في الماضي، كان ميناء الجزيرة الخضراء هو الميناء الرائد في البحر الأبيض المتوسط. كان ممرا ضروريا للشحن البحري بين البحر الأبيض المتوسط والمحيط الأطلسي. ولكن منذ عام 2007، أي منذ إنجاز ميناء طنجة-المتوسط، تم إنهاء هذه الهيمنة. ففي غضون سنوات قليلة فقط، أصبحت هذه البنية التحتية الضخمة مركزا عالميا للشحن ومنطقة عبور أساسية للروابط المختلفة في سلسلة الخدمات اللوجستية البحرية.
بمرور الوقت، تمكن ميناء طنجة-المتوسط من الإطاحة بالميناء الإيبيري. وعزز عام 2023 ريادته في حوض البحر الأبيض المتوسط، حيث تمت معالجة أكثر من 8.61 مليون حاوية نمطية، بزيادة 13.04% مقارنة بعام 2022. والأكثر من ذلك تفوق ميناء مدينة البوغاز على منافسه الإسباني الذي عالج ما يقرب من 4.7 مليون حاوية نمطية خلال الفترة نفسها.
وفي عام 2023، أصبح الميناء المغربي رابع أفضل ميناء حاويات أداء في العالم، وفق مؤشر أداء موانئ الحاويات العالمي لعام 2022 الذي نشره البنك الدولي و«S&P Global Market Intelligence». لكن الجزيرة الخضراء لا تقف مكتوفة الأيدي.
مدريد تعبئ وسائل ضخمة
ريادة ميناء طنجة-المتوسط تثير حفيظة مدريد التي تتحرك بتعبئة موارد هامة. ذلك أن الحكومة الإسبانية تبذل كل ما في وسعها لتمكن ميناء الجزيرة الخضراء من العودة إلى السباق. يوم فاتح فبراير، أي بعد يومين من الإعلان عن النتائج المالية القياسية التي حققها ميناء طنجة-المتوسط سنة 2023، أعلن وزير النقل الإسباني، أوسكار بوينتي، خلال زيارة للميناء الأندلسي، عن استثمار عمومي بقيمة 1.775 مليار أورو لتعزيز قدرتها التنافسية اللوجستية وجعله جسرا إلى أوروبا والبحر الأبيض المتوسط.
كما أكد هذا الاستثمار الهام رئيس سلطات ميناء الجزيرة الخضراء، جيراردو لاندالوسي، خلال مائدة مستديرة حول الارتباط البحري بين ميناء طنجة-المتوسط وميناء الجزيرة الخضراء، نظمت يوم الأربعاء 6 مارس في الدار البيضاء من قبل سلطات ميناء طنجة-المتوسط وسلطات ميناء الجزيرة-الخضراء والجمعية المغربية للمصدرين. ووفقا له، فإن «الهدف هو ربط الميناء بشبكة من الموانئ والمناطق اللوجستية الإسبانية التي تصل إلى منطقة سرقسطة، على بعد 966 كلم من الجزيرة الخضراء».
ذريعة «المنافسة غير الشريفة» الواهية
تتخفى بعض جماعات الضغط في مدريد وراء خطر زيادة هيمنة ميناء طنجة-المتوسط في البحر الأبيض المتوسط، من خلال إطلاق نظام تداول الانبعاثات من قبل الاتحاد الأوروبي. هذا النظام، الذي أطلق في فاتح يناير من السنة الجارية، سيؤدي إلى فرض ضريبة على أحجام الغازات الدفيئة المنبعثة كل عام من شركات الشحن في الاتحاد الأوروبي. ومع ذلك، فإن الميناءين خارج أوروبا مثل طنجة-المتوسط وبورسعيد في مصر معنيان هما أيضا بهذا النظام، لأنهما مدمجان فيه. وهذا ما قررته المفوضية الأوروبية التي أدرجت طنجة-المتوسط وبورسعيد، وهما مركزان أساسيان للشحن، في نظام تسعيرة الكاربون بالنسبة لسفن الاتحاد الأوروبي.
أطراف إسبانية تريد أن توهم الناس بالعكس. خلال نشاط نظمته إذاعة «فالنسيا كادينا سير»، يوم الجمعة 8 مارس في فالنسيا، حذر أوسكار بوينتي من المنافسة القوية من الموانئ المغربية والتي، حسب قوله، ستؤثر بشكل خاص على فالنسيا والجزيرة الخضراء الخاضعتين لهذه الأنظمة الأوروبية. وقال: «إذا لم نقم بتطوير وزيادة طاقتنا، فإن موانئ مثل الناظور وطنجة-المتوسط ستفعل ذلك، وسنفقد هذه الإمكانات الاقتصادية»، موضحا أن هذين الميناءين «لا يخضعان للأنظمة البيئية الأوروبية من خلال نظام تداول الانبعاثات».
الرسم البيئي للاتحاد الأوروبي: طنجة المتوسط معني
وبالفعل، في اليوم التالي لدخول هذا الرسم البيئي حيز التنفيذ، أكد جيراردو لاندالوسي، في تصريح لصحيفة «أوروباسور» الإسبانية اليومية، أن هذا الإجراء من شأنه أن يؤدي إلى «خسارة كبيرة للغاية في القدرة التنافسية» للموانئ الأوروبية، ويمكن أن يشجع على «تحول في حركة المرور إلى موانئ أخرى، مما يعرض مناصب الشغل ونشاط الموانئ للخطر وتدبير سلاسل الخدمات اللوجستية في الاتحاد الأوروبي». ووفقا له، فإن هذا النظام يضع الموانئ الأوروبية في «وضعية غير مواتية مقارنة بالموانئ الموجودة في بلدان ثالثة مثل المغرب»، في إشارة إلى طنجة-المتوسط. ولكن من الواضح أنه لا يوجد شيء أبعد عن الحقيقة وأن طنجة-المتوسط سيخضع للرسوم نفسها وبالتالي يجب أن تكون أكثر قدرة على المنافسة ليتمكن من الحفاظ على ريادته.
هذا هو الرهان الكبير. ومع ذلك، فإن العودة في الأفق لميناء الجزيرة الخضراء يجب أن تنبهنا إلى المنافسة المتزايدة يوما عن يوم. يجب على ميناء طنجة-المتوسط، ولكن أيضا وقبل كل شيء الدولة المغربية، أن يستعدا منذ اليوم لهذا الأمر.