تفصلنا لحظات قصيرة عن التجمع الكبير والغفير أمام القناة التلفزية الرياضية، أي القناة الثالثة للشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة العمومية والمخصصة للرياضة، التي انتزعت حقوق النقل المباشر لمباريات أسود الأطلس في بطولة كأس الأمم الأفريقية (الكان 2023) التي تقام حاليا في ساحل العاج. كل المغاربة لديهم حلم واحد: الفوز بالكأس التي ضيعناها مرات عديدة. التضخم سينتظر، وإضراب الأساتذة تم تناسيه، ورمضان القادم يبدو بعيدا، وحتى فضيحة بعيوي-الناصري التي هزت البلاد توارت إلى الخلف. أولئك الذين يستطيعون ذلك موجودون بالفعل في مكان ما بين أبيدجان وسان بيدرو. أما الآخرون، الذين يقدر عددهم بعشرات الملايين، فتلتصق أعينهم بشاشات التلفاز، يدققون في أدنى خبر أو جدل أو إصابة أو غيرها من التصريحات المتعلقة بالمنتخب الوطني.
عندما يحين وقت مباراة أسود الأطلس، لا يوجد ظل قطة يتجول في شوارعنا. وهو أمر جيد للمعلنين، الذين يتجادلون حول تعريف وقت الذروة، ومضاعفة إبداعهم، ولكن أيضا، وقبل كل شيء، ميزانياتهم الإشهارية حتى يكون لهم حضور عندما يكون جميع الزبناء المحتملين يتفرجون. ومن هو ذاك المعلن الذي لا يفوته أحد في مثل هذه المناسبة، والذي يعود بشكل متكرر تقريبا في بداية كل مباراة، بين الشوطين وفي النهاية؟ الجواب: «ياسر».
الاسم حلو، « جذاب »، و« سهل ». والزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، الذي كان اسمه الأول، قام بالفعل، عن غير قصد، بالمهمة من خلال ضمان سمعته وسهولة حفظه ونجاحه. التأثير مضمون ومجاني. لكن هل نعرف حقا «ياسر»؟
إنه تطبيق بديل للنقل الحضري (المشهور باسم VTC)، ولكنه أيضا خدمة توصيل سريع للوجبات والتسوق. من حيث الابتكار بالمعنى الدقيق للكلمة، «ياسر» يقدم شيئا قديما في حلة جديدة، ولكن من وجهة نظر تسويقية، حقق نجاحا باهرا!
قصة نجاح في أرض الإخفاقات المتتالية
حسنا، ما الذي يميز «ياسر»؟ أصله. «ياسر» هو تطبيق جزائري 100 %. فـ«ياسر» هو في الواقع اسم تطبيق أطلقته شركة « YA Technologies » في الجزائر العاصمة في شتنبر 2017، على نظامي أندرويد وإي أو إس. هذا النظام، الذي تم تطويره من قبل مهندسين جزائريين، نور الدين الطيبي ومهدي يطو، أحدث ضجة كبيرة في بلد الجنرالات، مع عجز مزمن في وسائل النقل العمومي، قبل أن يكتسب شعبية في جميع أنحاء المغرب الكبير وخارجه.
في عام 2023، أصبح التطبيق موجودا في تسع دول (الجزائر وألمانيا وكندا وساحل العاج وفرنسا والمغرب والسنغال وتونس وجنوب أفريقيا) و50 مدينة، حيث يضم أكثر من 5 ملايين مستخدم.
وفي منطقة المغرب الكبير على وجه الخصوص، يسيطر «ياسر» على 80 % من سوق النقل حسب الطلب. سبب النجاح: جمع رؤوس أموال مثير للإعجاب بنحو 30 مليون دولار في نهاية عام 2021 من مستثمرين أمريكيين. بل الأكثر من ذلك، أن الشركة الناشئة أعلنت في 7 نونبر 2022 أنها جمعت نحو 150 مليون يورو لتمويل توسعها في إفريقيا وحول العالم، مؤكدة أنها أصبحت، في ذلك الوقت، « الشركة الناشئة الأكثر قيمة في شمال أفريقيا وواحدة من الشركات الأكثر قيمة في أفريقيا والشرق الأوسط ».
وفضلا عن ذلك، في 11 غشت 2023، أعلن باريس سان جيرمان والشركة الجزائرية الناشئة عن توقيع عقد شراكة لمدة ثلاثة مواسم. وسيجلب إجمالي 15 مليون يورو للنادي الباريسي. دعونا نعترف بأن شراء مساحة إعلانية على قناة تلفزيونية مغربية في وقت الذروة، في خضم الكان، هو بصراحة ليس كثيرا.
ما يلفت النظر ليس هو النجاح الباهر والصحي الذي حققه «ياسر» في منطقة تفتقر بشدة إلى نماذج النجاح. وفي الأوقات العادية، على العكس من ذلك، لا يسعنا إلا أن نبتهج بوجود شركات في شمال إفريقيا قادرة على إلهام رواد الأعمال الشباب. والأمر الأكثر إثارة للدهشة هو أنه في الوقت الذي يزدهر فيه التطبيق الجزائري بالمغرب، فإنه يستفيد من مناخ أعمال شفاف وإطار تشريعي يقدم العديد من الضمانات وسوق مفتوحة يفوز فيها الأفضل، دون النظر إلى أصل الشركة، في حين أن الجارة الجزائر تشن حربا حقيقية على كل ما يحمل عبارة « صنع في المغرب ». منذ وصول الثنائي تبون وشنقريحة إلى السلطة، تم تنفيذ حملة مطاردة حقيقية ضد الشركات المغربية القائمة في الجزائر بهدف معلن، ولكن من الواضح أنها لم تنجح، وهو الإضرار باقتصاد المملكة. لقد بدأت بتطهير جميع الأطر والمدراء المغاربة في كبريات الشركات الجزائرية. ويعرف عبد الحق المنصور شيئا عن ذلك، وهو الذي تمت إقالته في ماي 2021 من منصب المدير العام لشركة الأمانة للتأمينات، وهي شركة جزائرية مملوكة بنسبة 51 ٪ لبنكين جزائريين وشركة تأمين عمومية و49 ٪ لتعاضدية تأمين التجار والصناعيين في فرنسا، وهي مجموعة فرنسية للتأمينات.
المعاملة بالمثل؟
وقبل ذلك بوقت قصير، في أبريل من العام 2021، أتحفنا عبد المجيد تبون بـ »القرار الرئاسي رقم 1″، والذي تم توزيعه على جميع أعضاء الحكومة، وعلى رأسهم عبد العزيز جراد، والذي صدر فيه الأمر بفسخ جميع العقود التي تربط شركات الجزائر مع الشركات المغربية على وجه الخصوص. وذكر المغرب بالاسم في النص. وأعطى عبد المجيد تبون نفسه مهلة عشرة أيام للشركة الجزائرية للتأمين وإعادة التأمين والشركة الجزائرية للتأمين لقطع جميع العلاقات مع الشركة المغربية الناشئة « Orsys Communication » التي طورت برنامج أوراس (Orass) الذي يضمن تدبيرا لا مركزيا للعمليات التقنية للتأمين من خلال الجمع بين العديد من وظائف الدعم في خدمة الفاعلين في التأمين.
وبرر قصر المرادية حينها قراره بضرورة عدم ترك البيانات الحساسة في أيدي اللوبيات المعادية للجزائر. وفيما يتعلق «ياسر»، ماذا يمكننا أن نقول عن البيانات الشخصية لملايين المغاربة التي يجمعها التطبيق؟ لنتجاوز الأمر.
إن الإجراءات التي تهدف إلى « كسر المغرب » كثيرة. ونشير إلى قرار يوم 22 شتنبر 2021 يمنع كافة الطائرات المدنية والعسكرية المغربية وكذا الطائرات المسجلة بالمملكة من عبور الأجواء الجزائرية. ومن الواضح أن هذا الإجراء كان يهدف إلى ضرب الخطوط الملكية المغربية. ولكن عندما نعلم أن 15 خدمة من خدمات الخطوط الجوية الملكية المغربية بالكاد تمر عبر الدولة المجاورة (من أصل 80 خدمة) وأن رسوم الطيران الجزائري كانت تعتبر مرتفعة للغاية، فإن القرار فشل في تحقيق مبتغاه. ونتذكر أيضا 31 أكتوبر 2021، عندما أمر عبد المجيد تبون نفسه المجموعة العامة سوناطراك بعدم تجديد عقد خط أنابيب الغاز المغاربي-أوروبا الذي يمر عبر المغرب لتوصيله إلى إسبانيا. لقد مرت بضعة أشهر على قطع الجزائر علاقاتها الدبلوماسية مع المغرب في نهاية غشت. لم يخف الجيران فرحتهم برؤية « التريسينتي » (الكهرباء) مقطوعة في المغرب والمغاربة يشنون حربا أهلية من أجل الطبخ أو التدفئة. لم يحصل هذا على الإطلاق، والبؤس واضح بشكل جلي في الجارة الشرقية.
إهانة المستقبل أم لا؟
العلامة الأخيرة على الجنون الغاضب، والدليل أيضا على كل من الكراهية العميقة والعجز التام، حدثت في 10 يناير 2024. كان ذلك عندما قامت جمعية البنوك والمؤسسات المالية، وهي الجمعية التي تم استخدامها في عام 2022 لقطع العلاقات الاقتصادية بين الجزائر وإسبانيا، في أعقاب الدعم الذي قدمته مدريد لمخطط الحكم الذاتي المغربي في الصحراء، استغلت مرة أخرى لمنع فاعليها الاقتصاديين من القيام بأي عملية إعادة شحن أو عبور عبر الموانئ المغربية. وجاء في بلاغ الجمعية الجزائرية: « نتشرف بإبلاغكم أنه في سياق عمليات التجارة الخارجية، تقرر رفض أي عملية توطين لعقود النقل التي تنص على إعادة الشحن/العبور عبر الموانئ المغربية ». وإذا كان صحيحا أن شركات الشحن مثل ميرسك و سي إم اي-سي جي أم قد خفضتا مرور حاوياتها إلى الجزائر عبر ميناء طنجة، فإن الخاسر الأكبر ليس سوى الاقتصاد الجزائري نفسه، وهو الإجراء الذي ستترتب عنه بالضرورة زيادة تكاليف الشحن و تضخم أسعار المواد الغذائية في الأسواق الجزائرية. لكن الطغمة العسكرية لا يهمها هذا الأمر.
يبحث عبد المجيد تبون عن « الكليشيهات » التي يحتاجها لإرضاء غروره المتضخم من خلال أخذ صور مع مسيرين وصناعيين. دعونا نذكر القادة الشباب مثل «ياسر»، وهم نفس الأشخاص الذين يؤكدون أنهم لا يدينون بأي شيء على الإطلاق للدولة الجزائرية. وفي 11 يوليوز الماضي، قام الرئيس الجزائري بتكريم 13 مصدرا جزائريا، من بينهم الشركة الناشئة «ياسر»، التي حصلت على جائزة « أفضل مصدر للخدمات ».
ويبقى أن نرى إلى أي مدى ستكون سعادته إذا قرر المغرب، وهو أمر غير مرجح على الإطلاق، تطبيق المبدأ المشروع المعاملة بالمثل. وفي الوقت الراهن، وفاء لمبدأ اليد الممدودة ومنطق اقتصاد السوق الذي يشكل مصدر قوته، يرحب المغرب بأذرع مفتوحة بجميع الاستثمارات القادرة على خلق القيمة المضافة والثروة وفرص العمل. دون تمييز بسبب الأصل ودون إملاءات سياسية أو أيديولوجية. وهي طريقة أيضا لعدم إهانة المستقبل الذي يواصل النظام المجنون في البلد الجار، بقيادة قادة فاقدي التمييز أو الضمير، الدوس عليه.