في كلمة مختبر السرديات التي ألقتها الأكاديمية وأستاذة اللغة الإسبانية وآدابها عائشة المعطي، اعتبرت أنّ فكرة الندوة بدأت « صغيرة ثمّ أصبحت في لحظةٍ ما كبيرة » ذلك إنّ التحضير لها تطلّب بعضاً من الوقت، حتّى تبرز معالم الاشتغال على سرود أدب أمريكا اللاتينية، بعدما لاحظت مظاهر الحماس والاجتهاد لدى الطلة للغوص في هذا النوع من الأدب المُركّب المفتوح على جُرح الحياة، إذْ رغم رغبة الطلبة في النفاذ إلى جوهر هذا الأدب، إلاّ أنّ صعوبة المصادر والمراجع باللّغة العربيّة على حد تعبير الباحثة، جعلتهم يصطدمون بواقع آخر، يطرح أسئلة تُدين فداحة المؤسّسات والتقصير الذي يطال هذا الأدب من طرف المتخصصين في اللّغة الإسبانية، على الرغم من عائشة المعطي، التي تُعدّ أحد أبرز الباحثين في الأدب الإسباني، أبدت كعادتها عن استعدادها إلى فتح أوراش أدبيّة تُعنى بترجمة بعضٍ من هذا الأدب إلى لغة الضاد.
وفي هذا الصدد، اعتبرت ممثلة مختبر السرديات بأنّ الكتابة النسوية حول أدب أمريكا اللاتينية يبقى غائباً داخل الثقافة العربيّة المعاصرة، مُشيرة إلى الدور الكبير الذي قام به المترجم الكبير صالح علماني في نقل هذا الأدب إلى العربية، إذْ بفضله سيتعرّف القراء على كتابات الروائية التشيكية ايزابيل الليندي التي ترجم لها العديد من الروايات.
بعد كلمة الطالب الباحث ممثل الطلبة محمّد الورداشي، الذي قدّم كلمة باسم الماستر والمختبر عبارة عن كلمة شكر للمرأة في العالم ككلّ، انطلقت الجلسة الأولى من تسيير ربيعة برينة التي تحدّثت عن أهمية موضوع المرأة، باعتباره يدخل ضمن القضايا المركزيّة التي يطرحها هذا الأدب في علاقته بأسئلة الواقع والتخييل. وبعد ذلك توالت مداخلات كلّ من يونس شفيق بـ « لمحة تاريخيّة عن أدب أمريكا اللاتينية » ومريم بولحية بـ « الواقعية السحرية: بوابة أدب أمريكا اللاتينية على العالم » وأمين قزدار بـ « عقدة أوديب في الرواية الأمريكية اللاتينية » ولطيفة حدوش، فجاءت مداخلتها تحتث عنوان « صور خوانا إينس دي لاكروث: رائدة الكتابة النسائية ».
وفي الجلسة الثانية التي سيّرها مصطفى بودولة، فشارك كلّ من فاطمة بوزيد بـ « المرأة الشاعرة: غابرييلا ميسترال والفونسينا سطورني نموذجاً » وعمر بيهي بـ « إيلينا غارو: رمز النضال والتحدّي »، ثم بشرى العلالي بـ « روساريو كاستبيبانوس: أيقونة النضال النسوي المكسيكي » ونورة الخير بـ « ماريا لويسا بومبال: امرأة من عالم آخر ».
أما الجلسة الثانية، فكانت عبارة عن رصدٍ لصورة المرأة في الرواية الأمريكية اللاتينية، وذلك على شكل قراءات تحليلية تغوص في مُتخيّل أمريكا اللاتينية، وقد سيرت كلا الجلستين غزلان الطاهري ونعيمة لشكر، حيث قدّمت نادية بوراس مداخلة بعنوان « سرديّة الجنون: المرأة في رواية هذيان للاورا ريستريبو » ومحمّد الخلفي بـ « بطلة جيوكاندا بيللي في المرأة المسكونة من الرفض الاجتماعي إلى التمرّد السياسي » وفاطمة قدو بـ « جمالياة السرد النسائي في حكايات إيفا لونا لإيزابيل الليندي » ومريم مطيب بـ « صورة المرأة في رواية كالماء للشكلاطة للاورا إيسكيبل. بينما ذهب كل من فاطمة الزهراء الزين وسعيد خربوش وسمية توفيق وإيمان بنيجة » إلى تشريح روايات وتجارب أخرى من أدب أمريكا اللاتينية، سواء عبر عنصر التمثيل أو القراءة أو التحليل.
ثمّة ملاحظاتٌ هامّة يُسجّلها الحاضر، ونُجملها في مُلاحظتين، الأولى، أنّ الموضوع شاسع جداً لدرجة أنّ مُختلف الطلبة على اختلاف تكوينهم ومرجعياتهم غير قادرين على الإحاطة بكلّ مناحي هذا الأدب بسبب كبر جغرافيته وتتعدّد مرجعياتهم ولصعوبته في طرق مواضيع مُختلفةٍ تتعلّق بالجسد والسياسة والاجتماع، وهو أمرٌ يدعو بشكلٍ منهجي إلى تغيير أساليب المدح التي قامت عليها بعض المداخلات في تتبع هذا الأدب ومكانته وأهميته داخل جغرافيات الأدب العالمي. فهذا النمط المُركّب الذي يتميّز به أدب أمريكا اللاتينية، يجعل الباحث يُغيّر في كلّ موضعٍ أدبي أدواته التحليلية من أجل النفاذ بشكلٍ أعمق إلى النصّ الروائي وإبراز ما يحبل به من أسرار وجماليّات.
والحقيقة أنّ هذا المأزق لا علاقة له بالطلبة الذين بذلوا مجهوداً هامّاً وكبيراً ففي تتبّع مصائر الشخصيات وعوالمها المتخيّلة، بل يرتبط بالحث الجامعي ككلّ. إذْ يعتقد « الدكاترة » أنّ سرّ نجاح بحوثهم كامنٌ في الإخلاص لأحادية المنهج الأدبي، في وقتٍ تجاوزت فيه الثقافة المعاصرة هذا المنحى، صوب الانفتاح على تعدّد المناهج، لكون النصوص الروائية المعاصرة عبارة عن بلّور مُتعدّد الأضلع يصعب فيه القبض عن حقيقةٍ واحدة، أمام تعدّد الواقع نفسه.
أمّا الأمر الثاني، فيرتبط بمضوع الندوة، إذْ أنّ أغلب المُداخلات لم تستوفي شروط تحقّقها في علاقتها بالموضوع المطروح، إذْ أنّ أغلب الدراسات، ظلّت خارجة عن المرأة وتتناول قضايا أخرى ذات علاقة بأدب أمريكا اللاتينية، رغم أنّها كانت مُهمّة في طرحها وبسطها ونقاشها. والحقيقة أنّ الزائر قد لا يجد تبريراً لهذا الـ « خروج » سوى بسبب غياب وانعدام المراجع التي تتطرّق إلى موضوع المرأة في أدب أمريكا اللاتينية، ما يُفسّر السرّ وراء ذهاب بعض مداخلات المحور الثاني إلى شكلٍ من القراءة الشذرية التي لا تُقدّم للمُستمع سوى شذرات أو أنفاسٍ مُستقطعة من النصوص الروائية، لأنّها تعتمد على التحليل والبناء.