تأتي قيمة هذا الكتاب في وقتٍ تتراجع فيه المؤلفات حول المسرح وفي سياق ينسحب فيه الركح كوسيلة فنية مؤثرة منذ سبعينيات القرن العشرين، مفسحاً المجال إلى أشكال تعبيرية أخرى مثل التلفزيون والسينما. وبالتالي، فإن مثل هذه الإصدارات التي تتخذ من المعرفة أفقاً للتفكير في المسرح وأحواله تظل ذات قيمة كبيرة، بحيث تُساهم في إعادة التعريف ببعض المسرحيات وترصد أحوال المخرجين وذلك من أجل إعادة إنتاج سردية فنية حول مسرح مغربي ظلّ على مدار ربع قرن مؤثراً في بنية المسرح العربي.
يحرص الباحث في كتابه أنْ يعيد التفكير في موضوع الكوميديا الذي يعد من أصعب الأساليب التعبيرية في المجال المسرحي، لأنّه يفرض على السيناريست أنْ يكون عارفاً بطبيعة المتخيّل الاجتماعي الذي يُنتج داخله العمل المسرحي. فقد ساد الاعتقاد لزمن طويل بأنّ الفرجة المسرحية مجرّد وسيلة ترفيهية قادرة على جذب المشاهد وانْ تحقق له بعضاً من المتعة على مستوى المشاهدة والحلم، مع أنّها في حقيقتها عبارة عن أداة للتفكير والتأمّل.
يقول حسن المنيعي عن الكتاب « استطاع الباحث رشيد أمحجور بكل ما تحصل لديه من رصيد علمي/معرفي أنْ يعالج بدقة متناهية نشأة الكوميديا ووظيفتها منذ أرسطو، وصولاً إلى القرن الماضي. وقد غطّت هذه المعالجة معظم الأوضاع الثقافية والسياسية التي بلورت مسارها على مستوى الكتابة الدرامية، والإنجاز الركحي، مع الوقوف على التحولات التي طرأت عليها، من خلال تقاطعها مع المأساة وبروزها في أشكال جديدة. إضافة إلأى ذلك، فقد رصد الكوميديا المغربية من زوايا متعددة، اعتماداً على نماذج تقليدية/شعبية ونماذج حديثة جسدتها أعمال كل من عبد الصمد الكنفاوي وعبد الله شقرون والطيب الصديقي وأحمد الطيب العلج ومحمد الجم ومحمد تيمد ».
ويرى المنيعي أنّ ما يثير الاهتمام هنا هو « ثراء الخطاب التحليلي وحرص صاحبه على طرح مواصفات الكوميديا بين الفلسفة والإبداع. وقد خلص بعد وقوفه على آراء بعض الفلاسفة والأدباء إلى استنتاج أن الكوميديا ظاهرة فنية، تُسهم في التعريف بحياة الشعوب وثقافتها ومنها على الخصوص الكوميديا الراقية. أما بخصوص الكوميديا المغربية، فإنها تتميز بخصوصيتها وأصالتها وتنوعها الفني ».
مرحبا بكم في فضاء التعليق
نريد مساحة للنقاش والتبادل والحوار. من أجل تحسين جودة التبادلات بموجب مقالاتنا، بالإضافة إلى تجربة مساهمتك، ندعوك لمراجعة قواعد الاستخدام الخاصة بنا.
اقرأ ميثاقنا