إنّ العمل الفنيّ، سواء كان سينمائياً أو تشكيلياً أو فوتوغرافياً، يعيش سيرة أخرى مُزدوجة حين يُلقي بنفسه داخل وسائل التواصل، لأنّه يجد نفسه في علاقة حميمية واشتباكٍ بصريّ خلاّق مع المُتلقّي الذي يُكسّر بدوره من سُلطة الناقد على مستوى الكتابة ومنازعها الجماليّة، من خلال تقديم الرأي في المنطلقات الفنية التي أسّست مسار ووعي العمل الفنّي. فالفيلم السينمائي، يبدأ حياة جديدة منذ أوّل وهلة يتمّ فيها عرض الفيلم أمام الجماهير، وسواء كان النقد إيجابياً أو سلبياً، فهو يعيش في منزلتين، الأولى في ذهنية كاتبه ومخرجه، والثانية في قلوب الناس الذي يُشاهدونه.
بهذا المعنى يغدو التأويل لعبة ناجعة لملامسة جوهر الفيلم وإبراز خصائصه الفنية والجماليّة. وعلى الرغم من أنّ المُتلقّي، لا يكون دوماً عارفاً بالأفكار والسياقات التاريخيّة والمفاهيم الجماليّة، فإنّه يُساهم في خلق نقاش معرفي حادّ مع باقي النقاد. لم يعد الناقد السينمائي وحده من يكتب في السينما، بل أحياناً تظهر بعض أقلام المدونين الذين يرتادون عالم الفنّ السابع ويُحاولون كلّ من جهته ومنطلقاته خلق مناوشات فنّية مع الصورة ومُتخيّلها. لكنّ مُجمل هذه الكتابات ترتكز فقط على إعطاء انطباعات أوّلية حول أفلام غربيّة، لكنّها لا تقوى على نقد التفاهة المُقنّنة التي بات يمطرنا بعض النجوم عن طريق صفحاتهم الرسمية.
منذ مطالع الحقبة الحديث والمغاربة مصدومون بالحداثة، انطلاقاً ممّا عاينوه في رحلاتهم العلمية وسفرهم الدبلوماسي صوب بلدان أوروبية متعدّدة، بسبب التأخّر الذي شعروا به في لحظةٍ من سفرهم، كما هو الحال للعديد من السفراء المغاربة التقليديين الذين ما يزال تاريخ الفنّ يحتفظ لهم ببعض الصُوَر الفوتوغرافية، نظراً لتلك الدهشة التي انطبعت على وجوههم خلال مشاهدة مسرحية أو عرض أوبرالي.
لقد تحوّل المغاربة من الشعور بصدمة الحداثة إلى متابعة التفاهة على التلفزيون ووسائل التواصل التي كرّست الترفيه والاستهلاك وأنهت مسلسل الالتزام الذي طالما تغنى به المثقف خلال القرن العشرين. لم يعُد للمثقف المغربي ما يُقدّمه للمجتمع، فقد كشفت بعض التجارب المعاصرة، كيف أضحى يلهث بدوره وراء الترفيه والتسطيح، جاعلاً من صفحته عبارة عن مسرح كرنفالي لـ « تَقشابْ » بدل الحرص على إنتاج خطاب معرفي من شأنه أنْ يخدم واقع السينما المغربية وتحوّلاتها البصريّة.
إنّ التهريج الذي بتنا نُشاهده اليوم داخل الصالات السينمائية أصبح في نظر البعض رأسمالاً رمزياً يحتمي به ويُروّج له على أساس أنّه مشروع سينمائي. لم يكُن الفيلم التجاري يوماً عملاً فنياً، رغم المجهود الذي بُذل فيه على مستوى التمثيل والتصوير والتوضيب. لأنّ كتابته تبقى معطوبة ومُتصدّعة وتحكمها هواجس تجارية أكثر منها فنّية. فالرهان على الترفيه، لا يُقدّم أيّ شيءٍ للسينما، بقدر ما يُعطّل مسارها ويجعلها لا تنتبه إلى تحوّلات كبيرة يشهدها الواقع.
من هذا المنطلق، فإنّ وظيفة الناقد أنْ يكشف أعطاب بعض الظواهر التي تنمو داخل المَشهد السينمائي والعمل على تفكيكها ونقدها، حتّى لا تُصبح حقيقة في عيون الناس. وقد يندهش المرء من قُدرة بعض المدونين وبشكلٍ تلقائي على نقد المغشوش الذي تتستّر عليه بعض الأفلام السينمائية. بل إنّ بعضهم لا يجد أيّ حرجٍ في نقد الفيلم والسخرية منه. بقدر ما أتاحت وسائل التواصل الاجتماعي الحرّية على مُستوى الكتابة والتعبير والتعليق، فإنّها من جهةٍ أخرى عمّمت التفاهة، وجعلت بعضهم يصير نجماً أكثر من كونه مُدوّناً. هذا الأمر، يجعله يتخيّل أنّه يمتلك حقيقة ما، فقط لأنّه يحشد وراءه قبيلة من المؤيدين لأفكاره.