تأتي قيمة الكتاب في كونه يفتح الثقافة المغربية على تخوم لا مفكّر فيها. ذلك إنّه يُفكّك بداية المنظور المعرفي الذي تتأسّس عليه راهن الثقافة وكيف غدت ثقافة تميل إلى السرد أكثر من اهتمامها بالصورة. بل إنّ العديد من المؤسسات تتعامل مع الرواية باعتبارها الجنس الأدبي الوحيد القادر على القبض عن تفاصيل الحياة المعاصرة. مع العلم أنّ هناك وسائط فنية تستطيع التعبير بقوة بسبب اختلاف حواملها وأسندتها أكثر من اللغة المكتوبة. ولعل اصدار كتاب من قبيل « المؤلف في الصورة » يزيد من الوعي بقيمة الثقافة البصرية داخل ثقافة مغربية تتشبّث بالتقليد وتجعل منه أفقا ثقافية. لهذا فإنّ عودة الناقد إلى الاشتغال على براديغم الفن المعاصر يترك انطباعاً أصيلاً بضرورة الدخول في معترك النقاش وتهديم اليقينيات وبناء سرديات جديدة تُعيد للفن المغربي بهجته وقيمته تاريخياً وجمالياً. ويحرص صاحب « قارئ الرواية » في أعماله النقدية ودراساته وندواته التفكير في الفنّ المعاصر وفهم خصوصياته وأساليبه الفنية وأشكاله التعبيرية.
يقول المؤلف « ينطلق هذا الكتاب من فهم للفن المعاصر وأشكاله واختياراته الأسلوبية، متصل بمفهومي الأدبية المستحدثة والبحث الوثائقي بالنظر إلى اكتمال ملامح رصيد فني اليوم، بدأ يبث تأثيره شيئاً في حفلي التعبير والتواصل وفي المجتمع الثقافي من أبرز سماته تأليف الصيغ والأشكال التصويرية عبر النهل من مرجعيات أدبية ومعرفية متباينة. ذلك ما يلاحظ في فن الفيديو والتركيب الإنشائي وفن الأداء الجسدي والكولاج الصباغي والفوتوغرافي وغيرها من صيغ المزج بين السمعي البصري والمكتوب. كما أنّ ما يدفع إلى الاعتقاد بتحوّل ممارسة الفنان المعاصر إلى اختيارات أدبية وبحثية ارتكازه على قيم مأثورة في الحقلين، تنهض في طليعتها تقاليد الكتابة والعودة إلى المرجع وما قد يلمس من اختصاص فنانين ذوي شهرة وتأثير في موضوعات فلسفية وسياسية وثقافية وتأصيلهم لأسئلتها عبر سنوات من البحث في الوثائق والأرشيفات والكشوفات المعرفية ».
ويسعى الكتاب حسب مؤلفه إلى « بيان ما لمفهوم المؤلف من جدوى في فهم طبيعة اشتغال الفن المعاصر. فمن جهة لم يتبق للشكل الثابت المفصول عن بنية الخطاب اللفظي، مركزية مطلقة ومن جهة أخرى بات لدينا مجموعة من المتدخلين في العمل في مقدمتهم الفنان نفسه الذي يتجلى في المراحل كلها باعتباره صاحب مشروع بصري له تحققات ممتدة في الزمن بمظاهر مطردة التطور ».