لا شك أن الموانئ تلعب دورا أساسيا في سلاسل اللوجستيك العالمية، نظرا لأن ما يقارب 90% من التبادل العالمي للبضائع من حيث الحجم تمر عبرها. كما أنها تلعب دورا مهما في تسهيل نقل البضائع إلى وسائل نقل أخرى مثل النقل الجوي والبري والسكك الحديدية والأنهار، مما يجعلها منصات متعددة الوسائط للتوزيع العالمي للبضائع. وبالتالي، تساهم البنية التحتية للموانئ في تسهيل نقل البضائع وتعزيز الربط العالمي.
وفي هذا الإطار، تلعب محطات الحاويات الكبرى دورا أساسيا كمراكز لإعادة شحن البضائع، وبنية تحتية أساسية للواردات والصادرات، ونقاط دخول وخروج للدول غير المطلة على البحر.
وبالتالي، تجني الدول ذات الموانئ الكبيرة والمواقع الجغرافية الاستراتيجية على طرق الشحن الرئيسية مزايا جيوستراتيجية لا يمكن إنكارها.
على صعيد القارة الإفريقية، عززت بعض موانئ الحاويات مكانتها كمراكز إقليمية رئيسية في التجارة العالمية. وهي موانئ تحظى باهتمام كبرى شركات الشحن العالمية (شركة البحر الأبيض المتوسط للملاحة-MSC، وإي بي إم ميرسك-APM-Maersk، وسي إم إي-سي جي إم-CMA CGM، وكوسكو شيبينغ-Cosco Shipping، وهاباغ-لويد-Hapag-Lloyd، وغيرها من الشركات العالمية).
هذا هو الحال بالنسبة لميناء طنجة المتوسط في المغرب، وبورسعيد في مصر، وميناء ديربان في جنوب إفريقيا، وميناء لومي في الطوغو، وهي الموانئ الرئيسية في القارة، وتصنف من بين أكبر موانئ الحاويات في إفريقيا حسب قائمة لويد لمائة ميناء وألفا لاينر.
وفي سياق عالمي يتسم بالنمو القوي لحركة الحاويات (زائد 8% في عام 2024) وإعادة تنظيم سلاسل اللوجستيك الدولية، تستثمر جميع موانئ القارة بكثافة لكسب حصة سوقية ولتكون بنى تحتية أساسية لحركة النقل البحري العالمية.
من المتوقع أن يحدث إطلاق موانئ جديدة في المياه العميقة وتوسيع الموانئ القائمة تغييرا كبيرا في تصنيف موانئ الحاويات في جميع أنحاء القارة.
في ظل هذه الدينامية، تستثمر الموانئ في جميع أنحاء القارة لزيادة قدراتها على مناولة الحاويات مع تحسين قدرتها التنافسية. ويحتل ميناء طنجة المتوسط المغربي المركز الأول، حيث يصنف من بين أكبر 20 ميناء للحاويات في العالم، ويعد من أكثر الموانئ تنافسية على مستوى العالم.
وكما تظهر الأرقام، يعد ميناء طنجة المتوسط الميناء الوحيد الذي حقق نموا تصاعديا في مناولة الحاويات خلال الفترة 2020-2024.
طنجة المتوسط-المغرب: نمو تصاعدي خلال الفترة 2020-2025
يتمتع ميناء طنجة المتوسط بموقع جغرافي استراتيجي على مضيق جبل طارق، مما يجعله ملتقى الطرق البحرية بين أوروبا وإفريقيا وآسيا. يمنحه هذا الموقع دورا محوريا في التجارة الدولية كمركز استراتيجي رئيسي متصل بشبكة تضم أكثر من 186 ميناء في أكثر من 70 دولة. وقد أدى هذا الوضع إلى استقطاب المنطقة عددا متزايدا من المستثمرين وشركات الشحن الكبرى في القطاع البحري.
وقد تحققت هذه المرتبة بفضل رؤية استراتيجية واستثمارات ضخمة استقطبت كبرى شركات الشحن العالمية.
وهكذا، خلال السنوات الخمس الماضية، من 2020 إلى 2024، ارتفعت مناولة الحاويات في الميناء من 5.771 مليون حاوية نمطية مكافئة لعشرين قدما إلى 10.241 مليون حاوية نمطية مكافئة لعشرين قدما، بزيادة قدرها 77.45%. ويعادل هذا الرقم الحجم الإجمالي للموانئ الإفريقية الأربعة الأخرى المصنفة ضمن أفضل 100 ميناء الحاويات في العالم -بورسعيد وميناء الدخيلة في مصر، وميناء ديربان في جنوب إفريقيا، وميناء لومي في الطوغو- والتي تناول كلها 10.826 مليون طن.
وقد أصبح هذا النمو في ميناء طنجة المتوسطي ممكنا بفضل تعزيز بعض المرافق، وتشغيل معدات جديدة، وتحسين مواعيد الموانئ البحرية، مما أدى إلى تقليل أوقات الانتظار.
Tanger Med (Maroc): le traitement du fret de conteneurs est passé de 5,771 millions en 2020 à 10,241 millions de conteneurs EVP en 2024, soit une progression de 77,45% sur la période. . AFP
وقد سمح هذا النمو التصاعدي لميناء طنجة بالانضمام إلى قائمة أكثر 20 ميناء ازدحاما في العالم من حيث حركة الحاويات، محتلا المركز السابع عشر عالميا. في عام 2024، ناول الميناء ما مجموعه 10.241 مليون حاوية نمطية مكافئة لعشرين قدما، وهو مستوى يتجاوز بكثير قدرته على المناولة البالغة 9 ملايين حاوية نمطية مكافئة لعشرين قدما سنويا. وهذا يدل على الإنتاجية الممتازة للميناء، مما يضعه من بين أفضل 5 موانئ كفاءة في العالم. يتفوق ميناء طنجة المتوسطي حتى على موانئ رئيسية في حوض البحر الأبيض المتوسط، بما في ذلك بيرايوس في اليونان، والجزيرة الخضراء وفالنسيا في إسبانيا. ومع تزايد حركة المرور سنويا، عزز المغرب مكانته كقاطرة لإفريقيا في مجال اللوجستيك العالمي.
وتجدر الإشارة إلى أن ميناء طنجة المتوسطي يستفيد من منظومة صناعية دينامية تضم أكثر من 1400 شركة كبرى من مختلف القطاعات (السيارات، والطيران، والنسيج...)، ويد عاملة مؤهلة، وتكاليف تنافسية.
مع اقترابه من بلوغ طاقته الاستيعابية القصوى، يركز ميناء طنجة المتوسطي على التكنولوجيا للتحول إلى «ميناء ذكي». وفي هذا الإطار، أعلن الميناء الرائد في إفريقيا خلال فعاليات أيام طنجة اللوجستية 2025 عن طموحه بأن يصبح مختبرا عالميا حقيقيا للوجستيك الذكي. ومن شأن هذا الأمر أن يسمح للميناء بتحسين قدرته التنافسية بشكل أكبر.
بورسعيد-مصر: تراجع طفيف بين عامي 2020 و2024
يعد ميناء بورسعيد من أهم الموانئ في منطقة البحر الأبيض المتوسط. ويستفيد هذا الميناء المصري من قربه من قناة السويس، وهي طريق بحري رئيسي، حيث يبلغ معدل إعادة الشحن فيه إلى 85%.
ومع ذلك، وعلى عكس موانئ الحاويات الرئيسية الأخرى في القارة، شهد ميناء بورسعيد بعض الركود في مناولة الحاويات. فقد انخفض هذا الرقم من 4.009 مليون حاوية نمطية مكافئة لعشرين قدما في عام 2000 إلى 3.905 مليون حاوية نمطية مكافئة لعشرين قدما في عام 2024، بعد أن بلغ ذروته عند 4.764 مليون حاوية نمطية مكافئة لعشرين قدما في عام 2021. بعبارة أخرى، شهد ميناء بورسعيد انخفاضا طفيفا (ناقص 2.60%) خلال هذه الفترة.
ولتحسين الوضع، استفاد الميناء من استثمارات كبيرة، مما مكنه اليوم من استيعاب أكبر سفن الحاويات في العالم ومناولة سفينتين في وقت واحد. وتهدف السلطات المصرية إلى زيادة طاقته الاستيعابية إلى 13 مليون حاوية نمطية مكافئة لعشرين قدما بحلول عام 2030، بهدف جعل الميناء مركبا رائدا لإعادة الشحن في البحر الأبيض المتوسط.
ميناء ديربان-جنوب إفريقيا: استثمارات كبيرة لاستعادة مكانته
شهد ميناء ديربان، أكبر موانئ جنوب إفريقيا، والذي كان سابقا الميناء الرائد في القارة الإفريقية من حيث مناولة الحاويات، فترات صعود وهبوط.
يتمتع الميناء التجاري الرئيسي في جنوب إفريقيا بموقع استراتيجي على ممرات الشحن الدولية، مما يجعله بوابة إلى ليسوتو، وإسواتيني، وبوتسوانا، وزامبيا، وزيمبابوي.
وعلى الرغم من ذلك، شهد ميناء ديربان فترات صعود وهبوط. فقد ارتفع عدد الحاويات التي تمت مناولتها في هذا الميناء، الأكثر ازدحاما في أفريقيا جنوب الصحراء، من 2.595 مليون حاوية في عام 2020 إلى 2.650 مليون حاوية في عام 2024، بزيادة طفيفة قدرها 2.12%.
وتجدر الإشارة أيضا إلى أن ميناء جنوب إفريقيا، بسعة 2.9 مليون حاوية نمطية مكافئة لعشرين قدما، يقترب من حد التشبع. هذا الوضع يضعه بين أقل الموانئ تنافسية في العالم، حيث احتل المرتبة الأخيرة في تصنيف البنك الدولي العالمي لأكثر الموانئ تنافسية.
ولتحسين الوضع، أعلنت السلطات الجنوب إفريقية، التي تسعى لاستعادة مكانتها السابقة، عن خطة استثمارية ضخمة بقيمة 7 مليارات دولار. الهدف هو زيادة سعة المناولة في الميناء إلى 11 مليون حاوية نمطية مكافئة لعشرين قدما، مقارنة بـ3.9 مليون حاليا.
وفي هذا الصدد، تم تسليم ست رافعات ميناء جديدة في أكتوبر الماضي لتحل محل المعدات القديمة في الرصيف الثاني من محطة الحاويات. وسيليها المزيد بنهاية نونبر. ستساهم هذه الرافعات الجديدة في تحسين الفعالية التشغيلية وسعة مناولة البضائع.
كما تعتزم السلطات الجنوب إفريقية لزيادة غاطس الميناء لاستيعاب سفن الحاويات الكبيرة، مثل سويزماكس (12,000 حاوية نمطية مكافئة لعشرين قدما)، ونيو بوست باناماكس (15,000 حاوية نمطية مكافئة لعشرين قدما)، وأحدث جيل من السفن بسعة نقل تصل إلى 18,000 حاوية نمطية مكافئة لعشرين قدما.
بدأت الإجراءات المطبقة حتى الآن تؤتي ثمارها. فمنذ بداية العام، زادت أحجام المناولة في محطات الحاويات بنسبة 28.8% على أساس سنوي، وذلك عقب تشغيل 20 ناقلة جديدة على الرصيف 2 و9 رافعات ذات إطارات مطاطية في الرصيف 1 في مارس 2025.
ميناء الدخيلة بالإسكندرية: ميناء تنافسي
يقع ميناء الإسكندرية في الطرف الغربي من دلتا النيل على ساحل البحر الأبيض المتوسط، وقد استعاد مكانته بين أفضل 100 ميناء حاويات في القارة. ويتعامل ميناء الدخيلة بالإسكندرية مع حوالي 70% من التجارة الخارجية لمصر. وبعد تراجعه في السنوات الأخيرة، وصل الميناء إلى طاقته الاستيعابية القصوى.
بين عامي 2020 و2024، ارتفع عدد الحاويات المناولة من 1.677 مليون إلى 2.211 مليون حاوية نمطية مكافئة لعشرين قدما، بنسبة زيادة قدرها 31.84%. ومع ذلك، يعزى هذا النمو بشكل رئيسي إلى الزيادة الكبيرة المسجلة بين عامي 2023 و2024، بنسبة زيادة قدرها 35.89%، ويعود ذلك بشكل رئيسي إلى افتتاح المنشأة التابعة لشركة سي إم إي-سي جي إم.
أصبح الميناء المصري ثالث أكثر الموانئ تنافسية في العالم في عام 2024، وفقا لتصنيف البنك الدولي.
ميناء لومي: يتفوق على جيرانه، ولكن...
يعد ميناء لومي في الطوغو الميناء الوحيد في غرب إفريقيا المصنف ضمن أكبر 100 محطة حاويات في العالم. ويعود ذلك بشكل كبير إلى أنه كان لفترة طويلة الميناء الوحيد للمياه العميقة في المنطقة. ومع زيادة عمق قناته إلى 18.6 مترا، أصبح ميناء لومي الآن قادرا على استيعاب أكبر سفن الحاويات في العالم.
في عام 2024، ناول الميناء 2.06 مليون حاوية نمطية مكافئة لعشرين قدما، مقارنة بـ1.725 مليون حاوية نمطية في عام 2020، بزيادة قدرها 19.42% خلال الفترة نفسها.
يواجه ميناء لومي الآن منافسة من موانئ المياه العميقة الجديدة في ساحل العاج وغانا ونيجيريا. ومع ذلك، يحافظ على مكانته الرائدة في غرب أفريقيا. فهو بوابة البضائع إلى جيرانه (بنين وغانا)، ولكن أيضا، وخاصة، إلى الدول الداخلية (بوركينا فاسو والنيجر).
وللحفاظ على مكانتها في المنقطة، أعلنت محطة لومي للحاويات (LCT)، إحدى شركتي الشحن والتفريغ في ميناء لومي، وهي مشروع مشترك بين شركة «China Merchants Port-Holdings» وشركة «Terminal Investment Limited-Filiale de MSC»، عن برنامج استثماري ضخم بقيمة 120 مليون أورو بحلول عام 2027. بالإضافة إلى تجريف قناة الميناء لزيادة غاطسها إلى 18.6 مترا، تشمل الاستثمارات الأخرى تعزيز الأرصفة وتركيب رافعات جديدة. الهدف هو زيادة الطاقة الاستيعابية السنوية للميناء إلى 2.5 مليون حاوية نمطية مكافئة لعشرين قدما.









