داخل ورشته الكائنة بساحة لالة يدونة بالمدينة العتيقة بفاس، التي استفاد منها بعد إعادة تهيئة هذا الفضاء التاريخي، ينهمك الحاج عبد القادر الوزاني، آخر معلمي صناعة البروكار بالمغرب، في صناعة أقمشة حريرية فخمة بكل ما أوتي من جهد، محافظا على تقاليد عريقة لحرفة تعاني من أجل البقاء.
الحاج الوزاني الذي قضى أزيد من ستون سنة في هذه المهنة، أبان عن حرفيته العالية وحبه المتأصل لصناعة البروكار الفاسي، المتكون من خيوط الحرير أو الصابرة المزركشة بخيوط مذهبة وفضية، التي تستغرق حياكة المتر الواحد من هذا القماش يوما كاملا بالنظر لفرادة صنعته التي باتت مهددة بالزوال.
فالبروكار المصنوع يدويا مازالت تقبل عليه الأسر العريقة بمدينة فاس، كما أن له عشاقه من مختلف مناطق المغرب، ومن الخارج أيضا، نظرا لفخامة هذا النوع من النسيج، هو ما جعله أغلى أصناف الأقمشة في العالم.
يحكي عبد القادر الوزاني لـle360، وهو في عقده الثامن، أن هذه الحرفة في طور الاختفاء، إذ كانت فاس تضم عدة صناع، لكنهم رحلوا جميعا ولم تبق سوى الذكريات، فورشته البسيطة هي آخر ما تبقى، تعمل فيها آلة (النول) الواحدة بين الآلات الأربع الموضوعة، بسبب غياب صناع شباب يقبلون لتعلم الحرفة ويحملون المشعل عن المعلم.
فهو الآن يعمل بناء على طلبات مسبقة من زبائن يعتبرهم « نخبة النخبة »، تتراوح قيمة الأقمشة النادرة التي يصنعها بين ألف وسبعة آلاف درهم، تبعًا لمدى بساطة أو تعقيد تشكيلها ومدى طول القماش، لكنه لم يجد من يحمل المشعل.
ويضيف المعلم الوزاني في تصريحه لle360, أنه من أسباب انحسار هذه الصنعة تطور الموضة وتراجع استعمال بعض أقمشة « البروكار » في بعض الأحزمة النسائية التي اشتهر بها الصناع الفاسيون، وبتطور منتجات الصناعة العصرية إذ تعرض بعض المحلات نماذج مصنوعة في الصين عديمة الجودة.
وفي نفس السياق، أشار رشيد، مساعد الحاج لوزاني، أن تهرب الشباب عن احتراف المهنة من باب الحفاظ على المظهر الاجتماعي، هو من باب الكسل، أو البحث مهن توفر ربحا دون عناء كبير، فهناك إهمال واضح للمهن الحرفية واليدوية على أهميتها إلى درجة أن بعضها يوشك على الانقراض رغم عراقتها وارتباطها بالتراث المحلي.
تكوين جيل جديد من الصناع في هذا القطاع أصبح اليوم رهانا استراتيجيا مهما مصاحبا لدينامية تطور الصناعة الحرفية، تشكل خصوصيتنا كمغاربة ومكون أساسي من مكونات التراث الوطني وجبت حمايته والحفاظ عليه، كرصيد حامل لدلالات تاريخية وعمق حضاري متميز، بات تلقينه ونقله للجيل الجديد ضرورة ملحة تملأ وجدان حرفي الصناعة التقليدية الذين يبصرون أملا مشرقا في غد أفضل.