ويعتبر هذا الكتاب، الذي أشرف عليه الباحثان أحمد العلمي ومحمد المحفيظ، أستاذا الفلسفة بجامعة ابن طفيل، مرجعًا مهما للمهتمين بمسألة التسامح في أوربا في عصر النهضة، وبما حدث في أوروبا المسيحية من بناء فكري يدعو إلى العيش المشترك وتقبل المعتقد المغاير كرد فعل ضد تفشي التطرف الديني الذي استشرى منذ العصر الوسيط. ويتطرق الكتاب إلى موضوع التسامح خلال عصر النهضة انطلاقًا من منظور رواد عصر النهضة من أمثال بيكو ديلا ميراندولا ودريدريوس إرسموس ومارتن لوثر ولاس كاساس وغيرهم.
وحسب ما رود في الكتاب « تحيلنا مسـألة التسـامح فـي أوربـا إلـى أسـماء لامعة لمفكرين مـن القـرن السـابع والثامـن عشـر، وأعمال بـارزة مثـل « رســالة فــي التســامح » جلــون لــوك، ومؤلفــات بييــر بايــل مثــل « القامــوس التاريخــي والنقــدي » و »نقــد عــام لتاريــخ الكلفانيــة »، أو »تفســير فلســفي لقــول يســوع المسيح: أرغموهــم علــى الدخــول ». وإن كان كل ذلــك جــاء كــرد فعــل ضــد العنــف الدينـي الـذي سـاد في أوربـا خلال القـرن السـابع عشـر، فـإن الدعـوات الفلسـفية إلـى التسـامح لـم تكـن وليـدة هـذا القـرن، ولـم تـر النـور مــع أولئــك الفلاسفة، علــى الرغــم مــن علــو كعبهــم الفكــري وتحليهم بشــجاعة جعلتهــم يواجهــون أعتــى الســلط السياســية والدينيــة ».
كما « واكــب ظهــور فكــرة التســامح فــي أوربــا فكــرة التعصـب ذاتهـا، واتخـذت شـكل رد فعـل ضـد تفشـي التطـرف الدينــي الــذي استشــرى بهــا منــذ العصــر الوســيط. ولعــل أهــم مميــزات فكــرة التســامح فــي عصــر النهضــة، أن المدافعين عنهــا تميزوا بكونهــم عمــدوا إلــى صياغــة مواقفهــم ِ وصقـل حجاجهـم مـن خـال بنـاء فكـري يقـوم علـى إعـادة قـراءة الكتـب المقدسة؛ قـراءة تذهـب إلـى أن المسيحية الأصلية تدعـو إلـى العيـش المشترك، لا إلـى الإقصاء، تدعـو إلـى تقبـل المعتقد المغاير، لا إلــى القتــل ».