والحقيقة أنّ هذا الكتاب يُعيد لفرقة ناس الغيوان بهجتها وأصالتها من الناحية الغنائية. ذلك إنّ الاهتمام بخطابها الفني يُعيد لها بهجتها وسط سيطرة الأغنية الترفيهية. بل إنّ اصدار الكتاب في هذا الوقت يجعله يمتلك قيمة معرفية كبيرة في وقتٍ لا تُطالعنا إلى كتاب النقد الروائي لدرجةٍ تبدو فيها الثقافة المغربية وكأنّها ثقافة « روائية » ولم تعرف يوماً باقي الأجناس الأدبية والفنية. عودة بحراوي إلى ناس الغيوان من خلال اصدار جديد يضاعف مسؤولية النقاد تجاه الثقافة الفنية بالمغرب وضرورة الاهتمام بتاريخها وذاكرتها، سيما وأن الساحة الفنية المغربية أعنى الساحات في العالم العربي وتحتاج إلى رصد ومتابعة ونقد وتفكيك كل ما يصدر من الناحية الغنائية. بل إنّ اصدار كتاب عن ناس الغيوان يزيد ثقافتنا عمقاً وحداثة ويدفع العديد من الموسيقيين والمغنين إلى الاعتراف بقيمة الخطاب النقدي وأهميته في إعادة صياغة معالم الأغنية وإبراز قيمتها وجمالياتها.
يقول بحراوي « من المؤكّد أنّ الظاهرة الغيوانية هي في المقام الأوّل صنيعة شبيبة السبعينات التي كانت تعيش حالة التمرّد القصوى على الغناء العصري والشرقي الذي صادر بالنسبة إليها بكائيات ومناحات لا تنتهي، فهم الذين احتضنوا هذه التجربة الجديدة وشكلوا جمهورها المتحمّس والصاخب في القاعات والمسارح والساحات، وهم من تبنى غناءها حريف المذاق وغريب الأسلوب الذي أجمع أ{باب الموسيقى على استهاجنه ووصمه بأحطّ النعوت. وقد فعلوا ذلك نكاية وضداً في الغناء العصري الذي صار إلى ترهّل وفساد في الكلام وضحالة في اللحن، ومن جهة أخرى وجدوا فيه شيئاً مما يذكّرهم بالأهازيج الشعبية والمرددات الفطرية التي تربوا عليها في فترة ما بعد الاستقلال ».