وبالعودة إلى توطئة الملف « يحظى المغرب بموقع جغرافي منفتح على واجهتين بحريتين حيويتين هما: البحر الأبيض المتوسط والمحيط الأطلسي وهو ما أهل المغاربة لأن يتعايشوا مع البحر منذ ما قبل التاريخ، حيث ظلّ الاتصال بينهما قائماً ومستمراً، إما بشكل مباشر أو غير مباشر، عن طريق الصيد والتجارة والسفر. وقد لعب البحر في حياتهم وعلى امتداد أطوار التاريخ أدواراً حضارية مختلفة، سياسية وعسكرية واقتصادية واجتماعية وثقافية وبيئية وصحية. ولذلك فبقدر ما غمر مجال المغرب وإنسانه بكثير من الثروات الغذائية والمعدنية والسياحية، وما رافقها من فوائد تجارية، ومزايا مناخية وطبية، فإنّ شكلّ أيضاً مصدراً لأخطار وتحدّيات مختلفة. فالبحر في تاريخ المغرب، لم يكن مجرد مساحة مائية، بل كان مجالاً للعيش والبقاء ومصدراً للنزاع والصراع وأداة للتواصل والتفاعل مع الجوار الجغرافي القريب والبعيد ».
وحسب نفس المصدر، « تشهد الوثائق على اختلاف أصنافها ومرجعياتها على عمق هذه العلاقات واستمرارها وامتدادها في الزمان والمجال. فالباحث اليوم يمكن أن يستند إلى الرصيد الوثائقي الموجود في كتابات المؤرخين التقليديين، كما يمكن له أيضاً أن يوظف ما تبقى من موروثات تاريخية مرتبطة بالحبر، ليس تلك المتعلقة بالجوانب المادية للإنسان فحسب، وإنّما أيضاً تلك المرتبطة بحياته المعنوية وذلك من خلال مظاهرها وتعبيراتها المتنوعة، الإنتاجية والاجتماعية والمعمارية والذهنية والنفسية ».
ويسعى هذا الملف إلى « الكشف عن عمليات التفاعل التي حصلت بين المغاربة والبحر من خلال التمثلات التي ترسخت في أذهانهم بخصوص معايشتهم للمجالات البحرية وما تشكل لديهم بخصوصها من عادات وسلوكات وتصرفات وما ترتب عن ذلك من تقاليد وأعراف في شتى المجالات. هذا إلى جانب الوقوف على جوانب من الثقافة البحرية التي كونها المغاربة منذ القديم عن البحر وركوبه وثرواته وأنشطتهم اليومية المتصلة به ومختلف أوجه العلاقات التي نسجوها معه. هذا بالإضافة إلى نفض الغبار عن ذاكرة البحر في تاريخ المغرب والمغاربة ولتعريف بمزيد من الوقائع والأحداث التي ارتبطت بالمجال البحري في التاريخ الحضاري للمغرب ».