يرى المديني بأنّ كتابه هذا يضم « استطلاعاً عن رحلات قمت بها في فترات متقاربة ومتباعدة إلى بلدان من أمريكا الجنوبية، هي بالتتابع المكسيك، كولومبيا، البرازيل والأرجنتين وشيلي. نظلع في الكتاب عن مجمل ما تحفل به هذه البلدان من طبيعة وعمران واجتماع وتقاليد ومعالم أثرية وثقافية مع تشخيص دقيق لليومي ونفاذٍ إلى خلفية الصورة. إنّك تسافر معي في الجغرافيا والعيش اليومي وتنتقل مكتشفاً ومندهشاً بما تزخر به هذه البلدان من كل شيء، تمشي فيها إنساناً لا سائحاً ترى بعيني ومن خلال الناس والأشياء، فالنظر هو الأوّل ثم تتفاعل مع المرئي من بؤرة ذاته هكذا يلتحم البصر بالإحساس بتلقائية وبدون أي حكم، لا نذهب إلى بلاد الناس لنحكم على حضارتهم ولكن لنغني معرفتنا بالإنسان ونتعرّف كذلك على المجهول فينا، أقدم لكم رحلاتي في قالب سردي ستقرؤون حكايات بشخصيات وكلها حقيقية وإنْ تلوّنت بانطباع الذات وغلالة العبارة الواصفة بهذا يخالف فن الرحلة الحديث عن القديم، هو عين على الخارج واستبصار للداخل، أمريكا الجنوبية مسرحٌ باهر لهما ».
جدير بالذكر أنّ أحمد المديني إلى جانب أدب الرحلة يكتب القصّة والرواية والنقد ويعتبر من العلامات البارزة في المشهد الأدبي بالمغرب. وذلك لكونه وضع النصّ الأدبي في سياقات مختلفة، بما يجعل الأدب أفقاً للتفكير في قضايا تتّصل بالسياسة والذاكرة والاجتماع. إذْ يصبح فعل الكتابة عند صاحب « أحدب الرباط » ضرورة للتفكير في مآزق وإشكالات ترتبط بالواقع. ورغم أنّ عوالم الكتابة عند المديني قد تبدو في بعض النصوص كأنّها تبدأ من تجارب فردية أو لحظاتٍ مقتنصة من سيرته الشخصية، إلاّ أنّها تأخذ على مستوى الكتابة بعداً تركيبياً يجعلها ذات صلة بالمجتمع. لكنْ إلى جانب أعماله الأدبية المتنوعة بين القصّة والرواية، برع أحمد المديني في مصنّفاته النقدية، حيث وضع النصّ النقدي في أفق ثقافي مختلف ومغاير يستمدّ ملامحه من العلوم الإنسانية ونظيرتها الاجتماعية.