بعد مسطرة طويلة بدأت في مارس 2018، أصدر المركز الدولي لتسوية منازعات الاستثمار، وهو جهاز تابع للبنك الدولي، حكمه يوم الاثنين 15 يوليوز 2024 بإدانة المغرب بدفع غرامة قدرها 150 مليون دولار لصالح المجموعة السويدية كورال بتروليوم (Corral Petroleum) المملوكة للملياردير السعودي-الإثيوبي محمد العمودي، المساهم الأكبر بـ67 % في الشركة المغربية المجهولة الاسم للصناعة والتكرير المعروفة بـ« لاسامير ». هذا القرار النهائي قد يكون موضوعا لاستئنافات محددة: فلدى شركة كورال والدولة المغربية مدة 45 يوما لتقديم طلب بهدف الحصول على قرار إضافي أو تصحيح الحكم. وهو ما حصل بالفعل. فقد تم تسجيل طلب التصحيح من الطرفين يوم الثلاثاء 3 شتنبر لدى الكتابة العامة للمركز الدولي لتسوية منازعات الاستثمار.
وفي طلب التحكيم أمام الهيئة الدولية، اتهمت كورال المغرب بانتهاك « العديد من وسائل الحماية الممنوحة للشركة بموجب اتفاق الاستثمار الثنائي المبرم في عام 1990 بين السويد والمغرب »، مطالبة بتعويضات تصل إلى 2.7 مليار دولار..
ويتهم العمودي بشكل خاص الحكومة بتعمد عرقلة نشاط المصفاة بهدف مصادرتها والإسراع في تصفيتها ومن ثم تأميمها. ومن بين المآخذ، التي تظهر أن المغرب لم يحترم الجزء الخاص به في الاتفاق، نذكر تلك التي تدعي « التجميد التعسفي وغير القانوني للحسابات البنكية للاسامير » و »منع سفن النفط من الرسو بميناء المحمدية » أو حتى « عدم تطبيق الإجراءات اللازمة لضمان تنافسية لاسامير ».
وأخبرنا مصدر مقرب من القضية ومطلع على كواليس المركز الدولي لتسوية منازعات الاستثمار أنه تم تجنب الأسوأ بفضل حنكة المحامي هشام الناصري، الذي عينه المغرب في هذه القضية، وقبل كل شيء بفضل الانخراط الفعال لوزير الداخلية عبد الوافي لفتيت الذي تولى مسؤولية الملف. ومع ذلك، فإن جوهر المشكلة لا زال قائما، وهذه الغرامة لا ينبغي أن تشكل الشجرة التي تخفي الغابة، ناهيك عن التلويح بها على أنها شبه انتصار.
لأنه بخلاف مبلغ 1.5 مليار درهم الذي سيتعين على الخزينة العامة دفعه، هناك العشرات من مليارات الدراهم التي خسرها المغرب في هذا النزاع. وهكذا، فإن شركة لاسامير مدينة بما لا يقل عن 96 مليار درهم للدائنين المغاربة، حوالي 80 % منها مستحق للدولة، خاصة للجمارك ومكتب الصرف، والباقي للبنوك والممونين. ومن المستحيل ببساطة استرداد هذه المائة مليار درهم تقريبا. ومن هنا يطرح التساؤلان التاليان: كيف وصلنا إلى هذا الوضع؟ وقبل كل شيء، من المسؤول عن هذه الكارثة؟
أخنوش في مواجهة العمودي
في إطار النزاع بين المغرب وكورال حول لاسامير، اسم يظهر غالبا في المرافعات طوال المحاكمة: عزيز أخنوش. ووفقا للمصدر نفسه، فإن « الحجة الرئيسية لمحامي العمودي كانت التأكيد على أن أخنوش بذل قصارى جهده لضمان توقف المصفاة عن أنشطتها، وأنه حصل على أرباح كبيرة من هذا الإغلاق. ويشكل هذا الجانب إحدى نقاط القوة في مرافعات دفاع كورال ضد المغرب ».
مصدر آخر في وزارة معنية بهذا الملف يلخص الأمر بهذه العبارات: « حجة العمودي هو الموزع! »، في إشارة إلى عزيز أخنوش، المساهم الرئيسي في إفريقيا.
وتتقاطع هذه التصريحات مع تلك التي أدلى بها أمام المركز الدولي لتسوية منازعات الاستثمار المدير العام السابق للمصفاة جمال باعامر، ونقلتها مجلة جون أفريك. ففي مقال نشر يوم ثاني غشت الماضي كتبت المجلة قائلة: « كانت المجموعة (هيئة التحرير: كورال) قد تعرضت لضغوط من السلطات المغربية وعزيز أخنوش، صاحب مجموعة أكوا ورئيس الحكومة الحالي. وكدليل على ذلك، فشل صفقته في بدايات سنوات 2000 مع مجموعة أويسمين –سوميبي سابقا- والتي بيعت في عام 2005 لشركة أكوا، وهي شركة توزيع الهيدروكربونات التي كان يملكها رجل الأعمال مصطفى أمهال ». وأشار جمال باعامر إلى الشراكة التي أبرمت في دجنبر 2001 بين لاسامير ومجموعة أويسمين، والتي كانت شركة كورال تأمل من خلالها أن تتمكن من الحصول على موطئ قدم في قطاع التوزيع. وذكرت جون أفريك: « تمثلت الشراكة في إنشاء شركة سوميرجي (Somirgy)، التي كانت مملوكة بنسبة 40 % للمصفاة و60 % لشركة أويسمين. وفي المقابل، دخل مصطفى أمهال إلى رأسمال لاسامير بنسبة 5 % ».
وبعد بضعة أشهر فقط من إبرام هذا الاتفاق، قرر رئيس شركة أويسمين بيع حصصه في المصفاة.
وأشار المقال إلى « أن هذا الخروج فسر من قبل كورال على أنه نتيجة للضغوط التي مارستها جمعية النفطيين المغاربة وخاصة من طرف عزيز أخنوش، وعلى أنها محاولة لدفع لاسامير إلى ترك قطاع توزيع المنتجات البترولية ».
وليست هذه هي المرة الأولى التي يتم فيها ذكر اسم رئيس الحكومة بالاسم في قضية معروضة على تحكيم المركز الدولي لتسوية منازعات الاستثمار، والتي يطلب فيها من دافع الضرائب المغربي أداء الفاتورة المتعلقة بالتدبير الكارثي لملف لاسامير. وكان هذا هو الحال أيضا في قضية كارلايل.
ففي 22 غشت 2018، قدم صندوق الاستثمار الأمريكي كارلايل طلب تحكيم إلى المركز الدولي لتسوية منازعات الاستثمار ضد المملكة. ويتهم المغرب بحجز ونقل مخزون من المنتجات البترولية التابعة له، والتي كانت مخزنة في صناديق لاسامير قبل تصفيتها، والمسجلة بموجب حكم صدر في مارس 2016. وكتعويض، طالبت كارلايل الدولة المغربية بأداء مبلغ 404 ملايين دولار (أكثر من 3.9 مليار درهم)، وهو مبلغ يعادل قيمة النفط الضائع.
« أخنوش أبدى اهتمامه بشراء لاسامير »
وقال محامي كارلايل، إريك أوردواي، في مرافعته بتاريخ 31 يوليوز 2019: « أحد وزراء الحكومة المنخرطين في مفاوضات الموافقة على خطة لاسامير الاستثمارية، عزيز أخنوش، كانت له مصلحة شخصية ودافع تجاري في قرار إغلاق مصفاة لاسامير ».
وأضاف مستشهدا بمقال نشر في أكتوبر 2015 أن « أخنوش كان يملك شركة مغربية كبيرة لتوزيع المحروقات ويمكن أن يرغب في شراء لاسامير في حال تصفيتها ».
وفي هذه الوثيقة نفسها، نجد أن « جورج سالم، عضو مجلس إدارة لاسامير، وعبد الرحيم العزوزي، مدير شركة إنترتك المغرب، صرحا لكارلايل أنهما يعتقدان أن أخنوش أبدى اهتماما بشراء لاسامير ».
وأمام المركز الدولي لتسوية منازعات الاستثمار، سلط محامو كارلايل الضوء أيضا على مبادرة المساهم الأكبر في لاسامير، محمد العمودي، الذي حاول ضخ عدة مئات الملايين من الدولارات من أجل السماح للمصفاة بمواصلة العمل والسماح لكارلايل باسترداد كل أو جزء من استثماراتها.
وأكد المحاميان الأمريكيان إيريك أوردواي ولوري باينز في مرافعة أخرى بتاريخ 31 يوليوز 2018 أن « المغرب لم يقبل أبدا هذا الاقتراح » و »اتخذ إجراءات منعت أي إعادة رسملة أو إعادة هيكلة لشركة لاسامير ».
وهنا مرة أخرى، لا يتردد دفاع كارلايل في الكشف عن أهداف رئيس مجموعة أكوا. وواصل نفس المصدر أن « الصحافة المغربية تتوقع من خلال تقاريرها أنه في حال تصفية لاسامير فإن المصفاة ستنتهي في أيدي أفريقيا، وهي شركة وزير الفلاحة أخنوش »، مستشهدا بتصريح لرئيس الحكومة السابق، عبد الإله بنكيران، الذي أعلن أمام مجلس المستشارين في يناير 2016 أن « السلطات اتخذت قرارا بالإجماع بوضع حد للسيطرة الأجنبية على لاسامير ». بالنسبة لكارلايل، فإن هذه الوقائع تظهر أن « الاستيلاء على أصول لاسامير لم يكن عرضيا، بل يعكس تفضيل المغرب نقل السيطرة على المصفاة إلى مستثمر مغربي ».
وإذا كانت الحكومة المغربية قد تجاهلت الاتفاق الودي، المكلف بالتأكيد، والذي أدى إلى تعليق ثم إغلاق مسطرة التحكيم الذي باشرتها كارلايل في شتنبر 2022، فإنه كان من الصعب القيام بالشيء نفسه في إطار النزاع مع العمودي، نظرا للمبلغ الهائل الذي كان يطالب به (2.7 مليار دولار) وعشرات المليارات من الدراهم التي يدين بها لاسامير لدائنيه المغاربة. إن التوصل إلى اتفاق ودي مع العمودي يعني قبول عدم إمكانية استرداد المليارات المستحقة على لاسامير للجمارك وإدارة الضرائب. وعلى أية حال، فإن الحكم على الدولة المغربية من قبل المركز الدولي لتسوية منازعات الاستثمار بأداء 150 مليون دولار يجعل عشرات مليارات الدراهم المستحقة للأطراف المغربية غير قابلة للاسترداد بحكم الأمر الواقع.
إن القرار الصادر عن المركز الدولي لتسوية منازعات الاستثمار تطرح تساؤلات على جميع المستويات وتدفع إلى إعادة النظر بشكل جذري في قضية لاسامير، من أجل معرفة درجة تورط جميع المسؤولين الذين تعاقبوا على تدبير هذا الملف، منذ الخوصصة في عام 1996 حتى الحكم الذي أصدرته الهيئة التحكيمية في يوليوز الماضي.
بعد مرور أكثر من 28 عاما على خوصصتها في ظروف أقل ما يقال عنها أنها غامضة، لا تزال عملية بيع لاسامير لمجموعة كورال تثير العديد من الأسئلة التي لا تزال دون إجابة. وكانت التصريحات التي أدلى بها أعضاء الحكومة آنذاك، وعلى رأسهم المرحوم عبد اللطيف الفيلالي، ولا سيما وزير الخوصصة المرحوم عبد الرحمان السعيدي (المفارقة هو أنه أصبح مديرا عاما لشركة لاسامير من 2001 إلى 2004)، كلها ثناء على الملياردير السعودي، الذي تم تقديمه حينها على أنه رائد التكرير، بينما كانت مجموعته لا تزال ناشئة وبدون خبرة حقيقية في قطاع المحروقات.
وهكذا تم « منح » لاسامير إلى العمودي على طبق من فضة، مقابل مبلغ متواضع قدره 4 مليارات درهم (380 مليون أورو)، في إطار صفقة بالتراضي، دون إجراء طلب عروض، ودون السعي للحصول على موافقة اللجنة المختصة بالخوصصة –وهو إجراء إلزامي- طبقا للقانون رقم 89-39 الذي يسمح بنقل الشركات العمومية إلى القطاع الخاص.
الخطأ الكبير الثاني يتمثل في كون الدولة منحت العمودي حق احتكار قطاع تكرير النفط في المغرب، إلى جانب الحماية الجمركية لمدة 5 سنوات. وفي المقابل، تعهد رجل الأعمال السعودي-الإثيوبي باستثمار ما يصل إلى 4.6 مليار درهم لتحديث أدوات الإنتاج، وقبل كل شيء، مواءمتها مع المعايير البيئية الدولية. وأكد محلل مالي ومختص في مجال الطاقة والذي تابع التطور الكارثي لأسهم لاسامير في بورصة الدار البيضاء قائلا: « لم يستثمر درهما واحدا. كان يضخ، ويستخرج ما استطاع أن يستخرجه، دون أن يستثمر درهما واحدا في تطوير المصفاة. واستمرت هذه الأخيرة في تسميم المغاربة بالديزل الذي يحتوي على نسبة عالية من الكبريت، حوالي 10000 جزء في المليون، في حين أنه ينبغي أن يحتوي على 50 جزءا في المليون فقط ».
وعندما انتهت مدة خمس سنوات، كان من المفترض أن تتدخل حكومة جطو، التي كانت مسؤولة آنذاك، وتطالب العمودي بتحمل مسؤولياته، وتذكيره بخروقاته التي لا تعد ولا تحصى لدفتر التحملات والعمل على فتح السوق المغربية. لم يحدث أي شيء من ذلك. وبدلا من ذلك، قامت السلطة التنفيذية، على نحو متناقض، بتمديد مدة الحصرية والعفو البيئي، دون الحصول على أي شيء في المقابل. وبحجة نيته استثمار 6 مليارات درهم هذه المرة، واصل العمودي الاستفادة من هذه الحماية التي تجبر جميع شركات النفط المحلية على الحصول على الإمدادات من لاسامير.
لماذا تصرف إدريس جطو بهذه الطريقة؟ ما هو المقابل غير المعلن عنه؟ يعتقد البعض أن الحكومة أرادت بأي ثمن درء شبح النقص وضمان الأمن الطاقي للبلاد، من خلال ضمان استمرارية نشاط لاسامير. « كانت القدرات التخزينية لدى الموزعين لا تزال محدودة، مما جعل من المستحيل تأمين إمدادات طبيعية للسوق »، يوضح أحد الخبراء في الطاقة، مذكرا بحادثة الحريق الهائل الذي دمر جزءاً كبيرا من منشآت لاسامير، يوم 25 نونبر 2002. مرحلة محورية، إذ أنه في أعقاب هذه الحادثة قامت الدولة بتعليق الرسوم الجمركية على المحروقات، مما سمح لشركات النفط بالحصول على الإمدادات بحرية من الخارج للاستجابة بشكل جزئي، في بداية الأمر، لاحتياجات السوق.
اتفق غالبية الأشخاص، الذين حاورهم Le360 بشأن هذه القضية، على مصطلح « عديم الضمير » لوصف العمودي. وبدلا من تصحيح الوضع والوفاء بالتزامه الوارد في اتفاق الاستثمار الموقع مع الوزير الأول إدريس جطو، فضل رجل الأعمال السعودي المماطلة، وقام مرارا وتكرارا بتأخير المواعيد النهائية للمساهمة بحصته التعاقدية في تمويل هيدركراكر (hydrocraker) بقيمة 1.2 مليار درهم. ونتيجة لذلك، شهد تسليم المشروع تأخيرا كبيرا، مما أدى إلى مضاعفة تكلفته، لتتجاوز 12 مليار درهم، حيث تم أخيرا سحب حصة لاسامير من ميزانية الاستغلال للمصفاة. ولتضخيم ديون لاسامير، ربما لم تكن هناك طريقة أفضل من ذلك.
تلاعبات محاسباتية
لكن ذلك لم يكن سوى الجزء الظاهر من جبل الجليد. وبعيدا عن كل رقابة، تدهور الوضع المالي للمصفاة بشكل تدريجي، إلى درجة تراكم، في ظل حكومة بنكيران الأولى، ما يقرب من 9.5 مليار درهم في شكل قرض الحيازة أو الرسوم والضرائب التي كانت تستجمعها شركة لاسامير ولم تحولها لخزينة الدولة. « يمثل هذا المبلغ المذهل ما يقرب من 20 % من مداخيل الدولة من الضريبة على القيمة المضافة على الواردات والرسم الداخلي على منتجات الطاقة والرسوم الجمركية. إن مثل هذا التركيز للمخاطر على شخص واحد يشكل خطأ جسيما من جانب الإدارة الضريبية التي يجب أن تكشف الأسباب التي دفعتها إلى الترخيص بهذا المستوى من المخاطر وبيان هوية المقررين الذين أصدروا هذا الترخيص، سواء على مستوى إدارة الجمارك والضرائب المباشرة أو على مستوى وزارة الاقتصاد والمالية (التي كان يرأسها آنذاك نزار بركة، وزير التجهيز والماء الحالي، ملاحظة المحرر) »، يؤكد تقرير صادر عن الجبهة الوطنية للحفاظ على لاسامير.
وأشارت الجمعية إلى مسؤولية مدققي الحسابات، وفي هذه الحالة مكتبي « KPMG » و »Price Waterhouse Coopers »، اللذين التزما الصمت في مواجهة « التلاعبات المحاسباتية » العديدة التي ارتكبها مسؤولو المصفاة. وهو أمر مؤسف بالنسبة لشركة مدرجة في البورصة... وتابع المصدر ذاته قائلا: « الشركة لم تنبه السوق لنتائج 2013، في حين أن لم يصدر تحذير الأرباح المتعلق بالسنة المالية ، الذي أعلن عن خسارة 3.4 مليار درهم، إلا في وقت متأخر جدا، خلال شهر دجنبر 2014، أي قبل أيام قليلة من نهاية السنة المالية ». وعبرت الجمعية عن استغرابها قائلة: « كانت هذه التصرفات موضوع تحذير رسمي من قبل مجلس أخلاقيات القيم المنقولة (الذي أصبح يسمى الهيئة المغربية لسوق الرساميل، ملاحظة المحرر)، والذي يمكننا أن نتساءل بشكل مشروع بشأن الإرادة الحقيقية في معاقبة المخالفين ».
ونظرا لعدم قدرته على سداد ديونه (حددت المحكمة التجارية ما يقرب من 400 دائن)، حاول محمد العمودي كسب الوقت من خلال مضاعفة الوعود، خاصة لمحاوريه داخل حكومة بنكيران الثانية، محمد حصاد (الداخلية)، محمد بوسعيد (المالية) وعبد القادر عمارة (الطاقة). استدعاه هذا الثلاثي مرتين لتوبيخه وحثه على إعادة الأمور إلى مسارها الصحيح وأداء ديون المصفاة. مجهودات ذهبت سدى.
ويمثل يوم خامس غشت 2015 نقطة تحول في تطور قضية لاسامير. وبناء على طلب الجمارك، أمرت العدالة بالحجز الوقائي على الأصول البنكية للمصفاة. وكإجراء « انتقامي »، فاجئ العمودي السوق وأعلن وقف الإنتاج بشكل كامل، مما أجبر المغرب على استيراد كافة احتياجاته من الوقود، والتي تقدر بنحو 300 ألف برميل يوميا.
ومع ذلك، فقد أدى الوضع إلى تحسين نشاط شركات النفط المحلية، التي أصبح مسموحا لها الآن بالحصول على 100 % من إمداداتها من الخارج، من الممون الذي تختاره، وبأسعار مناسبة في كثير من الأحيان، في حين كان عليها حتى ذلك الحين الالتزام بالحصول على الإمدادات من لاسامير.
اختلالات مالية لا رجعة فيها
في 21 مارس 2016، حكم القضاء بتصفية لاسامير، وعللت المحكمة قرارها بوجود اختلالات مالية لا رجعة فيها، وعدم قدرة الشركة على الوفاء بالتزاماتها بسبب ديونها التي تتجاوز أصولها بكثير.
« في محاولة يائسة في اللحظة الأخيرة، أرسل الشيخ العمودي رسالة إلى المحكمة، عبر محاميه، تعهد فيها بضخ 680 مليون دولار في حسابات المصفاة، إذا تم إلغاء قرار التصفية التي أعلنته المحكمة الابتدائية. ولم يكن هذا الوعد بإعادة رسملة الشركة مصحوبا بأي ضمان بنكي أو أي مستند يشهد على توفر الأموال وضخها في حسابات لاسامير. وأصبح الإعلان عن التصفية نافذا بقرار محكمة الاستئناف التجارية بالدار البيضاء الصادر في يونيو 2016″، يؤكد تقرير صادر عن الجبهة الوطنية للحفاظ على لاسامير.
وبمبادرة من البنوك الدائنة (الشركة العامة والبنك الشعبي المركزي والبنك المغربي للتجارة والصناعة وبي إن بي باريبا)، تم توسيع إجراءات التصفية لتشمل مسؤولي المصفاة. ويتعلق الأمر بمحمد العمودي، وجمال باعامر، وبسام أبوردينة، وجاسون ميلازو، ولارس نيلسون، وجون أوزولد، وجورج سالم، وغازي محمد حبيب، ومحمد حسن بن صالح، ومصطفى أمهال. وتضم القائمة أيضا الممثلين القانونيين لمجموعة كورال، وشركة لاسامير الفندقية، وشركة « TSPP » و« SDCC » وشركة سلام غاز.
من المستفيد من الجريمة؟
بعد القرار التحكيمي للمركز الدولي لتسوية منازعات الاستثمار، برئاسة الإيطالي-البريطاني لوكا راديكاتي دي بروزولو، ارتفعت الأصوات للمطالبة بتحديد مسؤولية الوزراء المتورطين في هذه القضية، وعلى رأسهم رئيس الحكومة والرئيس السابق القوي لجمعية النفطيين المغاربة، عزيز أخنوش.
ويشتبه في كون هذا الأخير قد ألقى بكل ثقله لضمان عدم التوصل إلى تسوية ودية في قضية لاسامير واستمرار الوضع الراهن حتى وصلت الأمور إلى ما وصلت إليه. ويؤكد محيط العمودي أنه « بمجرد اندلاع أزمة لاسامير، انقض أخنوش كالنسر على فريسته، وفعل كل ما في وسعه لمنع حلها ». وبحسبهم، كان الدافع واضحا: إغلاق لاسامير سيسمح لشركات النفط بالحصول على الإمدادات من الخارج، والحصول على العملة الأجنبية، وبالتالي زيادة هامش الربح.
والأسوأ من ذلك، أن الحكومة دفعت باتجاه تصفية لاسامير، وهو القرار الذي اعتبره العديد من الحقوقيين المطلعين غير مسؤول و »غير ناضج ». لأن الدولة المغربية بذلك القرار تكون قد أقرت قانونيا أنها لم تعد تعطي مصداقية لإمكانية إعادة تشغيل المصفاة. تصرف استغله الطرف الخصم أمام هيئة التحكيم الدولية. وأكد مصدر مقرب من الملف قائلا: « في مرافعات محامي العمودي، تكرر أن أخنوش فعل كل شيء من أجل تصفية لاسامير، حتى لا يضطر مرة أخرى إلى التزود منها».
إقرأ أيضا : «لاسامير».. بدون وجه حق.. المستثمر السعودي محمد العمودي يطالب المغرب بـ27 مليار درهم كـ«تعويض»
بمعنى آخر، من الناحية القانونية، أصبحت الدولة المغربية مخطئة بقرارها تصفية لاسامير. من المؤكد أن العمودي كان يتصرف كشخص عديم الضمير، يكثر من الوعود الكاذبة والالتزامات التعاقدية التي لا يحترمها، لكنه كان يتمتع بالذكاء اللازم لإحاطة نفسه بمحامين جيدين. في المقابل، في الجانب المغربي، لا يبدو أن أحدا يشعر بالقلق من التداعيات القانونية لمثل هذا القرار. واعتبر محمد حصاد، الذي أدار هذا الملف حين كان وزيرا للداخلية، أن الدولة المغربية أمام تماطل مقاول مثل العمودي، كانت محقة في قراراتها, فهل يعفيه ذلك من طلب المشورة القانونية المتخصصة المناسبة لهذه الوضعية؟ لأن الحكومة انتظر إلى سنة 2019، أي بعد أن وقعت الفأس فر الرأس، لتقرر تكليف هشام الناصري بالدفاع عن مصالحها في قضية لاسامير. ومما يزيد من صعوبة فهم هذه اللامبالاة هو أن المركز الدولي لتسوية منازعات الاستثمار معروف بأنه أحد أصعب الهيئات التحكيمية بالنسبة للدول.
فاتورة بـ125 مليار درهم
في مقابلة مع Le360، أشار إدريس بنهيمة، وزير الطاقة في حكومة الفيلالي الثالثة (1997-1998)، بوضوح إلى أن « قبول اللجوء إلى المركز الدولي لتسوية منازعات الاستثمار هو خطأ متكرر من جانب السلطات العمومية المغربية في التفاوض على عقودها الدولية »، مضيفا أن هذه الهيئة القريبة من البنك الدولي « تتمتع بسمعة كونها مؤيدة إلى حد ما للمصالح الخاصة على حساب مصالح الدول في قرارات التحكيم التي تصدرها ».
والآن، ما حدث قد حدث، وكما يقول المثل المغربي، « البكا ورا الميت خسارة ». سيكون على الدولة المغربية أن تأخذ علما باختفاء 55 مليار درهم من الغرامات غير المسددة على مخالفات قانون الجمارك (37 مليار درهم) وأنظمة الصرف (18.7 مليار درهم). وينطبق الشيء نفسه على ديون بقيمة 16.7 مليار درهم (ضرائب غير مدفوعة) و9.5 مليار درهم (قرض الحيازة) مستحقة لإدارة الجمارك. أضف إلى ذلك الغرامة التي فرضها المركز الدولي لتسوية منازعات الاستثمار (حوالي 1.5 مليار درهم)، ومبلغ الديون البنكية للمصفاة (حوالي 20 مليار درهم)، وتدهور أدواتها الإنتاجية (أصول تقدر قيمتها بـ22 مليار درهم)، وهنا نتجاوز فاتورة قيمتها 125 مليار درهم، أو حوالي 9 % من الناتج الداخلي الخام للبلاد! من يجب أن يتحمل مسؤولية هذا الهدر الفاحش؟
خلال هذا الوقت، اغتنت شركات النفط بشكل كبير، وعلى رأسها الشركة رقم واحد في السوق. لقد ازدهرت أعمال عزيز أخنوش بالفعل وزادت ثروته الشخصية بشكل كبير، إلى حد أنه أصبح في قائمة فوربس للمليارديرات في القارة الإفريقية. ويقول مثل آخر « مصائب قوم عند قوم فوائد ». ولا شك أن دافعو الضرائب المغاربة يعرفون في أي معسكر يوجدون...