاولة نشاطه كبائع للأكلات الجاهزة، يؤكدا عبد الهادي جازما، بلغة من خبر مجاله على مدى عدة سنوات، بأن بيع « الكاسكروطات » لن يجدي نفعا خلال رمضان، وذلك نظرا لضعف المدخول الذي لا يكاد يغطي –حسبه- حتى تكلفة التنقل من مسكنه بأحد الأحياء الهامشية بالمدينة المليونية إلى المحل الكائن بوسط الدار البيضاء.
أما ياسين، وهو صاحب محل لبيع الوجبات الخفيفة (طاكوس)، فقرر التوقف عن العمل خلال الأيام الأولى من رمضان، بعدما اكتشف صعوبة الاستمرار في ممارسة نشاطه في ظل قلة الإقبال على منتجاته.
وهكذا أغلق ياسين أبواب محله في اليوم الخامس من رمضان، وأجبر نفسه ومساعديه على قضاء عطلة إجبارية في بيوتهم في انتظار استعادة نشاطهم خلال فترة ما بعد رمضان.
3- مولات لمسمّن
كثيرات هن النساء اللواتي يمتهن تحضير الوجبات المتكونة من فطائر « لمسمن » أو « البطبوط » رفقة كؤوس الشاي الساخنة أو « زلايف الحريرة » مع البيض المسلوق، تجدهن يبكرن أمام مقرات المعامل والشركات في الأحياء الهامشية من المدن، قبل وصول العمال والمستخدمين، ليعرضن خدماتهن لفائدة الراغبين في سد رمقهم بوجبة إفطار ساخنة قبل الشروع في العمل.
« مي السعدية » امرأة ستينية دأبت منذ سنوات على ركن عربة مجرورة بمحاذاة البوابة الرئيسية لأحد المعامل الكبيرة بمنطقة الصخور السوداء. لا يمنعها كبر سنها من أن تخدم بخفة ونشاط، كل يوم باستثناء أيام العطل التي لا يشتغل فيها المعمل، جحافل العمال والعاملات الذين يتوافدون على عربتها تباعا طلبا للفطائر والمشروبات التي تتفنن في تحضيرها بإتقان.
وجوابا على سؤال حول ماذا تفعل خلال شهر الصيام، ردت « مي السعدية » بأنها تغير نشاطها إلى بيع بعض الفطائر التي تعدها بنفسها، وقالت إنها تعرض بأحد الأسواق الشعبية قرب بيتها بقيسارية الحي المحمدي، رغائف « البطبوط » و« البغرير » وبعض لوازم الحريرة خاصة الحمص المنقوع في الماء وعشبة « ألكرافص »...
وعند سؤالها حول ما إن كان هذا النشاط البديل يكفيها لتوفير مصروفها اليومي خلال رمضان، تجيب بعفوية المرأة البدوية القنوعة، مثنية على ما أنعم عليها الله، قائلة: « نحمدو الله ونشكروه.. اللهم ليك الحمد.. عايشين اوليدي بلي قسم الله ومعيشين وليداتنا باشما كان.. الحمد لله ما عدناش وما خصناش... ».
4- موالين الكرارص
يتعلق الأمر بأصحاب العربات المجرورة التي تعرض العصائر الطازجة في الشوارع والطرقات، وأيضا باعة المثلجات (بولو ولاباني)، وبائع « صايكوك »، وبائع الفول والحمص (طايب وهاري)، وكذا الذرة المقلية (الگلية) والمشوية (لكبال) والمسلوقة...
وحسب مجيد، وهو صاحب عربة لبيع العصائر بمنطقة الحي المحمدي بالدار البيضاء، فإن الإقبال على عصائره الطازجة يضعف خلال شهر رمضان مقارنة بباقي الليالي في أيام الإفطار، لكون الناس –حسبه- تكون في حالة شبع تام عقب وجبة الإفطار.
وهكذا يضطر مجيد كل سنة، وفق قوله، إلى استبدال الفواكه الطازجة التي يعتاد على عرضها فوق عربته قبل عصرها لزبائنه، إذ يضع مكانها أصنافا مختلفة من التمور وبعض المنتجات الغذائية المهربة، التي تلقى إقبالا خلال رمضان، وذلك في خطوة ضرورية منه لسد الفجوة التي تشق مدخوله اليومي في شهر الصيام.
5- التريتور
من بين المهن التي يصيبها الركود خلال رمضان، نجد أيضا ممون الحفلات والمهن المرتبطة بها، مثل النكافة والطباخ و« السّرباي »، إلى جانب أعضاء الفرق الموسيقية وحتى مصوري الأعراس ومؤجرو الملابس التقليدية...
ويقول نبيل، وهو ممون حفلات بحي عين السبع، إن الأنشطة والحفلات والأعراس تتوقف خلال شهر رمضان، الشيء الذي يجعل عجلة العمل تتوقف لدى غالبية منظمي الحفلات، خصوصا الصغار، باستثناء بعض الجنائز التي تتطلب –حسبه- تنظيم الولائم للمعزين.
وأضاف هذا الشاب أن غالبية الناس لا يفكرون في الحفلات والمناسبات خلال شهر رمضان حتى وإن تصادف هذا الأخير مع فترة الصيف، بل يفضلون تأجيل مناسبات الأفراح إلى حين انتهاء الشهر الفضيل.
أما المصورون والنكافات ومؤجرو الملابس التقليدية وبعض الفرق الفلكلورية، فإنهم يغطون على عطالتهم الإجبارية، بالعمل على تنظيم حفلات لفائدة الأطفال الذين يصومون لأول مرة، خاصة في العشر الأواخر من رمضان، وذلك وفقط طقوس وعادات احتفالية تختلف من منطقة إلى أخرى على امتداد أنحاء المملكة.