وفقا لدراسة أليانز تريد بعنوان «توقعات التجارة العالمية 2024»، فإن الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين ستستأنف بقوة مع عودة ترامب إلى السلطة. إن الوضع الجيو-اقتصادي العالمي الجديد المتأثر بالتوترات المتزايدة بين القوتين، يعيد تشكيل موازين التجارة العالمية. وفي هذا السياق، الذي يتسم بتجزئة سلاسل التوريد وظهور مراكز لوجستية جديدة، يصبح تقييم فعالية الاقتصادات أمرا ضروريا.
وأشارت فرانسواز هوانغ، كبيرة الاقتصاديين في أليانز تريد، إلى أنه بالإضافة إلى «الاقتصادات سريعة النمو مثل الهند، فإن هذا التحول يفتح الأبواب أمام دول مثل فيتنام وماليزيا وإندونيسيا والإمارات العربية المتحدة لتفرض نفسها كأقطاب تجارية للجيل القادم». ولكن الدراسة أدرجت، مع ذلك، 25 دولة كأقطاب تجارية للجيل الجديد في المستقبل، بما في ذلك أربع دول إفريقية. ويتعلق الأمر بالمغرب، في المركز الأول إفريقيا (20 عالميا)، والجزائر (21)، وجنوب إفريقيا (23)، ونيجيريا (24). هناك عنصر يجب تأكيده: الدول الإفريقية الأربعة جميعها تحتل مرتبة أفضل من مرتبة قطر.
وتجدر الإشارة إلى أن المغرب يحقق نتائج قوية من حيث إمكاناته التجارية واتصالاته وفعاليته، مما يجعله القطب التجاري الواعد. وعلى الرغم من تصنيفها في النصف الثاني من التصنيف، فإن هذه البلدان لديها إمكانيات كبيرة لتجديد مكان لها في المشهد الجيو-اقتصادي العالمي الجديد الذي يتسم بالتوترات المتزايدة بين بكين وواشنطن.
تقوم الدراسة بتقييم جميع الأسواق الناشئة بناء على ثلاث ركائز: الكفاءة والتواصل والإمكانات التجارية. وتمكن هذه الركائز من تحديد الدول المؤهلة للعب دور هام في النظام التجاري والمالي المعقد.
الفعالية قبل كل شيء
ومن حيث الفعالية، التي تقاس بمعايير مثل إنتاجية العمل، والأداء اللوجستي، وصحة القطاع البنكي، والأمن الطاقي، يكشف التصنيف الذي وضعته أليانز تريد عن مراتب متباينة للدول الإفريقية. وتبدو جنوب إفريقيا، التي تحتل المركز 12، في وضع جيد نسبيا مقارنة بنيجيريا (15) والمغرب (23) والجزائر (24).
Un technicien inspectant des infrastructures pétrolières et gazières en Algérie.. DR.
إن جنوب إفريقيا، على الرغم من التحديات البنيوية التي تواجهها، توجد في وضعية جيدة بفعل قوة قطاعها المالي وبنيتها التحتية اللوجستية. ومع ذلك، فإن إنتاجيتها، التي تعوقها المشاكل الاجتماعية المزمنة، تشكل عقبة رئيسية. تستفيد جنوب إفريقيا من إمكانيات هامة مثل الشبكة الطرقية والسكك الحديدية المتطورة نسبيا التي تسهل نقل البضائع. ومع ذلك، فإن المشاكل المتكررة في إمدادات الكهرباء تعيق بشكل خطير قدرتها التنافسية الصناعية.
وتعاني نيجيريا، على الرغم من ثقلها الديموغرافي والاقتصادي، من إخفاقات بنيوية كبيرة تعيق فعاليتها. ويمثل ضعف البنية التحتية للنقل عائقا كبيرا أمام نقل البضائع بفعالية. وفضلا عن ذلك، فإن القطاع البنكي الهش، إلى جانب الاعتماد على النفط والغاز في مجال الطاقة، يؤدي إلى إضعاف أسس اقتصادها.
وعلى الرغم من أن دولا مثل ماليزيا (الأولى من حيث الفعالية) أو الهند (الرابعة) أو البرازيل (الثالثة) تتجاوزها، إلا أن الدول الأفريقية الأربعة في التصنيف تتمتع بمزايا نسبية واضحة في الوضع الجيو-اقتصادي الجديد.
الاتصال، نقطة الضعف
من ناحية أخرى، يشكل الاتصال، الذي يتم تقييمه من خلال جودة البنية التحتية للموانئ والسكك الحديدية والجوية والرقمية، نقطة ضعف لجميع البلدان الإفريقية الأربعة التي تم اختيارها كأقطاب تجارية محتملة في المستقبل. وفي حين أن المغرب يحتل المرتبة 17 من أصل 25 دولة من حيث الاتصال، فإن جنوب إفريقيا تأتي في المرتبة 18 فقط. وتأتي الجزائر (20) ونيجيريا (25) في المؤخرة، مما يهدد تطلعاتهما إلى أن يُصبحا أقطاب أساسية للتجارة العالمية.
هذا الاتصال الضعيف، يعيق القارة بشكل خطير في سياق تجزيء سلاسل التوريد العالمية. وعلى الرغم من أن بعض البلدان مثل المغرب أو جنوب إفريقيا قد اتخذت إصلاحات لتحديث موانئها البحرية، إلا أن كثافة شبكة الموانئ الإفريقية لا تزال غير كافية على الإطلاق. وتعاني العديد من البلدان غير الساحلية في القارة من صعوبات بسبب محدودية الوصول إلى المحيطات، مع تكاليف لوجستية مرتفعة للغاية لنقل بضائعها.
ويعرف الاتصال الجوي في إفريقيا أيضا تأخرا كبيرا، مع شيخوخة البنية التحتية والخدمات المحدودة للغاية بين القارات. وتشكل شبكات السكك الحديدية أحد العقبات الرئيسية، بسبب أن البنية التحتية موروثة عن الحقبة الاستعمارية والتي تحتاج إلى تحديث. وأخيرا، فإن التأخر الرقمي في إفريقيا كبير جدا، إذ أن أقل من 40% من السكان يمكنهم الوصول إلى الإنترنت. ووفقا لأحدث المعطيات الصادرة عن الاتحاد الدولي للاتصالات في عام 2023، يستخدم حوالي 37% من سكان إفريقيا الإنترنت. الفجوة الرقمية التي تُعيق بشدة تبادل المعطيات الضرورية لسيولة التبادلات التجارية، فضلا عن العمليات اللوجستية غير المادية.
ركيزة الإمكانات التجارية
في ما يخص الإمكانات التجارية، التي تأخذ بعين الاعتبار حرية التبادلات وتوقعات النمو والانفتاح على الاستثمار والاندماج المالي، وضع التصنيف المغرب في المركز 16 والجزائر في المركز 20 ونيجيريا في المركز 24 وجنوب إفريقيا في المركز 25.
باحتلاله المركز 16 في تصنيف الإمكانات التجارية، يبدو المغرب البلد الإفريقي الأفضل في مجال النجاح في الوضع التجاري الجديد. الجزائر، التي تحتل المرتبة 20 في هذا المجال، هي بلد غني بالإمكانات ولكن أبوابه مغلقة. مما يحد من إمكاناته التجارية. ومع ذلك، فإن احتياطياتها من المحروقات، تجعل الجزائر فاعلا رئيسيا، بشرط أن تنفتح أكثر على التجارة. أما نيجيريا (المرتبة 24) وجنوب إفريقيا (المرتبة 25) فإن نتائجهما مصيبة للعمال في ما يخص ركيزة الإمكانات التجارية، على الرغم من ثقلهما الاقتصادي في القارة.
الولايات المتحدة أم الصين؟
في لعبة التأثيرات بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين، تبدو الدول الإفريقية الأربع، وفقا لنتائج دراسة اليانز تريد، أقرب إلى بكين منها إلى واشنطن. ويعود ذلك بشكل رئيسي إلى الروابط التجارية والاستثمارية مع الصين.
وتؤكد الدراسة أن «معظم الدول الإفريقية أقرب إلى الصين بمتوسط درجة 0.5 مقارنة بـ0.7 للولايات المتحدة». وبذلك تسجل الجزائر (المرتبة 21 في الترتيب العام) النتيجة الأفضل للصين (0.4) بين الاقتصادات الإفريقية الأربعة في الترتيب.
وضعية متباينة قد تكون غير مريحة إذا اشتدت المواجهة بين البلدين العملاقين. ومن الممكن أن تؤدي الحرب التجارية والإجراءات الانتقامية بينهما إلى إضعاف العلاقات الاقتصادية بين الجانبين.
وخلاصة القول، فإن ظهور عالم متعدد الأقطاب أكثر تشرذما يشكل فرصة اقتصادية وتحديا جيوستراتيجيا كبيرا للأقطاب الإفريقية للتجارة الدولية في المستقبل. وهي معادلة معقدة يتعين على هذه البلدان حلها للتأقلم مع لعبة لا يمكن التنبؤ بنتائجها.