لم يشتغل المغاربة على التراث إلا في اللحظة التي شعروا فيها بأنّ هويتهم باتت مُهدّدة بفعل عوامل مختلفة ترتبط في عمومها بمفهوم « العولمة ». إذْ استطاع المسرح أنْ يُطوّر لغته الركحية ويعمل من خلال براديغم التراث على الانغماس في قضاياه وإشكالاته. وأغلب المسرحيون المغاربة الذين استلهموا التراث المغربي وأعادوا مركزته داخل النصّ المسرحي أطلق عليهم النقاد « التجريبيون ». وذلك بحكم أنّهم تركوا كل تلك الأفكار البالية التي تجعل من العمل المسرحي وكأنّه « واجب وطني » تجاه بلدٍ أو قبيلة. ذلك إنّ المسرح مهما بلغ ارتباطه بالقضايا السياسية ونظيرتها الاجتماعية، يبق في عمقه وسيلة تعبير ترتبط بالذات الفردية، لكنّها تحاول أنْ تتماهى مع ما يُحيط بها تغيّرات وتحوّلات. ذلك إنّ المخرج يعمل من وجهة نظره الشخصي على تتبع مسار المجتمع والقبض عليه داخل مشهدٍ فني أو حوار مسرحي.
حين اشتغل الطيب الصديقي على التراث، فقد جعل منها منظاراً به يرى العالم. وجعل من الخشبة أداة لتشريح الواقع المغربي على ضوء التراث. فكانت النتيجة تقديم عمل مسرحي يمزج في تفكيره بين الماضي والحاضر. وقد أعطت هذه الاشتغالات المكثفة على التراث نفساً جديداً للمسرح المغربي، وجعلته مسرحاً مرغوباً فيه، بحكم ما يحمله من دلالات ذات علاقة بالهوية بالنسبة للمُشاهد. ففي سبعينيات القرن الماضي، أصبح التراث داخل المسرح بمثابة موضة فنية، يُحاول عبرها كل المسرحيون الانتساب إليها، وبالتالي، فكلّ عمل مسرحي يمزج الواقع بالفكر لم يكُن يحظى باهتمامات النقاد. أما اليوم، فإنّ الاشتغال على التراث يبدو وكأنّه ينسحب تدريجياً إلى الوراء، مُفسحاً المجال إلى أشكال فرجوية أخرى.
إنّ مشكل التراث في المسرح المغربي تتمثّل في كون المخرجين يعملوا على محاكاة الواقع. فيبدو هذا التراث وكأنّ مُرتبطٌ الإكسيسوار والديكور واللغة المسرحية المعتمدة، في حين يبق الجوهر الفكري مُغيّباً. ذلك إنّ المسرح في عمقه عبارة عن عملية فكرية تختبر السراديب وتكشف الإيديولوجيات وتنحت الأفكار وتعمل على تخييل السياقات والوقائع.