التأمين المدرسي.. حماية للتلاميذ أم خداع لأوليائهم؟

هل التلاميذ والتلاميذات فعلا محميون بالتأمين المدرسي؟

هل التلاميذ والتلاميذات فعلا محميون بالتأمين المدرسي؟

في 03/09/2023 على الساعة 09:15, تحديث بتاريخ 03/09/2023 على الساعة 09:15

مع بداية كل موسم دراسي، يعود الحديث عن موضوع التأمين المدرسي إلى الواجهة. يُثير هذا الموضوع جدلاً واسعًا بين الأولياء والمدارس، نظرًا للأسعار المرتفعة التي تُفرضها بعض المدارس الخاصة لتقديم هذه الخدمة. السؤال الرئيسي هو: هل ما يدفعه الآباء فعلا يدخل ضمن خانة التأمين؟

خلال الموسم الدراسي الماضي، تعرض حسن لتجربة مريرة لم يكن يعتقد أنه سيضطر لمواجهتها أبدًا. دفع مبلغ ألف درهم كتأمين لابنته للدراسة في السنة الأولى من المستوى الابتدائي. كان يعتقد هذا الأب أن المبلغ الذي أداه للمدرسة تحت مسمى « التأمين المدرسي »، سيحمي ابنته من جميع المخاطر والحوادث التي قد تواجهها طفلة في هذا العمر الصغير خلال تواجدها في المدرسة. ولكن ما اكتشفه بعد ذلك كان صدمة كبيرة، حيث تعرض لـ »النصب والاحتيال » حسب تعبيره.

الحقيقة المرّة

«تلقيت ذات يوم مكالمة من إدارة المدرسة، تبلغني فيها أن ابنتي تعرضت لحادث وأصيبت بكسر في ركبتها اليسرى بعد سقوطها من فوق سُلم»، يحكي حسن بمرارة كيف هرعا مسرعا من عمله ليجد ابنته ممدّدة فوق طاولة وهي تتألم، ليضطر إلى نقلها إلى أقرب مصحة بالبرنوصي من أجل تلقي العلاج اللازم.

«بعد فحصها أخبرني الطبيب أنها تحتاج لتدخل جراحي فوافقت، غير أنني تفاجأت بالإدارة تطالبني بشيك الضمان»، يحكي حسن بحرقة شديدة، قبل أن يستطرد موضحا أنه رفض في البداية ليقينه بأن شركة التأمين هي التي ستتكلف بأداء مصاريف العلاج، بيد أنه سرعان ما رضخ للأمر بعدما أخبره وكيل التأمينات، الذي تعاقدت معه المؤسسة التعليمية، بأن سقف التعويض الذي ستمنحه له شركة التأمين لن يتعدى 500 درهم!

« كانت صدمة قوية عندما اكتشفت أن إدارة الروض لم تؤد سوى 5 دراهم كقسط للتأمين عن كل طفل مسجل لديها، في الوقت الذي كنت أعتقد، مثل كافة الآباء الآخرين حتما، أنني أمنت ابنتي ضد كافة المخاطر خلال تواجدها بالمدرسة »، يقول حسن بأسى وحسرة كبيرين، مشيرا إلى أنه اضطر إلى دفع تكاليف علاج ابنته للمصحة، قبل أن يسترجع المبلغ كاملا من إدارة الروض بعدما هددها برفع دعوى قضائية ضدها بتهمة « النصب والاحتيال ».

هذه الحقيقة المرة التي اكتشفها هذا الأب بالصدفة، ليست استثناء بل تكاد تكون هي القاعدة السائدة لدى كل المؤسسات التعليمية الخاصة، حسبما يؤكده بوعزة خراطي، رئيس الجامعة المغربية لحقوق المستهلك، حيث يوضح، في تصريح لـLe360، أن المدارس الخاصة تلجأ إلى « التحايل » على الآباء من خلال مطالبتهم بمبالغ باهضة تدرج في خانة التسجيل والتأمين، بينما هي في الحقيقة تدخر هاته المبالغ كرواتب للأساتذة المشتغلين لديها، لتؤديها لهم خلال شهري يوليوز وغشت.

أكثر من ذلك، يقول خراطي، إن بعض هاته المدراس لا تؤمن جميع التلاميذ لديها بل بعضهم فقط، ولا تكشف عن أسماء المؤمّنين، إضافة إلى أنها تحيط هاته العملية بالسرية والغموض ولا تكشف للآباء أي تفصيل حول مقدار التأمين ولا المخاطر التي يغطيها، وهو ما يخالف حسبه القانون 31-08 الذي ينص على حق المستهلك في المعلومة.

تأمين ملغوم

سعيد، أحد وكلاء التأمين بالدار البيضاء، يؤكد في حديث مع Le360 أن جل المدارس الخاصة تختار أدنى قسط لتأمين تلاميذها، وهو 5 دراهم، بينما يندر -حسبه- أن يصل المبلغ إلى أقصى قسط، وهو المحدد في 40 درهما.

وأوضح سعيد وهو يكشف لنا عن نماذج من « البوليصات » التي تجمعه مع بعض المدارس الخصوصية، أن هاته الاختيارات تضمن للمستفيد نفس الخدمات لكن الفرق يتجلى فقط في سقف التعويض الذي يمنح لكل تلميذ يقع ضحية حادث مدرسي، حيث حدد سقف التعويض عن العلاج والأدوية بالنسبة لقسط 5 دراهم في 500 درهم، وألف درهم بالنسبة لقسط 10 دراهم، و1500 درهم بالنسبة لـ15 درهما.. وهكذا.

وعلى الرغم من أن رئيس الجامعة المغربية لحقوق المستهلك لمح إلى أن القانون يعطي الحق للآباء بتأمين أبنائهم لدى شركة تأمين مستقلة عن المتعاقد معها من طرف المؤسسة التعليمية، إلا أن من يختار ذلك لا تعفيه المدارس الخاصة من أداء المبلغ المطلوب، مثل ما وقع لسفيان، الذي أخبر إدارة المدرسة التي يدرس فيها ابنه بأنه سيتولى بنفسه الشق المتعلق بالتأمين عن ابنه، غير أن إدارة المؤسسة ألحت عليه في أداء مبلغ التسجيل والتأمين كاملا، كشرط أساسي لقبول تسجيل طفله.

وقال يوسف، في حديث معLe360، إن إحدى المسؤولات بالمؤسسة التعليمية أسرت له بأن قسطا صغيرا فقط من الأموال التي يسددها الآباء في خانة « التسجيل » توجه إلى التأمين، بينما يحتفظ بالباقي من أجل دفع أجور الأساتذة خلال شهور العطل، لذلك يُعد دفع هذا المبلغ شرطا أساسيا.

وتزيد الأمور سوءًا حينما يظهر أن بعض المدارس لا تؤمن جميع التلاميذ بل تقتصر على بعضهم فقط، حيث تترك لائحة التلاميذ المؤمنين مفتوحة ليتأتى لها إضافة أي تلميذ يتعرض لحادث، وفق ما يحكيه وكيل التأمينات لـLe360.

ما هو دور التأمين المدرسي؟

وفقًا لتعريف هيئة مراقبة التأمينات والاحتياط الاجتماعي، يكمن الغرض من التأمين المدرسي في توفير حماية للتلاميذ ضد مخاطر الحوادث المدرسية التي يمكن أن يتعرضوا لها أثناء وجودهم داخل المدرسة أو أثناء الأنشطة التي تُشرف عليها المؤسسة التعليمية. هذا التأمين يُعرف بأنه « المسؤولية المدنية » ويتيح للمدارس والتلاميذ الحصول على تعويض مالي في حالة وقوع حادث.

وأوضح رئيس قسم ترويج الممارسات الجيدة والعلاقات مع المؤمن له بالهيئة، يونس اللماط، أن التأمين المدرسي إجباري بالنسبة إلى المؤسسات الخاصة، وذلك بموجب القانون المتعلق بمؤسسات التعليم الخاص؛ إذ تصبح هذه المؤسسات، بموجب القانون، ملزمة على اكتتاب عقود التأمين، نظرا للضرر الذي يمكن أن يلحق بالتلاميذ داخل المدرسة.

وأكد اللماط، في لقاء نظمته الهيئة بمنسابة الدخول المدرسي الفائت، أن المدارس الخاصة ملزمة باطلاع أولياء أمور التلاميذ على عقد التأمين، والخدمات التي تقدمها في حال تعرض التلميذ لأي ضرر، داعيا كافة أولياء أمور التلاميذ الذين يختارون المؤسسات الخاصة إلى الإصرار على معرفة ما تحتويه هذه العقود قبل أداء مبلغ التأمين.

وتتراوح أقساط التأمين في التعليم العمومي، يضيف اللماط، بين 8 دراهم بالنسبة إلى التعليم القروي، و12 درهما بالنسبة إلى التعليم في الوسط الحضري، مبرزا أنه من واجب أولياء أمور التلاميذ تأدية هذه الأقساط، لأنها تقدم مقابل خدمات مهمة في حال وقوع أي حادث داخل المؤسسة أو في المسار المؤدي لها.

وتستمر الفوضى..

رغم تصاعد الأصوات المنددة بـ« جشع » المدارس الخاصة، خصوصا في ما يتعلق بـ »التأمين المدرسي »، إلا أن هذه الفوضى تظل مستمرة، ويكمن السبب، من جهة أولى، في عدم الصرامة في تطبيق مذكرة حول التأمين المدرسي، تصدرها وزارة التربية الوطنية في بداية كل موسم دراسي، ثم من جهة ثانية بسبب صمت الآباء والأمهات الذين يخشون من انتقام المدرسة من أبنائهم في حال انتقدوا هذه الممارسات، بينما يخول لهم القانون المطالبة بفاتورة تفصيلية تظهر كل مبلغ دفعوه للمدرسة.

وتنص هذه المذكرة على أنه يجب على المدارس الخاصة تحديد تفاصيل كل المصاريف التي تطلبها من الآباء، ويجب أن تعرض أسعارها بشكل واضح، لكن يبدو أن المدارس لا تطبق هذه التعليمات الواردة في المذكرات الوزارية.

خلال مراحل إنجاز هذا التحقيق، استفسرنا عددا من المدارس الخاصة في أحياء راقية ومتوسطة بالدار البيضاء حول المبالغ التي يؤديها الآباء في خانة التأمين، فكشفت المعلومات عن تفاوت كبير في تكاليف التسجيل والتأمين في تلك المدارس. إذ تتراوح هذه التكاليف بين 800 درهم و3000 درهم. هي مبالغ باهظة بلا شك، ولكن المشكلة تكمن في عدم وضوح المعلومات المقدمة لأولياء الأمور بخصوص تفاصيل ما دفعوه، خصوصًا فيما يتعلق بتكلفة التأمين.

فعندما سألنا هاته المدارس الخاصة عن مبلغ التأمين، وجدنا أن الإجابات كانت غامضة وملتفة. تم تحويلنا إلى قسم الحسابات في المدارس، حيث أخبرونا بأنه يجب علينا التواصل معهم للحصول على معلومات دقيقة حول تكلفة التأمين وشروطه.

وسبق لوزارة التعليم أن تدخلت في محاولة لتسقيف واجبات التأمين المدرسي، من خلال تعديل القانون 06.00 بمثابة النظام الأساسي للتعليم المدرسي الخصوصي، حيث حددت مبلغ 50 درهم في السنة كأقصى واجب يدفعه الآباء مقابل استفادة أبنائهم من التأمين المدرسي، لكن لا يبدو أن هذه الخطوة كانت كافية لإنهاء هاته المشكلة التي يواجهها الآباء مطلع كل موسم دراسي.

وفي انتظار إيجاد حل جاد لهذا الخروج عن القانون، يظل الآباء وأولياء التلاميذ مجبرين على الخضوع لـ« جشع » واحتيال المدارس الخاصة، الذي يتفاقم سنة بعد أخرى.

تحرير من طرف ميلود الشلح
في 03/09/2023 على الساعة 09:15, تحديث بتاريخ 03/09/2023 على الساعة 09:15